انسحب مسلحو «النصرة» و«داعش» فجر امس، من بلدة عرسال بعد خمسة ايام من الاعتداءات على الجيش اللبناني واستباحة هذه المدينة الحدودية، عائدين الى جرودها تاركين خلفهم رائحة الموت. وتواصلت المفاوضات على مدى ساعات امس، لإطلاق العسكريين اللبنانيين الذين احتجزهم المسلحون واقتادوهم منذ اليوم الأول الى الجرود، ولإدخال المؤن الغذائية الى عرسال التي كانت اوقفت في اللبوة «ظناً» من اهاليها انها «ستدخل الى المسلحين» وأصروا على عدم ادخالها ما لم يطلق سراح آخر عسكري محتجز، ودخلت 3 شاحنات في الرابعة بعد الظهر على ان تدخل بقية شاحنات القافلة تباعاً. وكانت عرسال استفاقت على خلو البلدة من المسلحين وعلى مشاهد الدمار وعلى رائحة جثث متحللة منبعثة من مخيمات النازحين السوريين التي احترق عدد منها. وصباح أمس، دخلت سيارات الأسعاف بعدما منعت اول من امس، من اجلاء الجرحى غير اللبنانيين، لكن هذه المرة دخلت السيارات التابعة للصليب الأحمر اللبناني وعددها 17، وأخرجت 44 جريحاً، أربعة منهم لبنانيون و40 جريحاً من النازحين السوريين وليس بينهم اي مسلح. وتوزع الجرحى على مستشفيات: دار الأمل الجامعي، المنارة، شتورة ومستشفى فرحات في جب جنين. وتحدثت المعلومات الاولية عن ان حصيلة المعارك في عرسال اسفرت عن مقتل 46 شخصاً جلهم من النازحين السوريين. وكان اللافت امس، اطلاق 7 عناصر من قوى الامن الداخلي كانوا يختبئون عند بعض الاهالي منذ بداية المعارك وجرى نقلهم الى مستوصف الحريري الذي كان من ضمن محاور الاشتباكات بين الجيش اللبناني وبين المسلحين السوريين، ودخل جنود من فوج المجوقل في الجيش صباحاً الى المستوصف واستردوا العناصر السبعة وهم: حسين الجمال، عبد الرسول كرمبي، هولو غنام، محمد بلوق، احمد البريدي، وسام رايد وشهاب محيي الدين. وسجل توقيف الجيش في عرسال لاشحاص يشتبه بهم. وكانت الهدنة الإنسانية الممدد لها لمتابعة التفاوض من قبل وفد «هيئة العلماء المسلمين» ممثلة بالشيخ حسام الغالي ووجهاء من عرسال مع قيادات المسلحين، تعرضت مساء اول من امس، لعرقلة بسبب منع شاحنات الاغاثة من الدخول، خصوصاً انها تزامنت مع عمليات قصف ليلاً ادت الى جرح 6 اطفال من النازحين السوريين كانوا نياماً وقضى واحد منهم متأثراً بجروحه وهو من آل الزهوري وعمره 13 سنة، وتمسك الجانب الذي يفاوض باسم المسلحين بالحصول على ضمانات لتأمين سلامة النازحين بعد انسحاب المسلحين الى الجرود مقابل تسليم العسكريين المحتجزين من قبلهم. ودخل على خط التفاوض الذي كان يتابعه عضو كتلة «المستقبل» النيابية جمال الجراح، ليلاً زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري الذي اتصل برئيس الحكومة تمام سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي للمطالبة بضرورة ادخال المؤن الغذائية متسائلاً كيف تكون ربطات الخبز ل «داعش» والناس في عرسال تفتقر اليه». وتردد ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري دخل على خط الاتصالات ايضاً. ونقل الجراح الى المفاوضين ان ضمانة المسلحين هي «الدولة اللبنانية واللجنة لا تعطي ضمانات والدولة هي التي تضمن امن النازحين». واكدت مصادر متابعة للمفاوضات ان المسلحين لم يطلبوا اموالاً ولا حتى اتوا على ذكر الموقوف السوري لدى الجيش عماد احمد جمعة. وقدرت مصادر امنية متابعة عدد المسلحين الذين دخلوا الى عرسال وخرجوا منها بعد تعديهم على الجيش اللبناني بنحو الفي مسلح. واشارت الى ان الشخص الذي كان يتولى التفاوض باسم المسلحين ويدعى «ابو مالك» انسحب بدوره مع المسلحين الى الجرود. لكن المصادر المتابعة لسير المفاوضات اكدت «ان التفاوض لا يزال مستمراً من قبل كل الذين لهم علاقة مع المسلحين»، وفضلت عدم الدخول في تفاصيل. وعلى رغم الهدوء الذي خول اهالي عرسال التجول في شوارعها فإن الحركة انعدمت في محيط مخيمات النازحين. وقال مدير المستشفى الميداني