عنوان هذه المقالة، هو عنوان لكتاب قيّم، أصدرته دار القلم في دمشق والدار الشامية في بيروت لعلامة الدِّيار الهندية الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الحي بن فخر الدِّين الحسني النّدوي، ومثل إصداره إضافة قيّمة للمكتبة العربية الإسلامية، نظراً الى ما لمؤلَّفه من قيمة علمية وثقافية عالية في شبه القارة الهندية بشكل خاص، وفي كل أرجاء العالم الإسلامي بشكل عام، وتأتي هذه المقالة التعريفية بكتابه القيم هذا بمناسبة مرور مئة عام على ولادته رحمه الله. ويتألف الكتاب من ثلاثة أقسام: الأول منها، دوّن فيه المؤلَّف تراجم عدد من العلماء الأعلام الذين عاصرهم، والثاني منها دوّن فيه تعريفات مختصرة بمجموعة من الكتب التي عاش معها خلال سنوات حياته المديدة، وفي الثالث منها، دوّن تعريفات موجزة بعدد من الكتب التي قدَّم لها على فترات متباعدة من سنوات العطاء في حياته المفعمة بالجدّ والاجتهاد والعمل الدؤوب، الأمر الذي كان له أكبر الأثر في بلوغه أعلى الدرجات في سُلَّم الألمعية والشهرة في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه. ويحسن بي أن أعرف القراء الكرام بمؤلِّف الكتاب أولاً باختصار فأقول: ولد المؤلِّف في إحدى القرى في شمالي الهند، لأسرة ينتهي نسبها إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، سبط رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وريحانته سنة 1333ه / 1914م، ونال علومه الأولى في قريته ثم قصد مدينة لكنو فتعلم فيها اللغة العربية واللغة الانكليزية ومبادئ العلوم الشرعية، وقرأ فيها على عدد من الشيوخ كتب الأدب باللغة الأوردية، وتعلّم اللغة الفارسية، ثم التحق بقسم الأدب العربي في جامعة لكنو وتخرّج فيه. ثم رحل إلى عدد من البلدان العربية والتقى بجمهرة كبيرة من أعلام علمائها وأدبائها فأفاد منهم وأفادوا منه، ثم عاد إلى الهند وتولى التدريس في دار العلوم التابعة لندوة العلماء الشهيرة في الديار الهندية. واتصل بالشاعر الكبير محمد إقبال وبالعلاّمة الكبير أبي الأعلى المودودي رئيس الجماعة الإسلامية في الدّيار الهندية فاختاره ليكون أحد أعضائها. ومارس الدعوة لدين الله عزّ وجل في مدن وقرى الهند سنوات طويلة، ونال جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام، وسمّي عضواً في المجمع العلمي العربي في دمشق، وتم اختياره كأحد أعضاء الهيئة التأسيسية لرابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة، وكان مكثراً من التأليف، فخلّف ما يقرب من مئة كتاب في كل فروع الثقافة الإسلامية، منها «إذا هبّت رياح الإيمان» و «الاجتهاد ونشأة المذاهب الفقهية» و «الإسلام في عالم متغير» و «الإسلام والحضارة الإنسانية» و «الإسلام والغرب» و «العرب والإسلام» و «النبوّة والأنبياء في ضوء القرآن الكريم» و «دور الإسلام الإصلاحي الجذري في مجال العلوم الإنسانية» و «دور المرأة في بناء المجتمع الإسلامي» و «الثقافة الإسلامية في الهند» و «رجال الفكر والدعوة في الإسلام» و «رسالة النّبي الأمين إلى إنسان القرن العشرين» و «سيرة خاتم النَّبيين» و «كيف دخل العرب التاريخ» و «فضل البعثة المحمدية على الإنسانية» و «مختارات من أدب العرب» و «مذكرات سائح في المشرق العربي» و «منهاج الصالحين» و «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» وقد عمّت شهرته الآفاق وترجم إلى عدد كبير من اللغات العالمية، و «شخصيات وكتب» وهو موضوع هذه المقالة، وقد استوفيت الكلام على سيرته «الذيول» الثلاثة على كتاب «الأعلام» للعلامة المؤرخ خير الدين الزركلي. ويقول المؤلِّف في مقدمته للكتاب: «كان أدب التراجم والسِّيَر من أحب الآداب وأخفّها وأسهلها لي، وكانت هوايتي وشغلي الشاغل في سن قلّما تيسرت فيها الكتابة للكثير من هواة الأدب والإنشاء، فبدأت أؤلّف في تراجم