قرّر المغني المصري عمرو دياب أن يصدر أحدث ألبوماته «بناديك تعالَ» في ظل توتر أمني لافت في بلاده، وفي ظروف انعكست سلباً على عدد كبير من الأعمال السينمائية والموسيقية والفنية. لكنه تحدى هذا الواقع إيماناً منه بحاجة جمهوره إلى جرعة أمل وتفاؤل، فتهافت معجبوه على شراء العمل محققاً بذلك صحوة في سوق الكاسيت في مصر. بيد أن أرقام المبيعات التي فاقت 300 ألف نسخة، خيّبت آمال المراقبين خصوصاً أن غالبية أعماله السابقة حقّقت إيرادات قياسية وإقبالاً لافتاً في مصر والعالم العربي. يلاحظ المستمع، أن أغاني «بناديك تعالَ» لم ترتقِ إلى مستوى عشرات الأغاني التي قدّمها دياب سابقاً، لحناً وكلاماً، وكأنها «حُرِّرت على عجل». والمستغرب أن الحملة الدعائية المرافقة للعمل، افتقرت إلى كل مقومات النجاح، بدءاً من التفكير وصولاً إلى إخراج الأفكار وتطبيقها، خصوصاً أن المتابع لأعمال دياب يدرك كم كان خلاقاً ومهتماً في حملاته السابقة. كما أن «اللوك» الذي كان يشغل بال كثيرين قبل إصدار أي عمل، أتى تقليدياً ومن دون أي تجديد، إذ عوَّد الفنان المصري جمهوره سابقاً على التجديد، كأن يظهر مثلاً عاري الصدر أو حليق الرأس، ما يسوق عدداً كبيراً من الفنانين الى تقليده. والمفارقة أن الفنان الملقّب ب «الهضبة» لحّن كل أغنيات العمل، مقفلاً بذلك الباب أمام جمل موسيقية جديدة، ومشرعاً إياه على التكرار والرتابة. ومن أبرز مقومات نجاح دياب، تعامله مع مجموعة موهوبة وخلاقة من الموسيقيين كعمرو مصطفى الذي لحّن له أبرز أعماله وأنجحها. لماذا لم يطلب دياب المساعدة من أحد في عمله الجديد؟ سؤال تبقى الإجابة عنه خفية. نجح دياب (مواليد 1961) خلال مسيرته الفنية في تقديم أعمال لاقت نجاحاً باهراً، لما تحمله من قصص واقعية وموضوعات لم يتطرّق إليها أحد من قبله، واقترب في ذلك من الجيل الجديد في أغنيات «وهي عاملة ايه» و «الملاك البريء» و «أنا عايش» و «أغيب أغيب». إبتعد عن المعنى التقليدي للأغنية العاطفية، وقدّمها في شكل عصري وعلى طريقة رواية لها بداية وصلب موضوع وخاتمة. بيد أن هذه الإيجابية التي ميّزت صاحب «أكثر واحد بيحبك»، غابت في عمله الجديد، وأتت الكلمات جميلة ورومانسية، إنما عادية وبلا لمعة. وحتى الآن لم يُقرَّر بعد، تصوير أغاني على طريقة الفيديو كليب، علماً أن دياب حرص دوماً على تصوير أغنيتين من كل ألبوم، بأعلى جودة ومستوى، مستعيناً بأهم المخرجين العالميين وفي مواقع تصوير ساحرة. واعتمد الفنان المصري النسق الموسيقي ذاته في ألبومه السابق «وياه» (2009)، ولم يدخل إضافات جديدة كالتي عوّدنا عليها، خصوصاً أنه من أوائل الفنانين العرب الذين انفتحوا على أنماط موسيقية عالمية، كإدخاله آلة الساكسوفون في ألبوم حبيبي (1991)، والغيتار والايقاعات الاسبانية في ألبوم «ويلوموني» (1994)، وتلاه ألبوم «نور العين» (1996)، ومن ثم إيقاعات «التكنو» مع نفحة شرقية مطلع القرن الحادي والعشرين. واللافت أن الألبوم لم يحقق نسبة التحميلات التي كانت تحققها الأعمال السابقة على شبكة الإنترنت، وهو أمر يثير الكثير من علامات الإستفهام. والواقع أن تساؤلات عدّة عن ظروف العمل يجب أن تُثار، فثمة من يقول إن دياب لم يعط العمل إهتماماً كبيراً لأن العقد بينه وبين شركة «روتانا» ينتهي آخر الشهر الجاري، فيما يرى بعض المتابعين أن التنافس بات شديداً بين دياب والجيل الجديد من الفنانين. ولكن إذا أردنا أن ننصف العمل، ثمة أغان ك «بناديك تعالَ» (المميزة بتوزيعها الموسيقي) و «هيّ»، تضاهي بمستواها الأعمال السابقة، ولكن العمل عموماً، لا يمكن تصنيفه الا في خانة الوسط، اذا أردنا مقارنته بالأعمال السابقة. ولكنه قد يأخذ درجة ممتاز اذا ما قورن ربما، بأعمال فنية فارغة من المضمون يقدّمها فنانون جدد على عدد كبير من الشاشات الفنية العربية. من الصعب الحكم على مستوى دياب الفني من خلال عمل واحد، وتناسي ما قدّمه من تجديد وتجريب في الموسيقى الشبابية، خصوصاً أن العديد من أغانية ترجمت إلى لغات أجنبية ولاقت نجاحاً كبيراً في مدن أوروبية وأميركية. وعلى رغم التنافس الحاد بين دياب ونجوم جدد، فهو يبقى نجماً له تاريخه وماضيه. والمفارقة أن عدداً كبيراً من الموسيقيين والموزعين والشعراء، يرفضون أن يقدموا أعمالاً لغير دياب لعلمهم المسبق بضيق الانتشار وصعوبة النجاح مع غيره. والمستغرب أن دياب لم يضم إلى العمل أغنيته الوطنية «مصر قالت» التي قدّمها بعد سقوط نظام حسني مبارك. ومعروف عن صاحب «علّم قلبي» أنه من الفنانين القلائل الذين تعاملوا مع الثورة المصرية بذكاء. فهو كان على علاقته المقرّبة من علاء وجمال مبارك، نجلَي الرئيس الخلوع. وبالتالي لم يكن في إمكانه الانقلاب على هذه الصداقة، ولا الانحياز إلى الثوار. هكذا فضّل التزام الصمت ليوفِّر على نفسه عناء التعرّض لأي هجوم ممكن، كما أنه امتنع عن الإدلاء بتصريحات صحافية أو إلكترونية قد تجعله في قائمة «فناني القائمة السوداء»، كما حصل مع تامر حسني وغادة عبد الرازق وغيرهما. قلّة الاقبال على «بناديك تعالَ» قد تكون مفيدة لصاحب «قمرين»، خصوصاً أنه سيعيد حساباته، إذ سيكون أكثر ذكاء في التعامل مع الألبوم المقبل، بعدما لمس من جمهوره، قبل النقاد، أن العمل الأخير لم يحقق مبتغاه، ما سيدفعه، بلا شك، الى العمل بانفتاح أكبر وتجدد أوسع للعودة الى نمطه الفني.