إعلان الرئيس اللبناني ميشال سليمان أول من أمس أن «أحداً لا يستطيع عزل رئيس الجمهورية»، ورفضه الضغوط على المجلس الدستوري كي لا يتمكن من البت في الطعن الذي قدمه إليه هو ورئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون بقانون التمديد للبرلمان 17 شهراً، نقل الصراع السياسي الدائر في لبنان إلى درجة أعلى مما كان عليه في الأسابيع الماضية، وبات ينبئ بأنه يدور على ما هو أبعد من الخلاف القائم حول التمديد للبرلمان وحول مواقف رئيس الجمهورية من خروق النظام السوري للسيادة اللبنانية والتي أثارت حفيظة «قوى 8 آذار» ولا سيما «حزب الله» إزاء هذه المواقف منذ ما يزيد عن السنة، بحيث أخذت تقول في أوساطها وعلى لسان بعض أقطابها وآخرهم رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، إن سليمان يلبي في مواقفه أجندة أميركية وغربية من الأزمة السورية. وتؤكد مصادر سياسية مواكبة لمواقف سليمان أن قوله أول من أمس إنهم «لا يستطيعون تغيير مواقفه السيادية» أعطى الصراع بينه وبين أطراف في 8 آذار بعداً يتعدى العناوين الحالية المختلف عليها، وتتعلق بصلاحيات الرئاسة الأولى ودورها السياسي في البلاد. تراكمات وتقول المصادر ذاتها إن آخر الوقائع التي زادت من الطين بلة بين سليمان وبعض قوى 8 آذار تفاعلات موقفه من قصف مروحية سورية بلدة عرسال وطلبه من وزير الخارجية عدنان منصور إرسال مذكرة إلى الأممالمتحدة لإبلاغها بالقصف السوري (من دون أن تكون شكوى) وتشاوره مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في شأن إعطاء التعليمات لمنصور لتحضيرها. وتضيف المصادر أن ميقاتي أخذ على عاتقه البحث مع منصور في الأمر فالتقاه لهذا الغرض إلا أن وزير الخارجية أبدى تردداً ورأى أن هذا الأمر يعقّد الأمور مع النظام في سورية، واعتبر أن خطوة من هذا النوع تحتاج إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء الأمر المتعذر لأن الحكومة في تصريف الأعمال، ما دفع بميقاتي إلى الوقوف عند هذا الحد معتبراً أن باستطاعة الرئيس أخذ الموضوع على عاتقه، الأمر الذي تعتبره أوساط وزارية مراعاة لقوى 8 آذار في هذه المرحلة، ما جعل سليمان وحيداً في شأن هذه القضية وهو الأمر الذي دفعه إلى إجراء اتصال ببعثة لبنان لدى الأممالمتحدة للتهيؤ لإرسال المذكرة، في وقت عملت دوائر القصر الرئاسي على تحضيرها. وهو ما أثار امتعاض قوى 8 آذار مجدداً بعد أن انتقدت بعض أحزابها تصريح رئيس الجمهورية عن خرق الجانب السوري السيادة اللبنانية وطلبه إلى الجيش اتخاذ موقف من هذا الخرق. وتشير المصادر المتابعة لتدرج مواقف سليمان إلى أن تراكمات الخلاف مع قوى 8 آذار تلاحقت في الأشهر والأسابيع الأخيرة من مآخذها عليه إزاء الأزمة السورية، إلى رفضه مشروع قانون «اللقاء الأرثوذكسي» بقوة وتصميمه على الطعن به إذا أقر في البرلمان، إلى رفضه التمديد للبرلمان وإصراره على الانتخابات ولو على قانون الستين لرفضه الأخذ بمبررات تأجيل الانتخابات التي يحتاج إليه «حزب الله» لانشغاله بالتدخل في الأزمة السورية، ثم اعتراضه المستمر على إعلان «حزب الله» تدخله العسكري في سورية، مع تذكيره بمعالجة السلاح وفق الورقة التي تقدم بها الصيف الماضي للاستراتيجية الدفاعية حول إيجاد آلية لوضع سلاح المقاومة في تصرف الجيش اللبناني لمساندته في مواجهة أي عدوان إسرائيلي «على الأرض اللبنانية»... مروراً بتشدده في نيسان (أبريل) الماضي في الإصرار على تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، الذي سبب في رأي 8 آذار باستقالة ميقاتي، نظراً إلى أن سليمان قرر عدم ترؤس جلسات مجلس الوزراء ومقاطعة وزرائه اجتماعاته إذا لم تتشكل الهيئة. وتضيف المصادر أن تعداد هذه التراكمات لا ينتهي، وصولاً إلى تأييد سليمان الصيغة التي وضعها