الرجال وسير النَّابهين من العلماء والمصلحين... وكذلك [فإن] تقديم كتاب لمؤلّف معاصر، أو عالم كبير، أو صديق عزيز، أو صديق عزيز، ليس عملاً تقليداً يقوم به الكاتب مجاملة أو تحقيقاً لرغبة المؤلّف أو الناشر... إنه شهادة تزكية ولها أحكامها وآدابها ومسؤوليتها، وقد يتحول [التقديم] من شهادة بالحق وتقويم للكتاب تقويماً علمياً... إلى سمرة تجارية أو قصيدة مدح وإطراء من شاعر من شعراء المديح فيفقد [بذلك] قيمته العلمية ويتجرد من الحياة والروح، ولا بد في التقديم من زيادة معلومات وإلقاء أضواء على موضوع الكتاب ومقاصده، وعلى حياة المؤلِّف ومكانته بين العلماء في عصره ومصره، وعلى تكوينه العقلي ونشوئه العلمي، والدوافع التي دفعته إلى التأليف في هذا الموضوع، رغم وجود مكتبة واسعة في موضوعه... ولا بد من أن تكون بين المقدّم للكتاب وبين موضوعه صلة علمية أو ذوقية أو دراسة وافية للموضوع وما ألَّف فيه... ويجب أن يكون التقديم [ناتجاً] من اندفاع وتجارب وتحقيق لرغبة نشأت في نفس المقدّم بعد قراءة الكتاب، تحضّه على كتابة التقديم». وفي القسم الأول من الكتاب كتب المؤلِّف تراجم لجمهرة من العلماء والأدباء من أعلام الدِّيار الهندية والأمة العربية، أذكر منهم الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي، والشيخ عبدالقادر الرايئبوري، وشيخ الحديث في الديار الهندية محمد زكريا الكندهلوي، والعلاَّمة السيد سليمان الندوي، والدكتور السيد عبد العلمي الحسني مدير ندوة العلماء في الهند، والشيخ خليل بن محمد اليماني، والشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين، والدكتور مصطفى السباعي، رحمهم الله تعالى. وفي القسم الثاني من الكتاب تحدث المؤلّف عن طائفة من المؤلّفات الإسلامية الهندية والعربية، ك «فتوح البلدان» للواقدي، و «ديوان مد الإسلام وجزره» للشاعر الهندي ألطاف حسين، و «الفاروق» للعلامة الهندي شبلي النّعماني، و «تاريخ كجرات» لوالده الشيخ عبد الحي بن فخر الدين الحسني، و «زاد المعاد في هدي خير العباد» للإمام ابن قيّم الجوزية، و «قيام الليل» للإمام محمد بن نصر المروزي، و «تفسير سورة النّور» للشيخ ابن تيميّة، و «الجواب الكافي عن الدواء الشافي» لابن قيم الجوزية، و «تعليم المتعلم طريق التعلم» للإمام الزّرنوجي، و «الإسلام على مفترق الطرق» للأستاذ محمد أسد، و «الدّين والعلوم العقلية» للأستاذ عبد الباري النّدوي، و «المذكرات» لوالده الشيخ عبد الحي بن فخر الدين الحسني. وفي القسم الثالث من الكتاب تحدث المؤلِّف عن مجموعة من الكتب التي قدَّم لها، وجميعها لمؤلِّفين هنود، وبعضها نشر باللغة الأوردية، ومعظمها صدر بطبعات باللغة العربية، وهي: «إظهار الحق» للعلامة الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن العثماني الكيرانوي أحد المدرسين السابقين في المسجد الحرام في مكَّة المكرمة، و «الهند في العهد الإسلامي» لوالده الشيخ عبدالحي بن فخر الدين الحسني و «حجَّة النّبي (صلّى الله عليه وسلّم) وعمراته» للشيخ محمد زكريا الكندهلوي، و «حياة الصحابة» للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، وقد كان لي شرف تحقيق إحدى طبعات هذا الكتاب القيّم بالاشتراك مع زميلي الدكتور رياض عبدالحميد مراد وصدرت في بيروت قبل عشرين عاماً، وشارك في التقديم لها أيضاً والدي الشيخ العلامة الشيخ عبدالقادر الأرناؤوط رحمه الله، و «الإسلام الممتحن» للأستاذ محمد الحسني، و «باقة الأزهار» للأستاذ محمد ناظم الندوي، و «حياة العلامة الأمير صدِّيق حسن خان» للدكتور محمد اجتباء الحسيني الندوي، وغيرها. وخلاصة القول: إن هذا الكتاب في صفحاته ال (247) من القطع الكبير يمثل صورة من صور الثقافة الإسلامية الراقية في شبه القارة الهندية، وهو جدير بالقراءة من جانب العلماء والأدباء وطلبة العلم على السواء.