السؤال الذي يتردد الآن بلا توقف.. هو مختصر لكنه يخفي احتمالات لا يمكن اختصارها بأي حال، وهو..هل يوجه الإسرائيليون ضربة مباغتة إلى إيران؟.. للتأثير على مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية أو لجر الولاياتالمتحدة على الرغم منها إلى الحرب. أما الإجابة فهي أن الأرجح ألا يحدث ذلك.. بل إن كفة من ينفون حدوث هذا الاحتمال تفوق في واشنطن كفة من يصرخون ليلا ونهارا عن احتمالات الحرب، أما في صفوف العسكريين الأميركيين وفي داخل الإدارة فإن المؤشر يميل بقوة أيضا إلى استبعاد هذا الاحتمال الذي يبدو "سينمائيا" إلى حد بعيد. تحركات أميركية وسوف نعود إلى السابع من سبتمبر الجاري عندما قام نائب رئيس الأركان الأدميرال جيمس وينيفيلد بزيارة إلى إسرائيل، وقبل ذلك زار رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي، ووزير الدفاع ليون بانيثا إسرائيل أيضا. وكانت الرسالة موحدة في كل الحالات "لا يمكن شن ضربة إسرائيلية على إيران.. لأن مثل تلك الضربة لن تؤثر على البرنامج النووي الإيراني إلا بتعطيله قليلا ربما لمدة عامين على الأكثر، كما أنها ستؤدي إلى أن تنسحب طهران من اتفاقية حظر الانتشار التي تتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية تثبيت كاميراتها ومراقبة المواقع النووية الإيرانية، أو على الأقل المعروف من تلك المواقع، فضلا عن أن الولاياتالمتحدة لا ترى أن إيران تقدمت بقدر كاف على درب برنامجها النووي بحيث تضيء الأضواء الحمراء في عواصم العالم، ثم إن هناك بعد ذلك كله العقوبات الاقتصادية التي تؤثر بعمق على الاقتصاد الإيراني وقد تؤدي إلى تبدل ملموس في مواقف طهران خلال المفاوضات مع مجموعة 5+1، أو أنها ستؤدي إلى انفجار شعبي في الشارع الإيراني سخطا على أوضاع معيشية تزداد صعوبة بمرور الأيام". تناقض أوباما ولخص كبير محللي استراتيجيي دراسات الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية توني كوردسمان رأيه بقوله "الإسرائيليون لا يصدقون أن أوباما سيفعل أي شيء لوقف البرنامج النووي الإيراني، والحقيقة أن أوباما فعل ما يبرر انعدام الثقة هذا، إنه يبدو للجميع مترددا وعازفا عن استخدام القوة العسكرية بل وعن إبداء أي جدية في التلويح باستخدامها، إنه يقابل من الحلفاء والخصوم بالاستهانة وهو لا يفعل أي شيء ليعكس هذا الانطباع". التلويح بالسلاح ولكن ماذا كان على أوباما أن يفعل إذن؟. يقول كوردسمان "حتى يمكن للتلويح باستخدام القوة العسكرية أن يكون مؤثرا عليك أن تجعل الخصم الذي تلوح في وجهه باستخدام هذا السلاح يرى أنك تعني ما تقول، ولكن الإسرائيليين لا يصدقون أن أوباما جاد في تهديده للإيرانيين والأهم من ذلك أن الإيرانيين أنفسهم لا يصدقون أنه جاد أيضا"، وتابع "من هنا فإن القول المكرر بأنه لا يمكن استبعاد أي احتمال من فوق الطاولة وهو أمر ينبغي أن يعني التلويح بالقوة يفقد أي تأثير له عند مقارنته بالاعتبارات التي تتشكل على الأرض، إن الانطباعات والتصورات هي جزء مهم وبالغ التأثير من منظومة الأمن القومي.. ويكفي أن نتذكر المرة الأخيرة التي عرض فيها الإيرانيون التخلي عن برنامجهم النووي والتوصل إلى اتفاق معنا، كما يكفي أن نتذكر المرة الأولى التي أوقفوا فيها طوعا جوانب من برنامجهم هذا". ويشير كوردسمان إلى أن تلك المرة كانت عند غزو العراق عام 2003، ويوضح ذلك بقوله "عارضت غزو العراق، ولكن قصة هذه الحلقة من حلقات السياسة الخارجية لا ينبغي أن تنسى على أي حال، فقد أدى غزو العراق إلى أن بعث آية الله خامئني إلى الرئيس جورج بوش برسالة يعرض فيها إجراء صفقة تاريخية بين البلدين.. لماذا؟