دخل لبنان مرحلة حرجة جديدة باستقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إثر خلاف بينه وبين القوى الفاعلة في الأكثرية التي تتألف منها حكومته، خصوصاً «حزب الله» وحلفائه، على التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء الركن أشرف ريفي الذي يحال على التقاعد في 1 نيسان (ابريل) المقبل، بعد أن أصر ميقاتي على هذا التمديد، فيما رفضه «حزب الله» و «قوى 8 آذار». وبات لبنان معلّقاًَ بين الدخول في مرحلة من الفراغ الحكومي وبين الاتفاق على حكومة بديلة، بإعادة ترشيح ميقاتي لرئاستها أو ترشيح غيره، ما يتطلب توافقاً سياسياً جديداً غير الذي أدى الى قيام حكومة ميقاتي المستقيلة، لا بد من ان تخضع امكانية التوصل اليه الى الظروف الإقليمية المحيطة بلبنان، ولا سيما منها الأزمة السورية. وقرابة التاسعة مساء، القى ميقاتي كلمة توجه فيها الى اللبنانيين، تجدث فيها عن الاسباب التي دعته الى اعلان استقالة حكومته، خصوصا الخلافات المتعلقة باحداث طرابلس والانتخابات النيابية والتمديد للواء الريفي. وكان مجلس الوزراء عقد جلسة رئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي اكد ضرورة العودة الى الحوار. ولفت سليمان الى ان سلسلة الرتب والرواتب التي أقرت انتهت على مستوى عمل الحكومة، متمنياً ان تكون قد عالجت مطلباً معيشياً محقاً من دون ان تخلق انعكاسات سلبية على الاستقرار الوطني والاقتصادي. ثم بحث المجلس موضوع هيئة الاشراف على الانتخابات التي سقطت في مجلس الوزراء نتيجة التصويت. ونتيجة لذلك اعلن سليمان للوزراء: «إنني لا ارى أو اتصور جلسة حكومية او جدول اعمال لا يكون تشكيل الهيئة في رأس جدول أعماله حفاظاً على القانون والدستور الذي أقسمت عليه وائتمنت عليه، وبالتالي فانا ارفع هذه الجلسة وأطلب من وزير الداخلية اجراء مشاورات مع رئيس الحكومة لاقتراح اسماء جديدة في اقرب وقت ممكن وأنا افضل الاسبوع المقبل وبالتالي اعلن رفع جلسة اليوم». وقالت مصادر وزارية ل «الحياة» إن الرئيس سليمان أخذ موقفاً متشدداً من اسقاط قوى 8 آذار ووزراء عون تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات برفضه ترؤس أي جلسة إذا لم يكن هذا الموضوع بنداً أول فيها. أما بالنسبة الى التمديد لريفي فإن الاتصالات التي سبقت الجلسة أظهرت ان قوى 8 آذار لا تريد تسليف ميقاتي موافقتها على بقاء مدير قوى الأمن في منصبه إذ إن قادتها رفضوا البحث في التمديد. واشارت الى أن وزير «الحزب السوري القومي الاجتماعي» علي قانصو تمرد على طرح ميقاتي التمديد بالقول إن هناك تعيينات أخرى مطلوبة في وظائف شاغرة «فلنبحث الأمور كلها ولنأخذ وقتنا في درس الموضوع». إلا أن ميقاتي سأله: «هل هناك نية (للتمديد لريفي) أم لا؟». لكنه لم يحصل على أجوبة. وأيد وزير الصحة علي حسن خليل قانصوه قائلاً: «لماذا نطرح الأمر على التصويت؟ فلنأخذ وقتنا ولنصبر قليلاً». وحين أيد وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي التمديد لريفي لا سيما في ظل الوضع الأمني في طرابلس، رفض وزراء عون ذلك. وقال بعضهم: «لا إشراف (هيئة الانتخابات) ولا أشرف» (ريفي). وحصل نقاش سريع أيّد فيه وزراء جبهة النضال التمديد لريفي مثلما أيدوا تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات. وأشارت المصادر الى ان ميقاتي حاول الحصول من رئيس البرلمان نبيه بري حين سعى الأخير لاستئخار قراره بالاستقالة، على وعد بأن تتم الموافقة على تعيين ريفي، لكنه لم يلق جواباً واضحاً فأبلغ سليمان ووزراء جنبلاط قبل الجلسة أنه يتجه للاستقالة. وكان التفجير الأمني في مدينة طرابلس الشمالية منذ ليل الأربعاء الماضي، الذي عنُف ليل أمس الخميس، حاصداً 6 قتلى بينهم شهيد للجيش اللبناني والعديد من الجرحى اضافة الى 5 مدنيين، سبق تفجير حكومة ميقاتي نتيجةً للخلاف داخلها على التمديد للواء ريفي، وعلى إصرار الرئيس سليمان على تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات. ولم يخفف الإعلان عن وقف النار في طرابلس بدءاً من الرابعة بعد الظهر، من انفجار الموقف داخل مجلس الوزراء، الذي عقد بالتوقيت نفسه، بعد أن كان سبق الجلسة ابلاغ ميقاتي رئيس البرلمان نبيه بري الذي التقاه ظهراً، أنه لم يعد يحتمل البقاء في رئاسة الحكومة، إذا رفض فريق 8 آذار ووزراء عون