الخليج يواصل صدارة ممتاز كرة اليد للكبار    الاقتصاد الصيني بين انفجار فقاعة سوق العقارات.. ورسوم الواردات الأميركية    إطلاق ختم خاص ب"القدرات البشرية"    أربعة محددات قوية تعزز التوجه نحو خفض البطالة    المملكة وتحديات المنطقة العربية    تأييد دولي لجهود المملكة في التحضير لمؤتمر لتسوية القضية الفلسطينية    وزير الخارجية: المملكة ترفض كل أشكال تهجير الشعب الفلسطيني    توطين 25 كائنًا فطريًا مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    تنافس نصراوي - اتحادي على مدافع الأرسنال    أخضر السيدات يختتم معسكر الدمام    تراثية المذنب    "دور العيسى".. منارات تراثية تُضاء من جديد    ديوانية القلم الذهبي تناقش مكانة الأدب وتأثيره    150 دقيقة مشي أسبوعيًا للوقاية من الأمراض وتحسين "النفسية"    أدوية القلق تغير سلوكيات السلمون    موسم الهلال مع جيسوس في خطر    فريق النهضة للكاراتيه تحت 12 عامًا يتأهل للدوري الممتاز    مبادرات إنسانية تصنع الفرح وتسعد القلوب    Meta متهمة باستغلال المراهقين    الحيوانات الأليفة تنافس الزواج والمال    دحول الصمان ورسائل الزمن    في محبة خالد الفيصل الصالات تشرح مجالس الرجال    فيضان البيانات وفقر الخيال    في ظلال مطاع صفدي والفلسفة الأخيرة    إطلاق 2270 كائنا في 33 محمية ومتنزها    قرنية أمريكي تعيد النظر لسعودي وسورية    نغيث حتى الفكر    المملكة توزّع 416 سلة غذائية في مديرية المنصورة بمحافظة عدن    أمير تبوك يستقبل مستشار السلامة المرورية    إمام المسجد النبوي: تذكُّر الآخرة يُثبّت المرء على الطاعة    الزواج الآمن    3 حيل لغسل الأموال في سوق العقار    ثنائية رونالدو تهدي النصر الفوز على الرياض    السعودية تتصدر الخليج في مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي    الشاهد الكاذب    العالمي يقترب من الوصافة    ضبط إثيوبي في جازان لترويجه (8) كجم "حشيش"    أمير تبوك يعزي أبناء جارالله القحطاني في وفاة والدهم    سعود بن نهار يطلق ملتقى الورد والنباتات العطرية في نسخته الأولى    طريف الأدنى في درجات الحرارة    "الحياة الفطرية" تؤكد: جراء الذئاب الرهيبة المعلن عن ولادتها مجرد ذئاب رمادية معدلة وراثيًا    حج 1446 الأخير في فصل الصيف لمدة 16 عاما    الصحة تدعو للمشاركة في أكبر فعالية مشي تُقام بالمملكة    خليفة جيسوس.. انتظار انزاغي وموافقة رازفان    فريق صُنّاع التميز التطوعي ينفذ مبادرة "عساكم من عوّادة" بالتعاون مع جمعية الإعاقة السمعية في جازان    مشامر الجلوات السبع صناعة هندية وطقوس سعودية    شركة "لسان الميزان – محامون ومستشارون" تستقبل الدكتور محمد بادغيش في جازان    أمين منطقة القصيم يلتقي مدير مكتب جمعية الوداد الخيرية بالمنطقة    مشروع الأمير محمد بن سلمان يُجدّد مسجداً عمره 13 قرنًا    الحياة الفطرية تُطلق 25 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    90 دولة تشارك بمهرجان الثقافات والشعوب    محافظ الطوال يعزي أسرة المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن حسين النجمي    الصين تنفي إرسال جنود للمشاركة في الحرب بأوكرانيا    الاحتلال يقتحم نابلس موسعا عدوانه بالضفة الغربية    ولادة ظبي رملي بمحمية الأمير محمد بن سلمان    الحسد    سطوة المترهلين في الإدارة    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاومة بالتزوير: تبديد للفكرة وانتصار للطائفية
نشر في الحياة يوم 29 - 06 - 2013

تتنوع طرائق المقاومة باختلاف النماذج المعرفية وما تحوي من قيم تسعى المقاومة إلى الحفاظ عليها والزج عنها. وكلما تباعدت النماذج المعرفية واختلفت في أساسها وثوابتها سارت المقاومة واضحة عارية من الالتباس بين الطرفين المتصارعين اللذين فقدا المشترك الإنساني للتعايش بينهما وسعى أحدهما لإقصاء الآخر. إلا أن الإشكالية تكمن في أن يقاوم طرفان متصارعان ينتميان إلى نموذج فكري أو ديني واحد. من هنا ينشأ الالتباس نتيجة محاولة طرف اختطاف الفكرة لطائفة تبدد الفكرة من أساسها وتزيف مضمونها.
