أكد رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري ان «تجربة الحرب الاهلية اللبنانية اثبتت انه لا يمكن اقصاء او تهميش او شطب احد، وان الحل هو الاتفاق والتوافق عبر الحوار»، وقال: «تأكيداً لأن لا بديل لصيغة الحوار ندعو لبنانياً الى اتفاق الطائف، والى طاولة حوار تضع نصب عينيها ان السلاح هو فقط للدفاع عن الوطن، وان من كانت اسرائيل عدوه فهي عدو كافٍ، والى صوغ تفاهم حول المواضيع المتنوعة والمصدرة للخلافات ومن دون انتظار لمصير سورية الذي لن يتقرر بالانتحار على النحو الجاري بل بالحوار» . كلام بري جاء خلال مأدبة غداء اقامها في مقره تكريماً للرئيس الارميني سيرج سركيسيان، حضرها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النيابية ميشال عون ونائب رئيس الحكومة سمير مقبل وحشد من الوزراء والنواب بينهم نواب من 14 آذار، وديبلوماسيون، اضافة الى قائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي ورؤساء الهيئات القضائية والادارية والنقابية. وكان سركيسيان عقد مع بري اجتماعاً في حضور وزيري خارجية البلدين عدنان منصور وادوارد تالبازيان والسفير الارميني لدى لبنان والمستشار الاعلامي لبري علي حمدان. ثم انضم لاحقاً الى الاجتماع ميقاتي، وتركز البحث على الاوضاع في المنطقة والعلاقات الثنائية. والقى بري خلال الغداء كلمة باسمه وباسم المجلس النيابي رحب فيها بسركيسيان «في هذا المقر، وكنت اتمنى ان يوجه كلمته الى الشعب اللبناني من على منصة البرلمان ولكن مناسبة كريمة للبنان في الفاتيكان جعلت المقر هو الممر». ولفت الى ان «لبنان شكل على الدوام وطناً ثانياً للارمن الذين اظهروا له محبة ثابتة ووفاء منقطع النظير، فانحازت ارمينيا دائماً الى جانب مقاومة لبنان بمواجهة العدوانية الاسرائيية ودعمت بلدنا ولا تزال في سعيه لاستكمال تحرير ارضه التي تحتلها اسرائيل، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي طليعتها استكمال تنفيذ القرار 425، وتنفيذ القرار 1701 الذي صدر في اعقاب الحرب الاسرائيلية على بلدنا عام 2006». ورأى بري ان «الانتشار اللبناني والارمني لم يكن فقط وليد الرغبة في الهجرة والطموح، وانما تسببت به الوقائع الشرق اوسطية التي ضغطت على شعوب المنطقة وفي الطليعة على شعبينا والشعب الفلسطيني الذي يقع تحت ضغط العدوانية الاسرائيلية على منظار عمليات القنص الجوي وحفلات الاعدام الجماعية خصوصاً للاطفال كما في الحرب الاخيرة على غزة الصامدة البطلة التي انتصرت فيها العين على المخرز والدمعة على الفأس وكذلك الشعب الفلسطيني الذي يعاني من اقسى ممارسات الاحتلال من اعتقال وتنكيل ومصادرة واستيطان وتهويد ويقف على رصيف العالم منتظراً الاقامة والاعتراف الدولي ولو بدولة غير كاملة العضوية، فهل ترانا نشهد بعد يومين صحوة للضمير الدولي على اسم وعنوان فلسطيني». واذ ذكر بري بأن «المجلس النيابي اجاز خلال السنوات الاخيرة للحكومة ابرام تسع اتفاقيات مع بلدكم الصديق في مجال الخدمات الجوية وتنشيط الاستثمارات، والتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتعليم العالي والثانوي والعلوم والثقافة، وتفادي الازدواج الضريبي والتعاون في مجال الصحة»، قال: «اننا اذ نرى ان هذه الاتفاقات غير كافية ويجب ان تشمل مجالات اخرى، واستدعي همة رجال الاعمال اللبنانيين والارمن على مساحة العالم من اجل النهوض بالاستثمارات في بلدينا بما يؤدي الى رفع مستوى التبادل والعمليات التجارية». وأشار بري الى ان «العلاقات بين بلدينا يجب ان تكون انموذجاً متطوراً لعلاقات الصداقة بين الشعوب والدول. وإننا نأمل بأن نلبي طموحات شعبينا لبناء افضل الديموقراطيات المصنوعة وطنياً، والتي تخدم الدستور وتلتزم القوانين وتمنع الاساءة اليها اوالتعسف في استخدامها». وقال بري: «اليوم تتشابه الوقائع الاقليمية مع احداث ووقائع جعلت اوطاننا وشعوبنا رهائن في اعقاب الحربين الكونيتين الاولى والثانية. وان نظرة عميقة الى صورة مشهد كل الاقطار الموجودة على خريطة الشرق الاوسط الكبير في هذه اللحظة السياسية، تبين اننا جميعاً نقع على منظار اسلحة الفوضى البناءة لتحالف الراغبين في إخضاع منطقتنا اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، والسيطرة على مواردها البشرية والطبيعية. وان كل هذه