حين حصلت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر على 88 مقعداً في الانتخابات البرلمانية العام 2005، رغم التزوير الفاضح ومساندة كل أجهزة الدولة لمرشحي الحزب الوطني الذي كان حاكماً، قيل وقتها إن الناخبين مارسوا الاقتراع العقابي، ومنحوا أصواتهم ل»الإخوان» نكاية في الحزب الوطني ومعاقبته على فساده وسوء أحوال الدولة في عهده. وروَّج للعبارة الحزب الوطني نفسه وكذلك القوى المدنية التي كانت تناصب الحزب الحاكم والإسلاميين العداء في آن، ولم تدرك وقتها بأن المنافسة بينها وبين المرشحين الإسلاميين في غياب «الوطني» ستكون نتيجتها أشد وطأة عليها، إلا لو كان مرشحو التيار الإسلامي حققوا هذه النتيجة المذهلة في المرحلة الأولى من الانتخابات أخيراً باقتراع عقابي أيضاً، أو أنهم منحوا أصواتهم ل»ألإخوان» نكاية في الليبراليين!! أكبر خطأ وقعت فيه، ولا تزال، القوى المدنية المعادية للإسلاميين عموماً، و»الإخوان» خصوصاً هو تركيزها على عيوب هؤلاء وأخطاء السلفيين ومخاطر الحكم الاسلامي من دون أن تقدِّم للناس نفسها كقوى بديلة تطرح برامج وحلولاً للمعضلات التي يعانيها المواطن. وبغض النظر عن حملة «الخمور والبكيني» التي تتبنَّاها تلك القوى لتخويف الناس من حكم الإسلاميين، وتركيز القنوات التي يملكها رجال أعمال ينتمون إلى التيار الليبرالي غالباً على اصطياد موقف عابر لقطب «إخواني» أو داعية سلفي على أساس أن ذلك يُنَفِّرُ الناس من الإسلاميين ويقرِّبهم من الليبراليين، فإن هذا الأسلوب بقدر ما أفزع بعض الناس إلا أنه أيضاً صبَّ في مصلحة الإسلاميين، ليس فقط لأن قضية الشعب المصري لا تتعلق بمنع الخمور أو حظر البكيني ولكن لأن الناس عموماً يتعاطفون مع من يواجه حملة منظمة تستهدفه. هذا ما عبَّرت عنه نتيجة الانتخابات البرلمانية المصرية في مرحلتها الأولى، فالحملة أفزعت من هم مفزوعين أصلاً. صحيح أنها زادت من مخاوف الأقباط مثلاً من حكم «الإخوان»، لكن الأقباط ليسوا من الكتل التصويتية المناصرة ل»الإخوان» من الأساس. وصار المشهد وكأن إعلام القوى المدنية سواء عبر الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي يتكلم مع نفسه ولا يحقق فائدة مضافة، بل إنه يتسبب في تحقيق الفائدة للطرف المنافس، تماماً كما حال الأسلحة الفاسدة التي تشتريها لتحارب بها عدوك فنجدها وقد انفجرت في وجهك. ويضاف إلى ترسانة الأسلحة الفاسدة تلك بعض رموز الليبراليين الذين لا يجيدون الكلام أو التصرف فيتصوَّرون حين يطلقون بعض التصريحات النارية أنهم يخدمون تيارهم فيصيبونه في مقتل. وباستثناء بعض محاولات التنسيق لتخفيف التنافس بين رموز القوى المدنية في المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات ومواجهة مرشحي التياري الإسلامي، لا يبدو أن تلك القوى غيَّرت كثيراً من استراتيجيتها أو بدلت من آلياتها أو استفادت من أخطائها. إذ بررت خسارتها في المرحلة الأولى بارتكاب المرشحين الإسلاميين تجاوزات أو توزيعهم رشاوى انتخابية أو استخدامهم المساجد في الدعاية لأنفسهم أو اللعب على وتر الدين لخداع المنافسين. وكلها أمور مارسها بعض مرشحي القوى المدنية من دون أن يدركوا أن الناس يدركون. وحتى حين ظهرت بوادر مواجهة بين «الإخوان» والعسكر في شأن صلاحيات البرلمان المقبل وبنود الدستور والهيئة التأسيسية التي ستضع مواده لم تتبنَ القوى المدنية موقفاً يتوافق مع مبادئها أو أفكارها وأهدافها، خشية أن يفسر الأمر على أنه تقارب بينهم وبين المجلس العسكري! وإنما اختارت أن تصبَّ مزيداً من الزيت على نار الخلاف، فظهرت بلا حيلة أو موقف، ونالت هزيمة أخرى حين هدأت الأمور بين الإخوان والعسكر. نعم قد تصلح الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي أو اصطياد الأخطاء أو حتى الادعاءات كأسلحة معاونة تستخدمها القوى المدنية لمواجهة زحف الإسلاميين نحو الحكم، لكن الخطأ الأكبر أنها اكتفت بها واعتقدت أن فيها أسباب الفوز بأصوات الناس، فبدت وكأنها اعتمدت على «المولوتوف» لتواجه به منافساً يملك أسلحة دمار شامل. سيظل الشارع هو الفيصل، وستبقى صناديق الاقتراع حكماً بين القوى المتنافسة على الحكم، والطريق إلى لجان الاقتراع لا تمهِّده الأسلحة الفاسدة.