بدا «الاصطفاف الطائفي» من أبرز ملامح الجولة الثانية في انتخابات الرئاسة المصرية التي يتنافس فيها أحمد شفيق رئيس آخر حكومات الرئيس المخلوع حسني مبارك ومرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي. وإن كانت أصوات الإسلاميين تفتت في الجولة الأولى من الانتخابات بين ثلاثة مرشحين مثلوا التيار الإسلامي، هم مرسي والقيادي السابق في جماعة «الإخوان» عبدالمنعم أبو الفتوح والقانوني محمد سليم العوا، فأصوات الأقباط أيضاً كأي كتلة في المجتمع لم تتوحد خلف مرشح محدد، لكن الأمر بدا مختلفاً تماماً في جولة إعادة الانتخابات. وفضل مرسي طرح نفسه في الإعادة على أنه مرشح الثورة بدل كونه صاحب «المشروع الإسلامي»، وفق ما قدم نفسه في الجولة الأولى، أما شفيق الذي يُنظر إليه على أنه مرشح نظام مبارك، فركز في دعايته الانتخابية على «الدولة المدنية»، موحياً بأن منافسه سيحول مصر إلى «دولة دينية». وكانت أصوات إسلامية بارزة حملت الأقباط مسؤولية صعود شفيق إلى جولة الإعادة لتكتلهم خلفه في الجولة الأولى، لكن الكنيسة نفت أن تكون أصدرت تعليمات للأقباط بالاقتراع لمصلحة مرشح معين. وعزز من اعتبار الأقباط حشدوا خلف شفيق مغازلته لهم عبر تصريحات عن ضرورة ضم أجزاء من الأنجيل إلى المناهج الدراسية التي تحتوي آيات قرآنية. وفي حال تمت الانتخابات وفاز شفيق، فإن إسلاميين كثيرين سيرون أن الأقباط وراء فوزه، خصوصاً أن بعض القساوسة نصحوا الأقباط علناً بانتخابه، أما إن فاز مرسي فإن قطاعاً كبيراً من الأقباط لن ترضيه «سيطرة» جماعة «الإخوان» على مقاليد الحكم، خصوصاً أن مرسي مرشح تيار محدد الهوية وليس مجرد مرشح خلفيته إسلامية. وقال نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» نبيل عبدالفتاح إن «الاصطفاف الطائفي أمر طبيعي، ففي الجولة الأولى تبين أن هناك فرزاً سياسياً، لكن هناك كتلاً متخوفة من جماعة الإخوان ومن السلفيين بدأت توجه أصواتها إلى شفيق، لكن الأقباط لم يكونوا كتلة واحدة، إذ كان هناك تنوع سياسي ومذهبي في خياراتهم». ورأى أن «القول بأن الأقباط أنجحوا شفيق محاولة لشيطنة الأقباط وحديث غير دقيق»، لكنه أشار إلى أن «الأمر اختلف في الجولة الثانية، إذ يميل قسم كبير من الأقباط إلى شفيق أو إلى عدم التصويت، لكن الكتلة الرئيسة منهم ستدعم شفيق، لأن الخيار الآخر لا ثقة فيه من قبل هؤلاء على اعتبار أن مرسي ينتمي إلى جماعة سياسية واضحة في أفكارها، وهم قطعاً لا يميلون إلى مرشح لديه برنامج ديني جزء منه يستند إلى بعض الأفكار الإسلامية فضلاً عن مجموعة أفكار غير واضحة لتطبيق الشريعة». وأشار إلى أن «الإخوان» والسلفيين «يميلون إلى الحشد الديني لضمان أصوات البسطاء»، معرباً عن مخاوفه من «عودة العنف الطائفي على المستوى الشفهي أو الفعلي... نحن أمام مرحلة بالغة القلق سببها هذا الاستقطاب الواضح». لكن الباحث سامح فوزي لا يشارك عبدالفتاح مخاوفه، وهو يرى أن الأقباط ليسوا الكتلة التي تستطيع إنجاح مرشح في انتخابات الرئاسة، ومن ثم «إن نجح شفيق فإن كل من اقترعوا لمصلحته مسؤولون عن نجاحه»، مشيراً إلى أن «شفيق حصل على أصوات قطاع كبير من المسلمين، بدليل أنه اكتسح محافظات الوجود القبطي فيها محدود». ورأى أن «البعض لديه مصلحة في إعطاء الانتخابات بعداً طائفياً في إطار أحد تكتيكات الحشد، فعندما تتصور بعض الكتل أن هناك مرشحاً يحظى بأصوات الأقباط قد تتجه أصواتهم تلقائياً إلى المرشح المحسوب على التيار الإسلامي». وأضاف أن «مرسي وشفيق كلاهما مسلم، ثم ان هناك ملايين المسلمين انتخبوا شفيق... هناك أسر مسلمة عادية لديها التخوفات نفسها التي لدى الأقباط من مرسي وبالتالي ستصوت لشفيق». وشدد على أن «الأقباط مواطنون أحرار يقترعون لمن يرغبون من دون أي خطابات اعتذارية». لكن الصحافي جورج صبري يخالفه الرأي، إذ يرى أن جولة إعادة انتخابات الرئاسة ستترتب عليها حتماً «مشاكل طائفية» في حال نجح شفيق أو مرسي، ويصل إلى حد اعتبار أن «نجاح شفيق سيضر الأقباط أكثر من نجاح مرسي». ويوضح: «إن فاز مرسي قد يتعرض الأقباط إلى مضايقات من السلطة على اعتبار أن رئيس الدولة يعلم يقيناً أنه وصل إلى الكرسي من دون أصوات الأقباط، ومن ثم قد لا يهتم بمشاكلهم، أما إن وصل شفيق إلى الحكم، فإن الانتقام سيكون مجتمعياً بعد أن ترسخ أن الأقباط حُسبوا على كتلة شفيق». وأضاف أن «الأقباط وُضعوا في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فمهما قاطعوا الاقتراع سينظر إليهم على أنهم صوتوا لشفيق الذي إن فاز سيحملهم المجتمع المسؤولية عن وصوله إلى الحكم وسيتعرضون لمضايقات مثل فلول النظام السابق، وقد يتطور الأمر إلى عزل مجتمعي، ويُعامل الأقباط معاملة الفلول... حتى إن قامت ثورة ثانية ضد شفيق لن يستطيع الأقباط المشاركة فيها وسيراها البعض ضد الأقباط أساساً ولن تشفع لهم المشاركة في ثورة 25 يناير». وأعرب عن اعتقاده بأن «الأقباط وضعوا في هذه المعركة من دون أن يكونوا طرفاً فيها، لأن منهم من اقترع لحمدين صباحي وعمرو موسى وحتى أبو الفتوح وأيضاً شفيق في الجولة الأولى كحال كثير من المصريين، لكن الإعلام والتيار الإسلامي زرع في نفوس الناس أن الأقباط سيأتون بشفيق إلى الحكم، وبالتالي الضمير الجمعي مستعد لتصديق هذا الأمر إن فاز شفيق، ليتحمل الأقباط من دون ذنب انتقام المجتمع الذي هو أسوأ من انتقام السلطة». وخلص إلى أن «معظم الأقباط مثلهم مثل كثيرين من المصريين لا يرون أياً من المرشحين يصلح لحكم مصر، وهم أحبطوا من نتائج الجولة الأولى، لذا سيقاطع عدد كبير منهم جولة الإعادة، ومن سيصوت لشفيق، فهو مفروض عليه، حاله حال كثير من المسلمين... الأقباط يرفضون الدولة الإخوانية».