بعد تسع سنوات على الاحتلال، قتل خلالها مئات ألوف العراقيين، ودمرت كل البنى التحتية والمؤسسات العسكرية والمدنية في بلادهم. وبعد مقتل أكثر من أربعة آلاف عسكري أميركي وجرح 32 ألفاً آخرين وإهدار أكثر من تريليون دولار، أعلنت الولاياتالمتحدة رسمياً نهاية الحرب في العراق، ووضعت حداً ل «التركة الثقيلة»، على ما قال الرئيس باراك أوباما. وبعد احتفال أوباما أول من أمس بنهاية الحرب في إحدى القواعد العسكرية في كارولينا، احتفل وزير الدفاع ليون بانيتا وكبار العسكريين الأميركيين في هذه المناسبة أمس في بغداد، وأنزل العلم الأميركي ليرتفع مكانه العلم العراقي، في غياب أي مسؤول مدني في بلاد الرافدين. وقال بانيتا، وإلى جانبه رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي وقائد المنطقة الوسطى الجنرال جيمس ماتيس إن «العراق سيواجه اختبارات صعبة في مواجهة الإرهابيين والذين يعملون على تقسيمه. لكن الولاياتالمتحدة ستبقى إلى جانبه حين يواجه هذه التحديات». وأضاف أن «الوقت حان كي يتطلع العراق إلى المستقبل»، داعياً العراقيين إلى عدم نسيان «التضحيات» التي قدمها الأميركيون. وأكد أن نهاية الحرب لا تعني «نهاية العلاقة مع العراق وإنما هي البداية «، وشدد على «التزام الولاياتالمتحدة البقاء إلى جانب بغداد لأن ذلك مسألة أخلاقية وعلاقات مستمرة وعميقة بين الطرفين». وزاد «نفخر بإنجاز المهمة التي بدأناها في العراق بنجاح فالقوات العراقية قادرة على التصدي لأي تهديد إرهابي». وما زال في العراق حوالى أربعة آلاف جندي أميركي يفترض أن ينسحبوا بحلول نهاية العام الجاري. وأعرب المسؤولون العسكريون الأميركيون عن أملهم بأن تتمكن القوات الأمنية العراقية التي يبلغ عديدها حوالى 900 ألف عسكري من مواجهة التحديات الكثيرة التي تلوح أمامهم. ويمثل هذا الاحتفال الرمزي الفصل الأخير في قصة دامية بدأت باقتناع الولاياتالمتحدة بأن إسقاطها نظام الرئيس الراحل صدام حسين سيجعلها تفوز بقلوب وعقول العراقيين وبالسيطرة على كل منطقة الشرق الأوسط، لكنها اكتشفت أن مهمتها أكثر تعقيداً مما تصورت فغرقت في حروب وضعت لها نهاية بتعهد أوباما الانسحاب. واتخذت القصة منحى مختلفاً عندما قتل مئات آلاف العراقيين بعدما عبدت القوات الأميركية الطريق أمام تمرد مسلح اثر حل الجيش، وفشلت في منع حرب أهلية بين السنة والشيعة. ونجح الأميركيون بعد عام 2007 في تغيير مسار الحرب التي كادوا يخسرونها، من خلال إرسال 170 ألف جندي لشل حركة المتمردين، والاستعانة بزعماء العشائر الذين انقلبوا على تنظيم «القاعدة». وكان بانيتا لخص، قبيل وصوله إلى بغداد، سنوات الحرب التسع بالقول إن «مهمتنا تقترب من نهايتها بعد أن قدمنا تضحيات كبيرة والكثير من القتلى إلا أننا نجحنا في هذه المهمة التي كانت تتركز على تأسيس عراق يستطيع أن يحكم بنفسه وأن يوفر الأمن لشعبه». وأضاف أن «العراق يملك اليوم جيشاً يستطيع مواجهة التهديدات. لن يكون من السهل أن تواجه البلاد تحديات مثل الإرهاب، والانقسامات الاقتصادية والاجتماعية، لكننا وفرنا للعراقيين فرص النجاح». ويغادر الجنود الأميركيون العراق بحلول نهاية العام تاركين قوات تبدو جاهزة للتعامل مع التهديدات الداخلية، إلا أنها عاجزة عن حماية الحدود البرية والجوية والمائية، على ما يقول مسؤولون عسكريون وسياسيون عراقيون وأميركيون. وهناك مخاوف إضافية من أن يتأثر العراق بقوى إقليمية مثل إيران. كما يخشى عدد من المراقبين الأميركيين من عودة أعمال العنف الطائفية، ويشككون في قوة الهياكل السياسية في العراق، ويشعرون بأن رئيس الوزراء نوري المالكي، يرسخ أقدامه في السلطة على حساب الأقليات الأخرى في العراق.