مشهد لم يكن مألوفاً في موسكو. مئات السيارات التي طال وقوفها في أحد الشوارع المؤدية إلى الكرملين، تطلق أصوات أبواقها معاً احتجاجاً على تعطيل الطريق لفترة طويلة من أجل إفساح المجال أمام موكب الرئيس فلاديمير بوتين للمرور. لم يكن لصوت مشهد الاحتجاج العفوي ألاّ يصل إلى أسماع بوتين الذي كان ينطلق بموكبه مع ضيفه الرئيس الفيتنامي ترونج تان سانغ، وعلى طول شارع لينين رافقت الأبواق المزعجة الزعيمين في حركة موكبهما. هكذا يبتكر الروس كل يوم آليات جديدة للاحتجاج على ما يزعجهم من أمور البلاد والساسة. كان بعضهم ظنّ أن حركة الاحتجاجات التي عمت المدن الروسية قبل فترة مالت إلى الهدوء بسبب اجازات الصيف، وبسبب حملات التضييق والملاحقة التي طاولت أبرز زعماء المعارضة. لكن التطورات دلت إلى اتساع الاستياء وخروجه عن دائرة المشاركة في التظاهرات، ليدخل إلى كل تفاصيل الحياة اليومية لملايين من الروس. في المقابل لم تقف السلطات مكتوفة الأيدي في انتظار تنفيذ المعارضة وعيدها بإطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات الكبرى مع بداية الخريف. فبادرت إلى سلسلة خطوات استباقية، بينها تبني قوانين تفرض قيوداً صارمة على التظاهر وعلى نشاط مؤسسات المجتمع المدني وحرية الصحافة. كما زادت الضغوط على المعارضين، وخضع سيرغي اودالتسوف واليكسي نافالني، وهما من أبرز وجوه المعارضة، لملاحقات قضائية بتهم وصفاها بأنها «مفبركة». وطاولت القبضة الأمنية المشددة العالم الافتراضي للروس أيضاً، بعدما وضع قانون أقره مجلس الدوما (البرلمان) لائحة من القيود على الإنترنت طاولت في ظاهرها المواقع التي تحرّض على تعاطي المخدرات أو تستهدف الأطفال بسوء، لكن ما خفي منها في رأي المعارضة موجه لقمع حرية الكلمة ومحاولة إغلاق الفضاء الافتراضي أمام المعارضين. ويقترح «قانون المعلومات» وضع «لوائح سوداء» تشتمل على «كل مصادر المعلومات غير القانونية»، وبينها المواقع الإباحية للأطفال وكل ما يروّج للحروب أو التحريض على الكراهية العرقية. وأثارت الفقرة الأخيرة مخاوف لدى المعارضين لأنها تفتح الباب أمام استخدامها ضدهم في أوسع نطاق. وينص القانون على حق الدولة في حجب مصادر المعلومات وملاحقتها قضائياً في حال «لم تستجب خلال 24 ساعة تحذيراً بشطب المواد المنشورة». واعتبر المعارضون أن القانون صيغ بطريقة ستحوّله من مشروع لحماية الأطفال من المواد الإباحية، إلى جدار يعزل المعلومات عن المستخدمين. وتسارعت ردود الفعل المعارضة، إذ اعتبر مسؤولون أميركيون وأوروبيون إن القوانين الأخيرة تدل على تعاظم المخاوف لدى النخبة الحاكمة في روسيا من سطوة الإنترنت، بينما قررت مواقع بارزة، بينها النسخة الروسية من الموسوعة الإلكترونية «ويكيبيديا»، أن تحتجب لمدة يوم احتجاجاً وتنبيهاً إلى المصير الذي ينتظر الفضاء الافتراضي للمعلومات في روسيا. اللافت أن سنّ القانون الجديد ترافق مع عودة الحديث عن احتمال المضي في خطوات أوسع للحد من حرية الإنترنت في روسيا، استناداً إلى مشروع قانون اقترحته وزارة الداخلية نهاية العام 2010 وقوبل آنذاك باعتراضات قوية، ثم تم تجاهله إلى حين، خوفاً من تأثيره على مزاج الناخبين. ونصّ المشروع المقترح على تشديد الرقابة على كل شبكة الإنترنت، في إطار «تعزيز الحرب على التطرف والإرهاب ونزعات التشدد القومي». ولا يخفي معارضون قلقهم من أن يكون قانون «المعلومات» الجديد خطوة أولى نحو مزيد من القيود.