عبر رئيس جمهورية أرمينيا سيرج سركيسيان من لبنان عن قلق بلاده الشديد «تجاه مصير شعب سورية ومصير مواطنينا الذين يقيمون هناك». وإذ توقف بعد لقاء قمة مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان في القصر الجمهوري أمس، عند «قبول شعبَي سورية ولبنان، في الأيام العصيبة بالنسبة إلينا بكل صدر رحب مئات آلاف الأرمن»، شدد على أن «ألم سورية هو ألمنا أيضاً». وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع سليمان إن أرمينيا «اتخذت دائماً مواقف داعية إلى وقف سفك الدماء، ونعارض استخدام القوة والعنف في سورية. ومن المستحيل التوصل إلى حل دائم من دون وقف جميع الأطراف الاشتباكات ومن دون حوار سياسي ثنائي وواسع يأخذ في الاعتبار مصالح جميع السوريين». ورحب «بمهمة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المفاوض الخاص لجامعة الدول العربية الأخصر الإبراهيمي بهدف استقرار الوضع السياسي الداخلي في سورية وإحلال السلام». وأمل «نتيجة تنفيذ المبادرات المذكورة إقامة السلام في سورية، وتنفيذ الإصلاحات الديموقراطية الضرورية والتي يجب أن تعبر عن إرادة جميع قطاعات الشعب السوري ورغباته». أما الرئيس سليمان فجدد تأكيده «أن الديموقراطية لا ترتكز على المقاطعة»، داعياً الجميع في لبنان «إلى الحوار بقلب منفتح وإسقاط الرهانات والشروط المسبقة والاتهامات المتبادلة والاستعلاء المتبادل»، مؤكداً «أن ليس هناك تنازل عندما تكون القضية قضية وطنية»، ومشيراً «إلى الحاجة الملحّة لإحياء المساعي الهادفة لإيجاد حلّ عادل وشامل لكل أوجه الصراع العربي - الإسرائيلي، وخصوصاً قضيّة فلسطين، على قاعدة قرارات الشرعيّة الدوليّة ذات الصلة، كبديل عن منطق الظلم والحرب»، وجدد تأكيده «أهميّة إيجاد حلّ سياسي متكامل وسريع للأزمة القائمة في سورية، على قاعدة الحوار والتوافق، بما يسمح للسوريين بتحقيق ما يريدونه لأنفسهم من إصلاح وديموقراطيّة بعيداً من العنف المتمادي وأخطار الشرذمة والتطرّف، ومن دون أيّ تدخّل عسكري أجنبي». وكان الرئيس الأرميني وصل إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت صباحاً واستقبله نائب رئيس الحكومة سمير مقبل والوزراء وليد الداعوق وفريج صابونجيان وبانوس مانجيان، والنواب الأرمن وممثلون عن رؤساء الطوائف الأرمنية في لبنان إلى جانب سفير أرمينيا لدى لبنان آشوت كوشوريان وشخصيات. قمة بعبدا وعقدت في القصر الجمهوري قمة لبنانية - أرمينية تركزت، وفق بيان للمكتب الإعلامي في القصر الجمهوري، على «العلاقات الثنائية وسبل تطوير آفاق التعاون بين البلدين وتوسيعها، إضافة إلى التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، وشكر سليمان للرئيس سركيسيان «تأييد أرمينيا الدائم للبنان وقضاياه المحقة وخصوصاً سعيه لضمان تطبيق القرار 1701 بجميع مندرجاته». ثم عقدت محادثات موسعة في قاعة مجلس الوزراء حضرها عن الجانب اللبناني وزراء الخارجية عدنان منصور، المهجرين علاء الدين ترو، الداعوق، التربية والتعليم العالي حسان دياب، الثقافة غابي ليون، ومانجيان، ورئيس لجنة الصداقة اللبنانية - الأرمينية النائب آرتور نازاريان. وشارك عن الجانب الأرميني وزير الخارجية إيفارد نالبانديان ورئيس فريق العمل في رئاسة الجمهورية فيكين سركيسيان، وزير التعليم والعلوم آرمان أشوتيان، وزيرة الشتات هرانوش هاغوبيان، وزيرة الثقافة هاسميك بوغوسيان، والسفير كوشوريان، والسفير المتجول لوفان سركيسيان، وشخصيات. وتطرقت المحادثات إلى واقع العلاقات بين البلدين وسبل تطويرها، وجرى توقيع اتفاقين يتعلق الأول بإلغاء التأشيرات بين البلدين، والثاني بالاعتراف المتبادل بالشهادات العليا. وخلال المؤتمر الصحافي وصف سليمان المحادثات ب «المفيدة والبنّاءة». وقال إنه وضع ضيفه «في أجواء الجهود المبذولة للإبقاء على منطق الحوار والحفاظ على الاستقرار في لبنان وتحييده عن التداعيات السلبيّة الممكنة للأزمات الإقليميّة»، وقال: «أعربت عن دعم لبنان لحق أرمينيا في الاستقلال والسيادة والتقدم وللجهود الديبلوماسيّة