يتوقع من المسؤولين (الإيرانيين) الذين يتصدون لأسباب الغلاء المعيشي أن يتحملوا مسؤولياتهم عوض إلقاء تبعات المشكلات علي العقوبات الاقتصادية. والسؤال هو من يشير عليهم بمثل هذا الكلام؟ ييسر إلقاء نظرة سريعة على المشهد الاقتصادي الداخلي، ملاحظة تيارين يحملان قراءتين مختلفتين، تتقاطعان في بعض الأحيان، وتفترقان في أحيان أخرى. لكنهما يُجمعان على إلقاء أسباب الغلاء علي المقاطعة الاقتصادية. التيار الأول يضم بعض المسؤولين الذين ينظرون نظرة غير واقعية الى ما يحدث، وبعضاً آخر يلقي باللائمة علي العقوبات، ويعفي نفسه من مترتبات الإخفاق في معالجة الغلاء والتضخم في البلد. ويشعر هذا التيار بالقلق شأن المواطنين الذين يعانون من أعباء التضخم والغلاء، لكنه يصطف الى جانب مجموعة من المنحرفين تلقي تبعات الغلاء علي العقوبات، وتتستر على الاسباب الفعلية: سوء التدبير. أما التيار الثاني فيضم مجموعة من التجار الانتهازيين الذين يلعبون دوراً منسجماً مع دور أعداء الخارج، ويتلاعبون بحياة المواطنين من اجل تحصيل ثروات، ويتذرعون بالعقوبات الاقتصادية من اجل كسب أرباح طائلة علي حساب حياة المواطنين. ولا شك في ان الولاياتالمتحدة لا يسعها فتح جبهة حرب مع ايران. فمثل هذه الجبهة تكبدها انتكاسة كبيرة وتهدد الوجود الاسرائيلي في المنطقة. وما تقدم هو عين الحقيقة التي أعلنها القائد، وليس شعاراً نرفعه، ولا ثمرة تحليل سياسي. وأثبتت الثورات الاسلامية في المنطقة، والتطورات في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان، ان مكانة ايران في المنطقة تختلف اختلافاً كبيراً عما كانت عليه في السابق. وإثر إلغاء المناورات الاميركية في المياه الخليجية، عزا الجنرال الاميركي جون ميلر الامر الي ازدحام في حركة السفن المبحرة هناك. إلا ان الجنرال روبيرت كيتس قال في تصريح إلى قناة «سي أن أن» أن الوقائع تشير الى ان القوات الاميركية في الخليج اصبحت غريبة، وأن شعوب المنطقة تنظر الينا بعين ايرانية، أي نظرة احتقار. في الماضي، واجهت ايران حرباً شعواء في الحرب مع العراق، ودافعت بشراسة عن أرضها، واليوم، صارت قدرات الدفاع الايرانية أكبر. وأدركت الولاياتالمتحدة وإسرائيل ان عدم مواجهة ايران سيلحق الأضرار بالأولي، ويؤثر في وجود الثانية في المنطقة. لكنهما في حيرة من أمرهما في كيفية مواجهة طهران. فالتطورات شاهد على فشل الانقلابات المخملية، وإخفاق الحرب الناعمة. وعجزت نظرية صراع الحضارات مع ايران عن بلوغ أهدافها. واليوم، تُشن حرب اقتصادية حسِبت هيلاري كلينتون أنها الضربة التي تستطيع شل ايران وتقييد يديها. وجلي أن العقوبات الاقتصادية فُرضت بذريعة البرنامج النووي، لكنها في الحقيقة تتوسل من اجل ليّ يد إيران و «تركيعها»، فالعقوبات الاقتصادية هي واحد من فصول حرب ضروس بدأت في الايام الاولي لانتصار الثورة الاسلامية، ولا تزال مستمرة حتي يومنا، وهي ترمي الى تركيع الشعب الإيراني: شح موارد الاحتياجات الضرورية للمواطنين. ولكن، والحق يقال، لم تستطع العقوبات السابقة ولا الحالية بلوغ أهدافها، وأقر من فرضها بهذا الواقع. وأصابت آثار هذه العقوبات اقتصاديات الدول الغربية، وهذا ما لم ينكره الغرب. وعززت العقوبات مقاومة الشعب الإيراني، وأظهرت فشل سياسة الولاياتالمتحدة وحلفائها، وهذه الخطوة ستعزز القدرة على الصمود لدي الايرانيين والشعوب الطامحة الى مقاومة القوي الاستكبارية في المنطقة والعالم. ويبعث على السخرية تصوير وسائل الإعلام الغربية حوادث الأربعاء (3 من الشهر الجاري) بأنها «انتفاضة الشارع»، لكنها واجهت مقاومة الإيرانيين، وكان رجال البازار في مقدمهم. فأميركا وحلفاؤها يحتاجون مثل هذه الصور الكاريكاتورية من اجل بلوغ أحلامهم. ويسعى التيار الأول من حيث لا يدري الى تحقيق أهم الأهداف: أميركا وحلفاؤها. أما التيار الثاني فهو بمثابة طابور خامس لا ينتظر منه الخير. والعتب الأكبر يقع على مَنْ يتحملون مسؤولية التصدي للغلاء، فهم يتنصلون منها، ويعلقون قضية الغلاء علي مشجب العقوبات. ويبقى السؤال: من يقدم لهم المشورة؟ * رئيس تحرير، عن «كيهان» الإيرانية، 13/10/2012، اعداد محمد صالح صدقيان