الكوبري هو الكوبري، والسيارات المتناحرة هي نفسها، لكن اللوحات الإعلانية والجدران المطلة على كوبري (جسر) «6 أكتوبر» الحيوي في القاهرة تنضح بشرر سياسي متطاير واحتقان إعلاني محتدم. ففي خضم الألعاب البهلوانية الخطرة التي وجد المصريون أنفسهم مجبرين على الخوض فيها متأرجحين بين تأسيسية الدستور ولوغاريتمية قانوني العزل وحل مجلس الشعب، فوجئ مرتادو الجسر، الأشهر قاهرياً، بالمرشح الرئاسي المصنف ثورياً تحت بند «الفلول» أحمد شفيق يطالعهم بنظرة «الموناليزا» نفسها التي اختص بها صاعدو الجسر من جهة مصر الجديدة، ناظراً في عيني كل من يجرؤ على مطالعة إعلانه الدعائي الجديد. جديد هذا الإعلان ليس في شعاره الذي ما زال محتفظاً ب «الأفعال وليس الكلام»، لكنه في القميص الصيفي المخطط الذي يلفت أنظار الشباب وربما الشابات أيضاً، بدل الكنزة الزرقاء الشهيرة التي جعلت شفيق يكتسب اسماً حركياً ساخراً هو «الرجل البلوفر»، وكذلك البدلة الداكنة بالأزرار الذهبية الأنيقة التي رسخته في أذهان البعض باعتباره جزءاً من نظام سابق اتسم بأناقة مظهرية مفرطة. كتابة غرافيتية مفرطة أيضاً اعتلت جدران الجسر تزامناً مع هذه الهجمة الدعائية الانتخابية الرئاسية الشرسة مؤكدة أن «شفيق فلول» وأن «التغيير من دون تنظيف شامل يؤدي إلى تسلخات»، إضافة إلى رسوم مطبوعة تدمج وجه الرئيس السابق حسني مبارك مع كنزة شفيق الزرقاء، في حين اكتفى آخرون مناهضون لشفيق بتمزيق عينيه في ملصقات دعايته. ومن العيون الممزقة إلى تلك المتشبثة بحبال التفاؤل والسعادة، والتي تميل إلى الضيق بفعل الابتسامة العريضة المرسومة على وجه المرشح الرئاسي محمد مرسي الذي يتسلم مقاليد الدعاية الانتخابية على منتصف الجسر من خلال اللوحات الإعلانية الضخمة التي تعتلي العمارات السكنية على جانبي الجسر. «نيو لوك» مختلف تماماً كللته ابتسامة ساحرة ولحية اتجهت نحو التقصير ونظرة شطحت نحو الأفق وشعارات ثورية وألوان فوسفورية تطالع رواد الجسر أينما نظروا. «قوتنا في وحدتنا»، وهي العبارة التي اقتبسها القائمون على حملة مرسي من دون إعطاء صاحبها محمد البرادعي حقوق ملكيته الفكرية، وتعلوها صورة تجمع منقبة ومحجبة وغير محجبة وشيخ مسلم وقس مسيحي. وبدل استناد دعايته إلى أن «مرشحنا يحفظ القرآن كاملاً»، صار مرسي مرشحاً «لكل المصريين» بنكهة ثورية واضحة في أحاديثه التلفزيونية الحديثة، إضافة إلى استشعار قدر من الدعابة، بعد ما كان ال «سوفت وير» الخاص به غير مهيأ للتعامل مع الدعابات التي توجه له من قبل بعض المحاورين. وتظل حوارات المصريين في كل مكان بلا استثناء تتمركز حول السؤال الأصعب: «هتنتخب مين؟» الفرق الثلاث الرئيسية هي: منتخبو مرسي، ومنتخبو شفيق، والحائرون بين ما يطلق عليه «المر والأمر منه». منتخبو مرسي سينتخبونه إما لأنهم مؤمنون ب «مشروع النهضة» الذي يطرحه، أو كرهاً لشفيق وما يمثله من نظام سابق. كذلك الحال بالنسبة إلى منتخبي شفيق الذين سيختارونه إما لإيمانهم بأن من شيد مطاراً حديثاً سيبني دولة حديثة، أو كرهاً لمرسي وتيار الإسلام السياسي الذي يمثله. أما الفريق الثالث، فهو الواقع بين شقي رحا الإسلام السياسي والنظام السابق، وهو الفريق الذي يوجه إليه كل من المرشحين حالياً جل جهدهما. فمرسي أصبح بطعم الثورة ونكهة الشهداء وملمس «مصر للجميع»، في حين صار شفيق بطعم الشباب بل وبرعاية روابط مشجعي كرة القدم المعروفة بارتباطها بالثورة ونكهة التظاهر للجميع وملمس «قناة السويس لمصر» و «عاصمتها القاهرة». وإلى أن يحين موعد انطلاق جولة الإعادة، مكتوب على المصريين أن يستمروا في الصولان والجولان في دوائر انتخابية مفرغة تخاطبهم بلوحات إعلانية مذهلة مرة، وببرامج «توك شو» مدهشة مرة، ومحاولات حثيثة للخروج من السيرك السياسي الراهن مرات. في مقهى في القاهرة أمس (أ ف ب)