الهادفة إلى إيجاد حلول سياسيّة متوافق عليها للمشكلات التي تعوّق فرص السلام في منطقة البلقان، وخصوصاً تسوية النزاع في إقليم ناغورنو – كره باخ سلمياً». وأضاف: «اتفقنا على أهميّة العمل على أن تكون أرمينيا، كلبنان، جسر تواصل بين الحضارات والثقافات والديانات، في مواجهة كل أشكال التطرف والعنصريّة والعنف، وعلى ضرورة التعاون والتنسيق على الصعيدين الثنائي والدولي من أجل مواجهة خطر الإرهاب». ولفت الرئيس الأرمني في كلمته إلى أن «العام الحالي يتسم بالأهمية لأنه يصادف مرور 20 عاماً على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين بلدينا. وجرى توقيع أكثر من 30 وثيقة وعددها ازداد خلال هذه الزيارة بوثيقتين أخريين، واتفقنا على استخدام جميع الإمكانات لتشجيع التعاون الاقتصادي الثنائي». نزاع كره باخ وأشار إلى أن البحث تطرق إلى «مسألة تسوية نزاع كره باخ. وأكدتُ أن أرمينيا تواصل نهج السياسة الرامية إلى إقامة السلام والاستقرار في منطقة القوقاز. ونستبعد حل المسألة بواسطة القوة ونحن مخلصون لتعهدنا بحل المسألة بواسطة المحادثات عبر مجموعة «منسك» المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. للأسف الشديد، تتجاهل أذربيجان جميع اقتراحات المجموعة الرامية إلى إقامة الثقة، وتواصل تكديس الأسلحة إلى درجة لم يسبق لها مثيل وتقوم بإعداد شعبها لحرب جديدة». واعتبر «أن منح الرئيس الأذربيجاني العفو للقاتل سافاروف ووصفه بالبطل شهادة ساطعة على الموقف المماثل، وهذه تكملة للجريمة التي ارتكبها بسبب الانتماء ومثال بارز للعنصرية وحقد الآخرين». وقال: «الأرمن واللبنانيون اتسموا دائماً بحبهم للسلام. واليوم تطابقت أراؤنا مع الرئيس سليمان في أن التغييرات التي تعبر عن إرادة الشعوب يجب أن يتم تحقيقها بالطرق السلمية من دون استخدام القوة ومن دون وقوع الضحايا ومن دون الإرهاب. وسمعنا ببالغ الأسى نبأ العمل الإرهابي الذي وقع في بيروت في 19 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وأسرعنا للتنديد بالاستفزاز الحقير المماثل، والذي نأمل في أنه لن يزعزع السلام في لبنان. إن أمن أرمينيا مرتبط بالوضع القائم في الشرق الأوسط. ومهتمون إلى درجة عميقة بتخطي المسائل القائمة بسرعة ومستعدون وفقاً لإمكاناتنا دعم تلك المسألة». وعن النهج التركي «العثماني» في العلاقات مع البلدان المجاورة، قال سليمان: «نعبر عن رغبتنا في أن تتحاور الشعوب في كل بلد للوصول إلى النظام الذي يرغبه الشعب وإلى الديموقراطية المرجوة، لا نحبذ أي تدخل من أي دولة كانت في شؤون هذه الدول إلا في سبيل التوفيق بين الأطراف المتناحرة، ونأمل بأن تسود هذه الديموقراطية بأقل مقدار ممكن من إراقة الدماء وأيضاً أن تسود الديموقراطية وتشمل جميع مكونات المجتمعات في هذه الدول. أما المشكلة الخاصة مع أرمينيا فيجب أن تحل وفقاً للحق ومراعاة مشاعر البلدين». وعما يمكن أن يقوله الرئيس الأرميني إلى الأرمن اللبنانيين «الذين هم جزء من المعارضة ويقاطعون الحوار الذي يدعو إليه سليمان»، قال سركيسيان: «أقدر عالياً جهود الرئيس سليمان ليس فقط داخل لبنان لإقامة السلام والاستقرار بل أيضاً في الشرق الأوسط بصورة عامة، أنا واثق أنه بواسطة جهوده سيستمر الحوار وسيحقق لبنان التقدم». وقال: «ندائي لجميع الأرمن العمل لانتصار استقرار لبنان». أما سليمان فلفت إلى أن الأرمن «موجودون في المعارضة وفي الأكثرية، وموقفهم مماثل لموقف كل الأطراف اللبنانية. إنما لجهة المقاطعة، طبعاً الديموقراطية لا ترتكز على المقاطعة، صحيح أن المقاطعة حق ديموقراطي ولكنها ليست أساساً للعمل الديموقراطي. فلنأتِ إلى الحوار بقلب منفتح ونتكلم ونعبّر عن آرائنا، فلنسقط الرهانات من قبل الطرفين اللذين يراهنان على الأوضاع الخارجية ولنسقط الشروط المسبقة؛ والاتهامات المتبادلة والاستعلاء المتبادل». وزار سركيسيان نصب الشهداء في قلب بيروت، ووضع عليه إكليلاً. ثم انتقل إلى السراي الكبيرة واجتمع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واتفقا على تفعيل التعاون.