، لأن ضوابط استخدم القوة العسكرية آنذاك بدت باهتة للغاية، وبدا أن بالإمكان أن تعبر الولاياتالمتحدة الخط الفاصل بين الأساليب السياسية والعسكرية بقفزة بسيطة، ساعتها تحسس القادة الإيرانيون رؤوسهم وقرروا أن يقوموا بخطوة تصالحية، بل إنهم أوقفوا برنامجا نوويا عسكريا كنا نعرف عن وجوده أكثر مما تصوروا أننا نعرف، من هنا فقد كانت حساباتهم واضحة ومركزة".. ما الحل الآن إذن؟. يقول كوردسمان "ليس هناك حل بسيط الآن. فالرئيس يكرر في كل مناسبة قوله إن الولاياتالمتحدة لا تريد شن حرب خارج حدودها، ثم يقول بعد ذلك إن الولاياتالمتحدة لا تستثني أي احتمال في التعامل مع سعي إيران لصنع سلاح نووي". أهداف اقتصادية ويتابع كبير محللي دراسات الشرق الأوسط في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية "والهدف الذي يقول الإيرانيون أنهم يسعون لتحقيقه من البرنامج النووي هو توفير الطاقة الكهربائية لاعتبارات اقتصادية، أي أن الاعتبارات الاقتصادية هي القوة الدافعة وراء تحديهم للمجتمع الدولي.. والآن، هل يمكن القول إن هذا السعي الإيراني كلف طهران اقتصاديا عشرة أضعاف ما يمكن أن تحصل عليه من فوائد إذا امتلكت برنامجا نوويا؟.. فصادرات النفط وسعر العملة في تراجع، ونسبة التضخم تضغط على الإيرانيين أي أن ارتفاع الأسعار بلغ حدا لا يمكن احتماله لأغلبهم، كما أن نسبة البطالة تسجل الآن أرقاما قياسية، ما هي تلك الفوائد الاقتصادية بالضبط؟ إن من يعملون في الاقتصاد يتحرون من موازنة دقيقة بين المكسب والخسارة. الحلول ويتابع "البديل أمام الإدارة هو أن تفتح الباب أمام تراجع كريم لطهران أولا، وأن تعرض مرة أخرى استعداد المجتمع الدولي لإقامة عدد من المفاعلات النووية لتوليد الطاقة، وبالإمكان بطبيعة الحال أن نعرض مرة أخرى على إيران مواصلة التخصيب حتى نسبة 5%، ورفع العقوبات مقابل أن تكف إيران عن استثمار كل فرصة لصنع الأعداء إقليميا ودوليا، وأن تنشغل بتطوير قدراتها الاقتصادية. وأضاف كوردسمان "لا أحد يناصب الإيرانيين العداء لأنهم إيرانيون، إن هناك سياسات تأتي من طهران تستفز الجميع". صعوبات إسرائيلية وفي نقاشات أخرى متعددة ظهر أن هناك اتفاقا شبه جماعي على أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدرك صعوبة أن تشن إسرائيل بمفردها ضربة عسكرية ضد إيران. الإسرائيليون يقولون إن بإمكانهم ذلك عبر تكنولوجيات لم تجرب، وهم يبدون واثقين من ذلك، لكن المجتمع الدولي ودول المنطقة لا ترى أن ذلك مسار مقبول؟. من جمع خيوط هذه القصة كما تتداعى في واشنطن يمكن رسم لوحة معقدة بعض الشيء للمناورات التي شهدتها تلك الأسابيع القليلة المنصرمة على ساحة التهديدات الإسرائيلية لضرب إيران، فمن جهة راهن البعض في المعسكر الجمهوري على أن بوسع تفجر حرب مفاجئة أن يضع الرئيس أوباما في ركن يفضي إلى مخرج واحد هو أن يخسر السباق الرئاسي، فهو إما يمتنع عن