أعربت مصادر قيادية في تيار «المستقبل» عن خشيتها من أهداف حملة إعلامية تقوم بها قوى 8 آذار على الجيش وأدائه في عرسال أثناء المعارك التي حصلت مع مسلحي «داعش» والنصرة ومجموعات سورية أخرى مطلع الشهر الجاري والتي وضعت البلاد على مفترق حرج في حينها قبل أن تنجح الجهود اللبنانية المشتركة في تدارك مفاعيله الخطيرة على الوضع الداخلي. وقالت المصادر ل «الحياة»، إن هذه الحملة تنطلق من انتقاد تولي الجيش والحكومة المفاوضات لتحرير العسكريين المحتجزين لدى المجموعات المسلحة السورية المتطرفة عبر «هيئة العلماء والمسلمين»، وتعود إلى سلوك قيادة الجيش أثناء المعارك التي فرضت على المؤسسة العسكرية في عرسال وطريقة إدارتها هذه المعارك، مصحوبة بتصريحات انتقادية من قبل قياديين في قوى 8 آذار ومن حلفاء سورية للجيش وللحكومة، وتدعو إلى اتخاذ قرار كبير بتكليف الجيش والفئات التي تمتلك القدرة على حماية الحدود في البقاع الشمالي لمنع أي محاولة جديدة من قبل «داعش» للتمدد نحو الأراضي اللبنانية، كما جاء في تصريحات للأمين القطري لحزب البعث فايز شكر أمس. وتعزو المصادر القيادية في تيار «المستقبل» خشيتها من هذه الحملة إلى اعتقادها أن ثمة من ورّط الجيش في المواجهة مع المسلحين السوريين لإقحامه في الحرب التي يخوضها «حزب الله» في منطقة القلمون، بحيث يكون مسانداً للحزب وللجيش النظامي السوري انطلاقاً من عرسال، وأن الجيش السوري دفع بالمسلحين السوريين والإرهابيين إلى الأراضي اللبنانية ليصبحوا بين ناره من جهة ونار الحزب والجيش من جهة ثانية. لكن هذا المخطط أدى إلى جعل بلدة عرسال والمواطنين اللبنانيين بين نار المسلحين الإسلاميين الذين اقتحموا البلدة وعبثوا فيها واستخدموا المدنيين اللبنانيين فيها نوعاً من الدروع البشرية، وبين نار الجيش الذي لا يمكنه إلا أن يخوض معركة إخراجهم منها كونهم يعتدون على السيادة ويتخذون من الأرض اللبنانية ميداناً لتحركهم العسكري. ورأت المصادر القيادية في تيار «المستقبل» أن المعركة التي وقعت في عرسال «كادت تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، ففضلاً عن أنها كانت ستؤدي إلى استنزاف الجيش، فإن تمدد المسلحين في البلدة كان يحمل أخطار إمكان توسع القتال وتصاعده وحصول عمليات قصف وقصف مضاد يطاول قرى وبلدات مجاورة لعرسال، ما يصعد الحساسيات المذهبية من جهة ويزيد من جعل أهالي عرسال بين نيران القذائف والقتال ويتسبب بمزيد من الضحايا في صفوفهم من جهة ثانية». وقالت المصادر ل «الحياة» إنه «لو توسع القتال كان ذلك سيبرر دخولاً علنياً من قبل «حزب الله» في العلميات العسكرية، ما يزيد الطين بلة». وتضيف المصادر القيادية في «المستقبل» إن تدخل قيادته والرئيس سعد الحريري عبر التضامن الكامل مع الجيش، إضافة إلى رفض أهالي عرسال ما قام به المسلحون، أتاح المجال بعد استرداد الجيش مواقع أخذها المسلحون المتطرفون، لإنهاء المعارك بانسحاب هؤلاء من البلدة، ثم التفاوض على إخلاء العسكريين المحتجزين لدى داعش و «النصرة» وغيرها من المجموعات المسلحة، لأن السعي إلى