يشهد الملف الكردي في تركيا حراكاً لافتاً على أكثر من صعيد، في ظل إشارات إلى سعي حكومة رجب طيب أردوغان إلى التوصل إلى تسوية سياسية للملف الذي بقي أبرز مشكلة توارثتها الحكومات التركية، منذ تأسيس الجمهورية عام 1923. وكان آخر هذا الحراك الإعلان المفاجئ عن لقاء سيجمع أردوغان بالنائب الكردية المعروفة ليلى زانا اليومً، ليتجاوز بذلك الطرفان قطيعة سياسية تخللها تبادل اتهامات في شأن عرقلة تسوية المشكلة الكردية. وسرّبت مصادر في رئاسة الوزراء أن زانا طلبت مقابلة أردوغان، وأنه استجاب طلبها فوراً، مشيرة إلى أن اللقاء سيناقش مسائل مهمة، في إطار القضية الكردية. غزل سياسي وكانت العلاقة بين أردوغان وزانا شهدت «غزلاً» سياسياً، بعد إعراب الأخيرة عن ثقتها في قدرة رئيس الوزراء على تسوية هذه القضية، وبعد تصريحات لأردوغان تَعِدْ بوقف جميع عمليات الملاحقة ل «حزب العمال الكردستاني»، إن ألقى سلاحه، في إشارة إلى قبول إصدار عفو عام عن أفراده لاحقاً. كما كشف أردوغان مطلع الشهر، تدريس اللغة الكردية بوصفه درساً اختيارياً في المدارس الحكومية، اعتباراً من الفصل الخامس الابتدائي. وكثر الحديث عن تشكّل ملامح تسوية بين «الكردستاني» والحكومة، عن طريق أكثر من وسيط، قوامها إلقاء السلاح ونيل عفو عام وتعليم اللغة الكردية في المدارس وتحسين ظروف سجن زعيم الحزب عبدالله أوجلان، تمهيداً لإطلاقه لاحقاً. لكن الأوضاع على الأرض تفيد بأن الصفّ الكردي منقسم إزاء هذا السجال، إذ عارض رئيس «حزب السلام والديموقراطية» الكردي، والذي تنتمي إليه زانا، تصريحاتها ولقاءها المنتظر مع أردوغان، قائلاً: «سياسة أردوغان واضحة، من خلال سجنه يومياً مزيداً من الناشطين الأكراد، فبأي حجة يستحق هذا الثناء وهذا اللقاء؟». سجال كردي - كردي كما زاد تيار داخل «الكردستاني»، يتزعمه الكردي السوري الأصل جميل باييك، هجماته أخيراً على القوات التركية، تعبيراً عن رفضه للتسوية ومواصلته العمل العسكري، وذلك وسط نقاش كردي - كردي بين من يرى ضرورة استغلال الفرصة الحالية لتسوية الملف الكردي، ومن يشدد على ضرورة الانتظار حتى انتهاء الثورة السورية ونيل الأكراد هناك فيديرالية كردية، سواء انتصرت الثورة أو من خلال التفاوض مع الحكومة الحالية. ومن شأن ذلك، إذا حصل، أن يزيد الضغوط على تركيا التي ستكون محاصرة بفيديراليتين، في العراق وسورية، ما يرفع سقف مطالب أكرادها إلى الفيديرالية أيضاً. ويعتبر الأكراد الرافضون للحلّ، أن أردوغان يسعى الآن إلى تسوية سياسية، قبل حسم المشهد في سورية، وأن من الخطأ الدخول معه في مساومات والأفضل زيادة الضغط ورفع سقف المطالب أو الانتظار. ويرى متابعون للشأن الكردي في تركيا أن انقسام الصف السياسي الكردي في هذا الشكل، من شأنه تعطيل فرص تسوية سلمية، إلا إذا دخل أكراد العراق على الخط، للضغط على «الكردستاني». وتأمل أنقرة بذلك، لكن ساسة أتراكاً يبدون شكوكاً في هذا الشأن، على اعتبار أن قيادات أكراد العراق شركاء في مصلحة الضغط على أنقرة، لانتزاع فيديرالية كردية.