دعم إسرائيل على نحو يؤدي إلى إدانة فورية من الجميع في الشارع الأميركي المتعاطف مع إسرائيل لاسيما بعد تهديدات الرئيس محمود أحمدي نجاد بإزالتها من على الخريطة ومحوها، بل وحديث بعض العسكريين الإيرانيين عن اعتزامهم إرسال قطع بحرية تحمل بعض الصواريخ التي لا تزال بدائية على الأرجح إلى السواحل الأميركية لتركيع واشنطن ربما. واشنطن من يحدد الحرب وترددت تكهنات قوية مفادها أن وزير الدفاع الأمريكي ليون بنيتا نقل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة صريحة من الرئيس أوباما مفادها أن واشنطن لن تسمح لأي بلد آخر بان يفرض عليها المشاركة في حرب لم تحدد موعدها ولم تتبنى أسبابها، وعرض بنيتا خريطة واضحة لتفصيلات البرنامج النووي الإيراني خلاصتها أن خط العودة بالنسبة لذلك البرنامج لا يزال بعيدا بعض الشيء، وأن هناك بالتالي فسحة أوسع قليلا لممارسة الدبلوماسية الممزوجة بالضغوط. ونقل أحد أعضاء الكونجرس عن الإسرائيليين قولهم إن الأمر يتطلب وضع معيار مشترك لما يسمى خط اللا عودة أو الخط الأحمر باستخدام تعبيرهم، ذلك أن السؤال الذي عرضوه هو: متى إذن يتعين أن ترى الولاياتالمتحدة استخدام القوة بات ضروريا؟. وتناقش الطرفان في رؤية كل منهما لذلك الخط الأحمر إلا أن الأميركيين لم يوافقوا على التعريف الإسرائيلي لذلك الخط وفشلت المفاوضات. ومن الجهة الأخرى، قال الإسرائيليون بعد ذلك إنهم أصبحوا في حل من التقييد باستشارة الولاياتالمتحدة قبل توجيه ضربة لإيران، ورد البيت الأبيض بأنه لا يستطيع في كل الأحوال أن يفرض على أي دولة أخرى أن تفعل أو لا تفعل ما ترى أنه في مصلحتها الوطنية، وأن الولاياتالمتحدة لن تذهب أولا إلى الحرب الآن، وأنها ثانيا تنصح إسرائيل بألا توجه ضربة عسكرية منفردة إلى إيران في اللحظة الراهنة وبدون الحصول على موافقة مسبقة من حلفاء إسرائيل. وبدا أن إسرائيل تخطط لتوجيه ضربة إلى إيران قبيل الانتخابات الأميركية، وإذ كان هذا هو الافتراض الطبيعي فإن أوباما سيضطر إلى التدخل لمساعدة الإسرائيليين رغما عنه، إن كان يريد الفوز في الانتخابات، وقال عضو الكونجرس مايك روجرز "إن كل ما يريده الإسرائيليون هو إيضاح الخط الأحمر لتدخلهم أو لخوضهم حربا مع إيران".. وخلال ذلك نقلت "يديعوت أحرونوت" خبرا مفاده أن الأميركيين أبلغوا إيران أن الولاياتالمتحدة لن تتدخل في أي حرب بين إيران وإسرائيل إذا ما ظلت تلك الحرب بين إيران وإسرائيل. ونفى البيت الأبيض بقوة صحة التقرير فيما نفته أيضا وزارة الخارجية الإسرائيلية بلهجة فاترة. والآن فإن "الخريطة" تبدو على النحو التالي: إسرائيل تريد ليس فقط اتفاقا مع الولاياتالمتحدة حول الخط الأحمر إياه وليس فقط توثيق ذلك الخط إذ يمكن أن يتراجع أوباما لو أعيد انتخابه دون صعوبة تذكر كما يعتقدون، ولكن أيضا أن يعلن الرئيس في خطاب واضح الكلمات طبيعة ذلك الخط، والأميركيون يقولون إنه لا بأس من الاتفاق على الخط الأحمر ولكن "الشيطان في التفاصيل" كما يقول مثلهم الشائع.. فليس هناك من الأصل أي رؤية موحدة للمدى الذي وصل إليه الإيرانيون في التقدم على درب البرنامج النووي فكيف يمكن إذن التوصل إلى خط أحمر مشترك ومعلن، فضلا عن ذلك فإن واشنطن ترى أن العقوبات تؤثر وأنها تمضي في طريقها المرسوم.