العشرة اقتراح التمديد للواء ريفي، كما ان وزراء «جبهة النضال» كانوا أبلغوا ميقاتي وفرقاء 8 آذار أنهم لن يبقوا في الحكومة في حال عدم التمديد لريفي. وكانت الجلسة عقدت على وقع التطورات الدراماتيكية في مدينة طرابلس، حيث تصاعدت الاشتباكات طوال ليل أمس، واستخدمت فيها القذائف الصاروخية والأسلحة المتوسطة والثقيلة وسيطر القنص قبل الظهر على مناطق التفجير، أي جبل محسن وباب التبانة والبقار وأحياء المنكوبين والشعراني والسيدة، وبلغ شوارع داخلية في المدينة مثل الزاهرية فسقط عدد من القتلى والجرحى بسببه، لا سيما في باب التبانة، التي كان معظم القتلى منها، فضلاً عن اصابات جنود الجيش الذي نفذ انتشاراً واسعاً في المدينة بعدما استقدم تعزيزات وأجرت قيادته اتصالات مع فعاليات المدينة التي تداعت الى عقد اجتماعات سواء في «تجمع العلماء والقوى الإسلامية» في التبانة، أم «اللقاء الوطني الإسلامي» في منزل النائب محمد كبارة، أم نقابة محامي الشمال مع منظمات المجتمع المدني... ركزت كلها على وجوب وقف النار وتولي الجيش الأمن والضرب بيد من حديد المسلحين من أي جهة. وأعلن الجيش عن توقيف عدد من المسلحين بعد مداهمات. وقبل ساعات من عقد جلسة مجلس الوزراء، أجرى زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري اتصالات شملت رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رئيس حزب «الكتائب» أمين الجميل، رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة، النائب جنبلاط، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، للتداول في ما آلت اليه قضية التمديد للواء ريفي. وقال مصدر قيادي في «المستقبل» ل «الحياة» إن الحريري أكد لبري أن التمديد لريفي أولى الأولويات بالنسبة اليه، وأن هناك من يريد التخلص منه على رأس مديرية قوى الأمن الداخلي بعد اغتيال رئيس فرع المعلومات فيها اللواء وسام الحسن. وشدد الحريري، وفق المصدر، على أنه سيكون له موقف واضح من أولئك الذين يعارضون في مجلس الوزراء التمديد لريفي، وخصوصاً من «حزب الله» الذي يتصدر الحملة ضد التمديد. ونقل المصدر عن بري قوله للحريري: «لنر ماذا سيحصل في جلسة مجلس الوزراء، وأنا موقفي واضح بالتمديد لريفي، والوزراء المنتمون الى حركة «أمل» سيصوتون الى جانبه». وشكر الحريري له موقفه وتمنى عليه إقناع حلفائه، لا سيما «حزب الله» بتعديل موقفه، خصوصاً أن لبري وزيرين، إذا صوتا مع قرار التمديد يصبح عدد الوزراء المؤيدين له، اضافة الى وزراء سليمان وميقاتي وجنبلاط 14، بينما يحتاج إنفاذ التمديد الى أصوات ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، أي 20 وزيراً، إذا كان التمديد سيتم بطريقة تعيين ريفي مجدداً في المنصب بعد تقاعده في 1 نيسان (ابريل) المقبل، وإلى أكثرية النصف زائد واحد، (16 وزيراً) إذا كان لإحالة مشروع قانون بتعديل سن التقاعد له ولسائر القيادات الأمنية، على البرلمان. وأبلغ بري الحريري أنه كان اجتمع مع الرئيس ميقاتي، وأن الأخير أطلعه على قراره بالاستقالة في حال لم يتم التمديد لريفي، وأن تأييد رئيس البرلمان هذه الخطوة لا ينسحب على حلفائه لا سيما العماد عون. وأبدى المصدر في «المستقبل» ارتياحه لاتصالات الحريري بكل من الجميل، جعجع وجنبلاط، وأكد أن الأخير يدعم من خلال وزراء «جبهة النضال» التمديد لريفي وأنه سيكون له موقف قد يصل الى حد استقالتهم من الحكومة. وكشف المصدر ان الحريري بحث مع بري مشروع قانون الانتخاب الذي تقدم به الأخير حول اعتماد المناصفة بين النظامين الأكثري والنسبي. ونقل عن الأول قوله: «اننا نتطلع الى هذا المشروع بإيجابية ولدينا بعض الملاحظات سيقوم نائب رئيس المجلس فريد مكاري بنقلها في أقرب فرصة». وفي موازاة ذلك، ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي اجتماعاً للقيادات المارونية حضره الجميل وعون ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وعضو كتلة «القوات» جورج عدوان ممثلاً جعجع والنائب بطرس حرب، للبحث في ما اتفق عليه مع بري وميقاتي على السعي من أجل التوافق على قانون انتخاب مختلط، على قاعدة اقتراح بري. وأكد بيان صدر عن البطريركية أن المجتمعين أبدوا انفتاحهم على كل ما من شأنه تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين والمساهمة في ايجاد مخارج للأزمة.