تحرير هؤلاء الذين احتُسبوا في عداد المفقودين أثناء سير المعارك، كان سيؤدي إلى كلفة مرتفعة على الجيش وعلى المدنيين الثلاثين ألفاً في عرسال الذين سقط منهم 16 شهيداً وتسبب القتال بأضرار جسيمة في منازلهم وممتلكاتهم فضلاً عن تعرض مخيم للنازحين السوريين المدنيين لنيران القصف عند احتماء المسلحين به. ولفتت مصادر قيادة تيار «المستقبل»، إلى أن التحرك السريع الذي قامت به بالتعاون مع أجهزة الدولة والجيش والحكومة، أدى إلى تجنيب الجيش وعرسال ومحيطها تداعيات خطيرة، واعتماد خيار التفاوض لتحرير المحتجزين وكشف مصير المفقودين من العسكريين في الجيش وقوى الأمن، ووفَّر على آلاف المدنيين الويلات والمآسي وعلى الجيش الاستنزاف. وهناك من لم يكن مرتاحاً إلى وقف المعارك لأنه يريد من الجيش أن ينطلق من عرسال إلى الحدود والجرود لملاحقة المسلحين ليكون في واجهة الحرب الدائرة مع هؤلاء على أن يكون «حزب الله» خلفه ومتلطياً به في هذه المنطقة الحساسة التي تحول دون دخولها من قبل قوات الحزب، بينما المطلوب حماية الحدود من أن يتسلل هؤلاء عبرها إلى الداخل اللبناني، وهذا أمامه صعوبة طالما الحدود مفتوحة أمام الحزب خروجاً ودخولاً من لبنان إلى سورية. وتعتبر المصادر القيادية، أن توجيه الانتقادات إلى الجيش كان يمكن ان يكون بريئاً انطلاقاً من الأسئلة الكثيرة التي طرحت حول تقصير محتمل في استعداد قوى الجيش للمعركة مع المسلحين بعد توقيف احد حواجزها المدعو عماد جمعة (أبو أحمد)، وهي أسئلة مشروعة وطرحت في كل الأوساط، لكن قيادة «المستقبل» فضلت تأجيلها إلى ما بعد استتباب الوضع وعودة العسكريين المحتجزين وتحصين الحدود في منطقة عرسال من أي اختراق جديد، ولذلك طلبت قيادة «المستقبل» من رموزه ونوابه عدم طرح هذه الأسئلة في وقت يخوض الجيش معركته ضد المسلحين ويتم السعي لاسترجاع عسكرييه. وذكرت المصادر أن ما يزيد الريب من الحملة على الجيش من قوى 8 آذار، أن هناك مطالبة وإلحاحاً من مناصري القيادة السورية على أن ينسق الجيش اللبناني مع الجيش السوري في المعركة ضد المسلحين التكفيريين، وأن يتم التنسيق أيضاً على المستوى السياسي والحكومي في صدد الوضع على الحدود وفي شأن قضية النازحين السوريين الذين تمكن إعادتهم إلى سورية، كأن وظيفة الحملة الضغط على الجانب اللبناني كي يُقبل على هذا التنسيق العسكري واللوجستي، وهو ما طالب به الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، في وقت هناك خلاف داخلي على هذا الأمر، حيث تعتبر أطراف في الحكومة أن هذا التنسيق يفتح الباب على التواصل مع المعارضة السورية أيضاً، بينما سياسة الحكومة هي النأي بالنفس عن الأزمة السورية. وإذ تستبعد المصادر نفسها ل «الحياة» أن يكون وراء الحملة أمر متصل بالترشيحات لرئاسة الجمهورية وطرح اسم قائد الجيش العماد جان قهوجي، لاعتقادها أن أمر مجيء عسكري مرة ثالثة للرئاسة دونه صعوبات، فإنها تسأل عما إذا كان الهدف «إعادة الكرة بدفع الجيش إلى خوض المعركة التي يخوضها «حزب الله» والجيش السوري في منطقة القلمون، وهذا أخطر بكثير».