ففي العام 2006 اكتسب «حزب الله» شعبية كنموذج للمقاومة في لحظة كان يتلمس فيها الوعي العربي والإسلامي الشعور بالقدرة على المواجهة والمقاومة ويبدو أن الشعور بالضعف تجاوز بنا بوعي أو من دون وعي حقيقة النموذج الفكري المؤسس لفعل المقاومة، على حين انعكس موقف «حزب الله» منذ بداية الثورة السورية وما يمارسه النظام البعثي من جرائم دموية ضد الشعب السوري على الصورة التي تولد له كفصيل مقاوم في هذه الحرب.
فالدعم المباشر من إيران و «حزب الله» وما أفادته تقارير عن مشاركة شيعة عراقيين بجانب القوات النظامية إلى تأجيج الاستقطاب السني الشيعي الحاد والمنذر بتجاوز الساحة السورية يجعله يتمدد إلى مناطق لديها الاستعداد الكامن له بحكم بنيتها الاجتماعية لهذا الصراع.
وفي المقابل أدت المواقف الشيعية إلى مواقف سنية حادة ضد «حزب الله» كان البعض يتجنبها قبل ذلك حفاظاً على وحدة الأمة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولعل من أبرز هذه المواقف تصريح الدكتور يوسف القرضاوي (أن الذين يسمون أنفسهم «حزب الله» هم حزب الطاغوت استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) بل إنه خاصم علماء السعودية الذين كانوا يحذرون من (حزب الله) كانوا أكثر نضجاً منه وأبصر بالأمور بينما كان هو يدافع عنه لأنه يحارب إسرائيل.
وهو ما أعاد التساؤل حول مفهوم المقاومة كمفهوم له دلالات عدة لا يقصر على الصورة القتالية، بل هي بالأساس منظومة معرفية. واحتلت المقاومة مكاناً بارزاً في أدبيات الفكر الإسلامي منذ نشأته الأولى، فهي انحياز واضح وصريح للفكرة، واتسمت بطابع منهجي إسلامي جعل من المقاومة انحيازاً للقيمة والفكرة على حساب هوى النفس والانتماء الطائفي والعرقي. فالمقاومة في الفكر الإسلامي استراتيجية مستمرة في الحياة، لأن الجهاد بمفهومه العام يتضمن الصورة القتالية وصوراً أخرى لكل جهد موجه لغرض الإصلاح والدعوة إلى الحق. فالصوفية يصفون جهاد النفس بالجهاد الأكبر والقتال فهو الجهاد الأصغر. إلا أنه يمكن القول إن المقاومة ليست قاصرة على ممانعة الآخر الذي يسعى إلى إقصاء الذات بل هي بالأساس ممانعة الذات من الطغيان على الآخر المشارك في الهوية والانتماء الحضاري، كما أنها ليست فعلاً موجهاً للمعتدي لمنعه عن الظلم فقط، بل هي أيضاً مقاومة للذات لكي يتسع أفقها للتعايش مع الآخر المختلف في المذهب والمخالف للعقيدة، فالمقاومة تبدأ أولاً من الذات قبل الآخر. فممانعة الذات تؤدي إلى العدل في التعامل مع الآخر، فهي ليست قدرات وامكانات مادية فحسب، وإنما هي قوة روحية ونفسية.
فالإنسان الذي يمانع الآخر الذي يرى فيه الجور والتعدي على الحق لا يتسني له هذا إلا بممانعة نوازع الذات من الجور. فالمقاومة هي بمثابة إصلاح للنفس أشبه بالحارس الذي يذب عن النفس إليها من دواعي نقصان. ويدلل التكتل الشيعي وراء النظام البعثي في سورية صورة تكرس معنى للطائفية أسرفت في تأويل الفكرة تأويلاً فاسداً أخل بمرتكزاتها لأنه جعل التأويل هو الأصل وليس الاستثناء فوظف الفكرة لصالح المذهب وليس العكس. فالتأويل الذي سلكه علماء الإسلام يعرفه الجرجاني (صرف اللفظ من معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقاً بالكتاب والسُنة) ويراه أبو حامد الغزالي كاستثناء لا بد منه (إنه ما من فريق من أهل الإسلام إلا مضطر إليه). فالطائفية هي صورة مشوهة للفكرة، إما من طريق الغلو في طرحها يبتكره قادة الناس ذوو النفوس الطامحة إلى القيادة أو السيادة بحُسن أو سوء نية إفراطاً في الأمور. كما أن الطائفية تنشأ أيضاً من طريق الانحراف عن مضمون الفكرة استجابة لهوى النفس أو لمصلحة فئة أو لسيادة مذهب. هذا الانحراف عن مضمون الفكرة الحقيقي قد يجعل مقاومة هذا الانحراف أكثر صعوبة من مواجهة أعداء الفكرة ممن لا ينتمون لها بالأساس ويسعون إلى تبديدها. فتاريخ الحروب الطائفية يدلل على أمرين هما طول الصراع وفظائع الخسائر. فحرب الثلاثين عاماً التي اندلعت في القارة الأوروبية كان طرفاها الطائفة الكاثوليكية والطائفة البروتستانتية، وكان من نتائج الصراع بين الطائفتين أيضاً إبادة ثلث شعوب شرق أوروبا.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.