رئيس الحكومة المكلف تأليف الحكومة تمام سلام لتوزيع الحصص فيها (8 - 8 - 8) ومن دون ثلث معطل لقوى 8 آذار، وأن يكون الوزراء من غير الحزبيين. وتتفق المصادر المتابعة نفسها مع أوساط مراقبة على القول إن هذه التراكمات زادت من تباعد قوى 8 آذار مع سليمان فبات رئيس البرلمان نبيه بري يعتبر في مجالسه أن رئيس الجمهورية ليس حيادياً أو وسطياً ليعطى حجماً في الحكومة تحت هذا العنوان وأنه يصر على الخصومة مع العماد عون، وصولاً إلى قوله إنه أصبح متماهياً مع 14 آذار بعدما طرحت مخارج لتعيين وزير ملك لتأمين الثلث الضامن في الحكومة، يسميه رئيس الجمهورية، وهي صيغ رفضها بري و «حزب الله» في شكل مطلق سواء كان هذا الوزير شيعياً أم مارونياً. وردت أوساط قوى 8 آذار على معاكسة سليمان سياستها حيال قانون الانتخاب، ثم حيال التمديد للبرلمان بموازاة تصاعد الخلاف على تداعيات الأزمة السورية لبنانياً، بإبلاغ محيط الرئيس «أننا لن ندعه يحكم في آخر سنة من عهده». وواقع الأمر أن تراكمات الخلاف بدأت مع بداية السنة الخامسة من العهد أي السنة الماضية، التي أخذ سليمان يشعر فيها بأن عدم تمكنه من إيجاد الحلول المناسبة للأزمات في البلد جعله غير قادر على أن يحكم من موقعه كرئيس، وبلا إنجازات مهمة. كما أن السنة الخامسة شهدت خلافاً لا يقل حدة بينه وبين «قوى 14 آذار» لقرارها مقاطعة الحوار الوطني من باب موقفها السلبي من حكومة ميقاتي وسياسات «حزب الله»، تحوّل إلى خلاف مع 8 آذار عندما ضربت مع السنة الحالية، السادسة والأخيرة من العهد، بعرض الحائط إعلان بعبدا بالحياد حيال الأزمات الإقليمية... في وقت ظل يعتبر أن تشدد 14 آذار لم يسعفه في محاولة تحقيق توازن في السلطة. «لا ينسقون معي» وعلى ذمة الأوساط المراقبة فإن سليمان أخذ يشعر بأن الفرقاء و8 آذار خصوصاً، حالوا دونه وأي إنجاز جوهري في خلال السنوات الأربع ونيف من حكمه وهو ما عبّر عنه في مقابلته التلفزيونية في 29 أيار (مايو) الماضي بالقول إنه لم يشعر بأنه رئيس توافقي إلا يوم انتخابي (25 أيار 2008) لأن بعدها أخذت العراقيل تتوالى. ويقول غير مصدر وزاري إن سليمان ردد غير مرة أثناء التجاذبات حول التمديد للبرلمان في الأسابيع الماضية «إنهم لا يريدون أن يحكوا معي» (أن ينسقوا أو يتشاوروا)، إذ كان بري يجري الاتصالات حول صيغة التمديد من دون الأخذ برأيه المتحفظ عن التمديد، ما زاد الطين بلة مع ما عناه ذلك من تجاهل لصلاحياته كمرجعية بإمكانها رد القانون أو الطعن به... وما عزز القناعة بأن هناك توجهاً يمنعه من أن يحكم في السنة الأخيرة من عهده، إذ إنه حين تنبه البعض ومنهم رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط الذي أيد بري بالتمديد، إلى وجوب الوقوف على رأي سليمان اكتفى موفد رئيس البرلمان إليه بإبلاغه بالسعي إلى التمديد ومبرراته ودعوته إلى تفهمها، لكن حين طعن سليمان بالتمديد أخذ بري يوحي بأنه يريد الهيمنة على السلطة التشريعية. وتنتهي المصادر المتابعة لموقف سليمان إلى القول إنه بالغ الاستياء من السياسات المتبعة في معالجة الوضع الحرج الذي يمر فيه البلد ومن تجاهل محاولاته لحمايته من العاصفة التي تمر فيها المنطقة والصراع الخارجي على سورية، «وهو سيواصل اتخاذ المواقف التي تنسجم مع رؤيته لطريقة التخفيف من الخسائر على لبنان نتيجة الخروج على إعلان بعبدا. لذلك، قال أول من أمس: «أتشرف وأعتز بأنني أترك للرئيس المقبل مواقف سيادية يتمسك بها وينطلق منها». وهو يعني بذلك أنه سيبقى على توجهه غير آبه بحصد نتائج سياسية لمصلحته لأنه حاسم بأنه لا يريد التمديد له في الرئاسة. والعنوان المقبل الذي سيدفع في اتجاهه هو التعجيل في تأليف الحكومة كخطوة يحتاجها البلد لحمايته من تداعيات الأزمة السورية واشتداد الصراع الإقليمي عليه».