في الاسواق العربية القدمة تجهدهم يشكلون سمة من سماتها الممميزة في اسواق حي الحسين المزدحمة بكل العصور الطريقة والعجيبة في القاهرة، وفي سوق الحميدية في دمشق، وفي سوق باب مراكش في الدار البيضاء، وفي سوق العلوي في جدة وفي اسواق اخرى كثيرة مع المدن العربية تجدهم. يمتلئ انفك برائحة توابلهم النفاذة التي لا يمكن تجاهلها. وفي اسواق كثيرة من العالم العربي يعتبر العطارون القاسم المشترك بينها، حيث تختلط رائحة الحناء بالزعتر، والكمون بالكزبرة، واللبان بالحبة السوداء، لتشكل مزيجاً يصعب ان تتجاوزه دون ان يعيدك شئت ام ابيت الى الماضي بحلوه ومره. في سوق العلوي احد اشهر اسواق جدة القديمة تجد العطارين الذين اصبحوا مع مرور الأيام السمة الغالبة على هذا السوق، بل الصورة الوحيدة الباقية من الماضي فيه، حتى ان البعض اصبح يسميه الآن سوق العطارين. في هذه السوق الذي تملأ انفك بمجرد دخوله رائحة التوابل ولااعشاب يوجد عشرات العطارين، بعضهم له في السوق اكثر من ستين عاماً. وقد ورث هذه المهنة أباً عن جد، كالشلبي وياقيص والمليياري وغيرهم... ممن تملأ دكاكينهم الشارع الصغير الذي يتكون منه السوق... وفي كل دكان تجد عشرات الانواع من التوابل والاعشاب الطبية بأشكالها وألوانها المختلفة. اشكال ألفت بعضها او شاهدته من قبل، والبعض الآخر لا يمكن ان تصدق انه اعشاب مفيدة للانسان، او يمكن ان يتعاطاها مناجل البحث عن الشفاء من امراضه. عالم العطارين عالم عجيب لا يمكن ان تتوصل الى فك رموزه وألغازه بسهولة، لأن القائمين عليه، رغم بساطتهم التي يظهرونها عندما تقابلهم يخفون ذكاءً فطرياً يستطيعون من خلاله ان "يذهبوا بك الى البحر ويعودوا بك عطشان". هكذا احسست عندما بدأ العطار الشلبي، اشهر العطارين في سوق العلوي، يتحدث معي عن اسرار هذه الاعشاب قائلاً: اسم لكل نوع من هذه الاعشاب التي تراها والتي تزيد عن خمسة آلاف صنف، وهذا الاسم قد يختلف من مكان الى آخر. ولكل نوع من هذه الاعشاب فوائد صحية للجسم لا يعرفها الا الراسخون في العلم، ويقصد بذلك اصحاب الخبرة من العطارين. ويعود الشلبي بالحديث عن الماضي قائلاً: قبل خمسين عاماً او اكثر لم يكن للمستشفيات والاطباء وجود "وكان الناس يعتمدون على هذه الاعشاب في العلاج من اوجاعهم وأمراضهم، وكانت صحتهم جيدة وبكامل عافيتهم. وعندما وجدت المستشفيات وزاد عدد الاطباء ازدادت امراض الناس وعللهم، هل تدري لماذا؟ لأن الاطباء والادوية الكيماوية التي يصفونها لا تنفع الجسم بقدر ما تضره. فاذا وصف لك طبيب دواء لناحية معينة في جسمك فكن على يقين ان هذا الدواء سيتلف لك اجزاء اخرى سليمة. ومما يؤكد ذلك ان الكثير من الادوية التي اوصى الاطباء باستعمالها عادوا مرة اخرى وطالبوا بايقافها، بعدما اكتشفوا انها مضرة بالجسم، بينما ادوية الاعشاب التي اعتمد عليها الآباء والاجداد منذ عهود طويلة لا تضر اذا لم تنفع. جمعية العلاج بالأعشاب لو صادف ان ذهبت الى دكاكين العطارين فستكتشف ان عدداً كبيراً من الناس على مختلف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية يأتون اليها بحثاً عن العلاج في هذه الاعشاب. وقد اكد لي هؤلاء، وبعضهم يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة او الاقتصاد او غيرها ان التجربة اثبتت ان العلاج بالاعشاب اكثر فائدة وأقل ضرراً من استعمال الادوية والعقاقير الطبية المركبة كيماوياً. وفي الكثير من البلاد العربية تلتقي بعدد كبير من الناس فيؤكدون لك ان العلاج بهذه العشبة او تلك مفيد للمعدة