قبل يومين من الانتخابات الاشتراعية المقررة بعد غد الأحد، برز الملف الكردي مجدداً، باعتباره الوحيد المتبقي على ساحة النقاش، بعد طي ملفات قديمة مثل الحجاب والجماعات الإسلامية وقبرص والاتحاد الأوروبي والعلمانية الأتاتوركية. وحتى لو حاول الأتراك تناسي هذا الملف، فإن هجمات «حزب العمال الكردستاني» والتصريحات المتكررة لزعيمه المحتجز عبد الله أوجلان، لا تدع لهم مجالاً لذلك، علماً أن كثراً من الأتراك ما زالوا يتساءلون عن جدوى اعتقال أوجلان العام 1999 واحتجازه في سجن منفرد بجزيرة إمرالي، إذ انه ما زال يقود الحراك الكردي من أجل حكم ذاتي في تركيا، من خلال لقاءاته الأسبوعية والشهرية مع محاميه ونواب «حزب السلام والديموقراطية» الكردي. وبإشارة منه، تُعلّق أو تُستأنف العمليات المسلحة ل «حزب العمال» ضد أهداف أمنية في تركيا. والمفارقة أن الشخص الذي يتمتع بكل هذه القوة من زنزانته، محروم من المشاركة في الانتخابات، بسبب الحكم عليه بتهمة الخيانة. وفي آخر لقاء لها معه، قالت النائبة الكردية السابقة ايسال طوغلك إن أوجلان يعتبر تصريحات رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان خلال حملاته الانتخابية، والتي تستهدف نيل أصوات القوميين الأتراك، بمثابة «إعلان حرب» على الأكراد، مشيرة إلى أنه ينتظر استئناف لقاءاته التفاوضية مع الاستخبارات التركية بعد الاقتراع، لتحديد مسار حزبه الذي ترك قيادته، لكنه لم يترك زعامته. لكن كثراً في تركيا يرون في تصريح اوجلان محاولة لاستعجال ما هو آتٍ من حل بدا أقرب من أي وقت آخر للقضية الكردية في تركيا، مع اقتناع المعارضة الأتاتوركية، ممثلة ب «حزب الشعب الجمهوري» الذي يقوده كمال كيليشدارأوغلو، من أن لا مفرّ من إعطاء الأكراد حكماً ذاتياً ولو إدارياً، والسماح لهم باستخدام لغتهم في التعليم والإدارة. وهذا أمر من شأنه تسهيل مهمة أردوغان الذي يسعى إلى وضع دستور جديد للبلاد يغلق من خلاله هذا الملف الذي أدمى تركيا وأضرّ بسمعتها واقتصادها. فالسجال السياسي في الساحات الانتخابية الآن، يبدو واضحاً بين فريقين: الأول مؤلف من المعارضة الأتاتوركية التي وعدت بمنح الأكراد حكماً ذاتياً، و»حزب العدالة والتنمية» الحاكم الذي، وإن أخفى تأييده لهذا المشروع لجذب أصوات القوميين، إلا انه مع هذا المشروع سلفاً، خصوصاً نظراً إلى سياسات تركيا إزاء أكراد العراق، إذ اعترفت بفيديرالية كردستان العراق، في تغيير جذري مهم لنظرتها إلى الأكراد عموماً. وينضم إلى هذا التيار نواب أكراد يخوضون المعترك الانتخابي بوصفهم مستقلين. أما الفريق الآخر فيقوده «حزب الحركة القومية» الذي يعتبره زعيمه دولت بهشلي الوحيد في تركيا الذي ما زال يدافع عن الهوية القومية للدولة ويرفض تقسيمها، ويكاد يبني حملته الانتخابية بكاملها على هذا الخط السياسي.