الطبيب قاسم الزين ان المستشفى استقبل امس، 12 جريحاً من المدنيين السوريين الذين اصيبوا برصاص قناصة وتحديداً في منطقتي رأس السرج ووادي الأرنب. وأكد ان المستشفى وثّق اسماء 42 قتيلاً من النازحين السوريين جرى دفنهم في المقبرة التي تقع خلف المستشفى لعدم وجود برادات تستوعبهم. وكانت الهدنة سمحت بخروج عراسلة (هربوا الى قرى مجاورة) ونازحين سوريين بالمئات، وتجمع نازحون في رأس بعلبك وبلغ عددهم 1800 نازح وشكلوا قافلة واكبها الجيش اللبناني الى نقطة المصنع الحدودية بعدما قرروا العودة الى بلدتهم قارة بالتنسيق مع النظام السوري وبمبادرة من راهبات دير يعقوب في قارة. الوفد المفاوض وكان وفد «هيئة العلماء المسلمين» برئاسة الشيخ حسام الغالي عاد الى عرسال قبل الظهر بعدما اجتمع الى مخابرات الجيش اللبناني في أحد المنازل عند مدخل البلدة. وأكد الغالي قبل دخول الوفد إلى عرسال «ان عملية إخلاء الجرحى بدأت وتيسرت من قبل الجهات الأمنية والجيش»، شاكراً «كل من تجاوب معنا في هذه المبادرة على رأسهم الجيش اللبناني». وأكد أن «المسلحين انسحبوا من عرسال بمعظمهم وعندما يستكملون انسحابهم بالكامل، هناك جهة لديها ورقة للكشف عن وجود أسرى الجيش اللبناني والأمن الداخلي». وأمل بأن «تنتهي هذه الظروف وتعود الامور كما كانت وأفضل». وعن المخطوفين العسكريين قال: «نتابع المسألة مع الجهات الموجودة في الداخل هم سيتركون لنا رسالة في الداخل مع بعض أهالي عرسال كما قالوا لنا. وعلمت أن هناك مجموعة من الامنيين الذين كانوا مختبئين أو موجودين داخل البلدة تم تحريرهم اليوم صباحاً وسنتابع الامر معهم وليس لدي أي معلومات حتى أدخل إلى البلدة». وعن اجتماعه مع المسلحين ليل اول من امس قال انه لم يلمس «أي تناقض بين أقوال مختلف الفصائل المسلحة، صحيح ان هناك عدداً كبيراً من المسؤولين عنهم لكنهم كانوا يتحدثون بلغة واحدة وهي لغة الايجابية وأن الذي حصل في عرسال كان خطأ والمجموعة الذي دخلت وفعلت ما فعلت كانت مخطئة، وهذا الكلام مسجّل في هاتفي وسأسلمه لقيادة الجيش، والتزموا الخروج من عرسال ومطلبهم الوحيد تأمين أمن المدنيين ونعلم أن الجيش اللبناني والقوى الامنية تحافظ على المدنيين اللبنانيين والسوريين وسنكون معهما في كل خطوة حتى لو اضطررنا إلى النوم في البلدة أياماً كثيرة لأننا كهيئة التزمنا تطمين المدنيين السوريين قبل اللبنانيين بالأمن بشكل كامل. كل الجرحى المدنيين السورين واللبنانيين سيخرجون ولا فرق بين الجرحى». واكد انه «ليس هناك جريح مسلح موجود الآن في المستشفيات، وهم اخذوا جرحاهم معهم والموجودون من المدنيين. نريد متابعة إدخال المساعدات الإنسانية تمهيداً لفتح الطريق بعد تأمين البلدة. تقاتلت أمس الناس على الخبز». وعن ضمان عدم عودة المجموعات المسلحة، قال: «هذا الامر بعهدة الشرعية اللبنانية والدولة تضمن أمن البلد والحدود وتعرف كيف تتعامل مع هذه الامور مهمتنا التفاوض ونكون رسل خير بين كل الاطراف الموجودة». وقال ان «احد المخيمات السورية احترق بالكامل ويوجد جثث متفحمة فيه وهناك أطفال تئن، وعند مروري إلى جانب المخيمات كانت رائحة الموتى قاسية جداً لذلك نحن أمام كارثة انسانية نريد إنهاءها». الصليب الأحمر وأكد المدير العام للصليب الأحمر اللبناني جورج كتانة «نقل 44 جريحاً غالبيتهم من النساء والأطفال جراء العمليات العسكرية إلى مستشفيات في البقاع الغربي والبقاع الأوسط. حالات بعضهم خطرة». اضاف: لم نعانِ من صعوبات بنقل جرحى من المخيمات في عرسال، كانت هناك موافقة من الجيش اللبناني وتنسيق كامل معه وتنسيق مع المستشفيات الميدانية وتبيّن أن هناك إصابات كثيرة في المنازل. وأوضح أنّ «عناصر الصليب الأحمر أخلوا مستشفيين ميدانيين في عرسال بشكل كلّي»، مشيرًا الى أنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتعاون مع وزارة الصحة ستغطّي كل النفقات». فصائل القلمون