المنطقة مهددة بالتشظي والانقسامات بصورة «ميكرو جغرافية» لما خلفته اساساً الخطوط الزرقاء والحمراء لسايكس وبيكو». وأضاف ان «هناك حقناً يومياً وتمويلاً وتسليحاً واثارة لكل عوامل الفتن والمخاوف والهواجس والمشكلات النائمة التي لن تترك شيئاً الا وينقسم على اثنين او اكثر حتى الانسان الواحد. وهذه المنطقة العزيزة التي هي متحف للحضارات وموئل الديانات السماوية وكتاب للتاريخ، تعيش واقع انفجارات عرقية وطائفية ومذهبية وفئوية وجهوية، وتقع تحت ضغط ظل الصراع عليها». وزاد: «ان القيادات في منطقتنا التي خبرت وعاشت وتعلمت من تجارب الماضي ولديها ثقافة تأسست على خلفية المعاناة والتضحيات الكبيرة التي قدمتها شعوبنا وفي الطليعة انتم يا فخامة الرئيس، مطالبون باتخاذ المبادرات التي من شأنها الدفع قدماً نحو حوارات مفتوحة داخل اقطار المنطقة، لصنع تفاهمات سياسية بين الفرقاء فيها على صيغ المشاركة في اعادة انتاج الدولة ومؤسساتها، خصوصاً مع التهديدات بعبور الازمات حدود اغلب الدول وادخالها في دوامة من العنف وحفلات الاعدام الدموية عبر السلاح مقابل السلاح وصولاً الى تبديد امكانياتها». وأعرب سركيسيان «عن الإمتنان الكبير لهذه الدعوة والإستقبال الحار»، مؤكداً أن «العلاقات الأرمنية - اللبنانية علاقات صداقة لأنهما مرتبطان ببعضهما بعضاً. وأضاف: «سنتذكر بشكل دائم الدعم الذي قدمه الشعب اللبناني للأرمن»، مشيراً إلى أنّ «لبنان المضياف أصبح أحد المناطق التي وجد فيها الأرمن، الخلاص». واذ أكد أن لبنان يحتل بالنسبة الى الأرمن وأرمينيا «مكاناً مميزاً وفريداً» في العالم العربي، قال: «نحن مدينون لكم أنّكم كنتم دائماً في الخطوط الأماميّة في التعاون الأرمني - اللبناني». وأشار إلى أنّ «أرمينيا تتابع الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، وهي قلقة»، وأكد أنّ «العالم العربي دخل مرحلة إنتقاليّة معقّدة». وعبّر عن «قلق» الأرمن الشديد «تجاه مصير الشعب السوري»، ودعاهم الى «النضال من اجل اعادة السلام الى سورية». ورأى إن «الصدامات المسلحة المستمرة والعمليات الإرهابية هي غير مقبولة اطلاقاً. وليس من الممكن من دون ألم تتبع مدى سفك الدماء وكيف يتم تدمير ذلك البلد من يوم الى آخر». وقال: «انا واثق بأن الوضع الناشئ هو نتيجة قيام بعض دول المنطقة بالتهرب من حل مسائلها على حساب دماء الشعب السوري. إن ارمينيا دعت دائماً الى وقف سفك الدماء، ودعت السوريين بالذات الى العمل لتسوية الأزمة بالطرق السلمية». وتابع ان «لبنان اليوم يتأثر بالتطورات غير المناسبة الجارية في المنطقة». وقال: «أثار لدينا الأسف الكبير العمل الإرهابي الذي وقع في بيروت في 19 تشرين الثاني ( إنفجار الأشرفية الذي أدى إلى استشهاد اللواء وسام الحسن)، ونحن نندد بذلك، ونعرب عن أملنا بأن ذلك الاستفزاز المشين لن يتمكن من زعزعة السلام في لبنان. ونحن واثقون بأن الحكمة الجماعية للفئة السياسية العليا في البلاد والخطوات العملية التي يتم القيام بها والرامية الى الحوار الثنائي واقامة جو الثقة المتبادلة لن تسمح بأن يتعرض لبنان لهزات جدية». وأبدى ثقته بأن «الجالية الأرمنية في لبنان، التي لقيت الاستقبال الحار في الماضي من قبلكم، ستكون دائماً الى جانبكم. وسلطات ارمينيا مستعدة بدورها وبحسب امكاناتها ان تقف سنداً للبنان والأرمن اللبنانيين». كيليكيا سند للارمن وكان سركيسيان ترافقه زوجته، زار كاثوليكوسية الارمن الارثوذكس لبيت كيليكيا في انطلياس. واستقبله الكاثوليكوس آرام الاول كيشيشيان ووزراء ونواب الارمن ورؤساء الاحزاب الارمنية وممثلون عن الطوائف والنوادي الارمنية. ووضع اكليلاً من الزهر على نصب شهداء الارمن. وبعد خلوة قصيرة بين الرئيس الارميني والكاثوليكوس القى آرام الاول كلمة طالب فيها «تركيا ان تعيد لنا اراضينا وتعترف بالابادة الارمنية». وقلد سركيسيان وسام «الصليب الاكبر» وهو اعلى وسام يعطى لرؤساء الدول. واكد سركيسيان «ان كاثوليكوسية بيت كيليكيا سند للارمن وامل لهم وهي تحتضن الارمن الموجودين في العالم وتدافع عن قضيتهم»، معتبراً ان «ارمينيا ليست قوية من دون الارمن الموجودين في العالم والعكس صحيح». كما زار سركيسيان جامعة «هايكازيان» والتقى رئيسها بول هايدوستيان وشجع «الطلاب على بناء علاقات وثيقة بين ارمينيا ولبنان».