وكان صدر بيان ليل اول من امس، باسم «الجيش السوري الحر والقوى العسكريّة العاملة في القلمون» استنكر «العمل الخاطئ الذي جرى على أرض عرسال اللبنانيّة، والذي بدأت به عناصر غير مسؤولة». وحمل أسماء وتواقيع 7 أشخاص منهم مسؤولون عسكريّون يشكّلون لجنة، لم يُحدّد بوضوح ماهيّة عملها، حمّل «الدولة اللبنانية المسؤولية عن عدم منعها تدخّل طرف لبناني في الداخل السوري، متمثّلاً ب «حزب الله»، إلى جانب النظام القاتل». وأسف الموقعون «لسقوط ضحايا من السوريين واللبنانيين مع تمنّ بعدم تكرار هذه الحوادث المؤلمة». وطالبوا «بتشكيل لجان مشتركة لحماية النازحين ومنع المساس بهم، والحؤول دون حدوث أي فتنة مستقبلية». وضمّنوا البيان اعتذاراً «لأهلنا وأخوتنا في عرسال الحبيبة عمّا ألمّ بهم جرّاء هذه الحوادث». «المستقبل» و«امل» وكان الأمين العام ل «تيار المستقبل» أحمد الحريري اعلن في بيان أنه «بتوجيهات من الرئيس سعد الحريري، استنفرت منسقيات التيار في البقاع وفي كل المناطق لخدمة أهالي بلدة عرسال الذين بذلوا التضحيات الغالية إلى جانب الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية». ووصف البلدة بأنها «بلدة منكوبة»، مستنكراً «اعتراض قافلة المساعدات الإنسانية التي كانت متجهة إلى عرسال» وسأل:» ألا يكفي أهالي عرسال أن بلدتهم التي احتلت من مسلحين غريبين عنها، حوصرت من مواطنين لبنانيين يفترض أن يكونوا سنداً لها في معركتها ضد الإرهاب؟». وشددت الهيئات القيادية في حركة «امل» التي اجتمعت برئاسة الرئيس نبيه بري على دعمها للجيش اللبناني ودعت الى «اخذ العبرة مما جرى والمسارعة الى انجاز الاستحقاق الرئاسي واطلاق العملية السياسية والتشريعية اللازمة». وشددت على «وجوب تنظيم وجود النازحين السوريين في لبنان منعاً لاستغلالهم من جماعات تكفيرية». وصدر بيان باسم «تكتل منظمات المجتمع المدني» في عرسال ندد بالاعتداءات التي طاولت الجيش وأدت الى خسارة ايضاً في صفوف المواطنين الآمنين العزل. وناشد السياسيين «الترفع عن مصالحهم الضيقة وحساباتهم الحزبية، لأن الوطن أبقى». وكانت ممثلّة مفوضيّة الأمم المتّحدة للاجئين في لبنان نينت كيلي زارت وزير الشؤون الاجتماعيّة رشيد درباس بمشاركة منسق الأممالمتحدة المقيم للشؤون الإنسانية في لبنان روس ماونتن وتركز النقاش على «تقييم الوضع الإنسانيّ السريع التطوّر الذي يواجهه المدنيون اللبنانيون والسوريون المتأثرون بالمعارك الجارية في عرسال». وقالت كِيلي إنّ «خطط الطوارىء مع الوزارة ركّزت على حاجات العائلات اللبنانيّة والسوريّة إضافةً إلى الوضع الأمنيّ وسبل وصول المساعدات الإنسانيّة إلى عرسال». ولفتت الى ان اكثر من 40 منظّمة إنسانيّة لبنانيّة ودوليّة في جاهزيّة تامّة للاستجابة إلى الحاجات الإنسانيّة للمتأثرين مِن المدنيين. ولفتت الى ان «الحاجة ملحة إلى الطعام والماء والمساعدات الطبية». وشددت على ان «تأمين الحماية والمساعدة من قبل الأممالمتحدة والوكالات الشريكة لها أمرٌ إنسانيّ يخلو من أيّ خلفيّة سياسية. ويتمّ بذل كل الجهود لضمان الدعم اللازم للمدنيين فقط وليس للأشخاص المشاركين في الأنشطة المسلّحة من أيّ نوعٍ كانت». إجراءات بلدية وفي ضوء ما حصل في عرسال، اتخذت بلديات في مناطق تستضيف مخيمات للنازحين السوريين اجراءات «احترازية» منها منع النازحين والعمّال السوريين من التجول بعد الثامنة مساء، ومنع اللبنانيين المؤجرين للسوريين من استيعاب أكثر من عائلة واحدة أو خمسة أفراد في كل وحدة سكنيّة، شرط أن تتوافر فيها الشروط السكنيّة الأساسيّة، وتقدم للبلديات الأوراق الثبوتيّة للعمّال المستخدمين لديهم. وقررت بلدة شبعا (العرقوب - جبل الشيخ) «عدم استقبال نازحين جدد والطلب الى القوى الامنية المساندة والمؤازرة والتشدد في الإجراءات المتخذة على المعابر والسماح فقط بدخول المواد الغذائية وغير ذلك يمنع منعاً باتاً».