او الكلى او الصداع، وقد جربوه وتأكدوا من فائدته مما قد يجعلك تسارع اذا احسست بقرض ما ابى تلك الاعشاب لتصبح عضواً جديداً في "جمعية العلاج بالاعشاب". العطار احمد العورضي الذي امضى خمسين سنة في العطارة اكد لي ان التاريخ يعيد نفسه، وان الاقبال على العلاج والتداوي بواسطة الاعشاب والعطارة قد زاد هذه الايام بشكل لم يكن احد يتوقعه. وعلل هذه الزيادة والاقبال على العطارين بأن الناس تعبوا من ادوية الاطباء، ووجدوا انها لا تفيدهم، فعادوا الينا يبحثون عن الشفاء من خلال اعشابنا. الكثير من العشابين، اي تجار الاعشاب الطبية. وجدوا في عودة الناس الى الاعشاب فرصة لهم للثراء، فبدأوا يحضرون بعض الادوية عن طريق خلط الاعشاب مع بعضها، والادعاء بأنها مفيدة للجسم. فهناك ادوية للسكري، والعقم، والصداع، والحساسية، والجهاق والروماتيزم، وغير ذلك من الامراض. وكل عطار جعل من نفسه طبيباً يضاهي في فهمه وعلمه ابن سيناء والرازي. يتحدث العطار عبدالفتاح المليباري خبير الاعشاب في سوق العطارين، فيقول: ان دخول الكثير من الدجالين الى مهنة الطب بالاعشاب يضر الناس، وقد يسبب لهم مضاعفات خطيرة على اجسامهم لا يدركون ضررها الا بعد فوات الأوان، ويجب على الجميع ان يعوا ذلك جيداً، وان يحاربوا هؤلاء الدجالين الذين يجاولون استغلال متاعب الناس، والرجل عليهم. وهذا امر شائع في كل انحاء العالم، وبالذات العالم الثالث. ولعل اكبر دليل على ذلك معاصر زيت حبة البركة والتي ملأت كل مكان فجأة، وأصبحت الاعلانات عنها تملأ الصحف والشوارع، وربما ايضاً الاذاعات والتلفزيون في جميع انحاء الوطن العربي، رغم ان الكثير من هذه المعاصر تحرق "الحبة السوداء" قبل عصرها. وهذا يجعل الزيت المستخلص منها بلا فائدة تذكر لأن جميع المواد المفيدة فيها قد افسدها الحرق. رأي الأطباء الاطباء اختلفوا على فوائد وأضرار التداوي بالاعشاب الذي بدأ ينشط في الشارع العربي. فالدكتور ابراهيم علي الاخصائي في الامراض الباطنية اعتبر ان عودة الناس في معظم البلاد العربية الى العلاج بالاعشاب ترجع الى ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات ولدى الاطباء، والى عدم قدرة الكثيرين على تحملها، مما يجعلهم يلجأون الى الاعشاب التي لا بد ان بعضها مفيد وبعضها اذا لم ينفع فلا يضر. والامر الآخر هو ان للكثير من الادوية الكيماوية آثاراً عكسية على جسم الانسان، نتيجة الافراط فيها، ونتيجة جهل بعض الاطباء، ووصفهم أدوية للمرضى لا تتفق مع حالاتهم المرضية. اما الدكتور اشرف زغلول، اخصائي طب الاطفال، فحذر من استعمال الادوية والاعشاب الشعبية وقال: ان لها اضراراً لا تقل عن اضرار الادوية الكيماوية، وأنا لا اتفق مع القائلين بأنها اذا لم تنفع فلا تضر، بل الواقع انها تضر اذا لم يحسن الانسان استعمالها، او اسرف في ذلك. الدكتور ناجي عبدالرزاق اخصائي الجهاز الهضمي تطرق الى اهمية وعي الناس، وقال: ان الكثيرين منا قد يصدقون هذه الوصفات، ويعتقدون انها نافعة لهم، خاصة عندما يؤكد لهم بعض اصدقائهم انهم جربوها، وهذا ما نجده شائعاً في مجتمعاتنا. فاذا جرّب الانسان دواءً معيناً، سواء اكان شعبياً ام كيماوياً وشُفي فانه بدافع عاطفي لا يتردد في وصفه للآخرين وحثهم على تجريبه. وفي هذا اخطار كثيرة قد لا يعلمها الانسان الا بعد فوات الأوان. وما يشيعه البعض هن فوائد الادوية الشعبية في علاج بعض الامراض الخطيرة كالفشل الكلوي او السرطان او الروماتيزم وغيرها هو نوع من التخريف الساذج. محمد اللحام صاحب معصرة لزيت حبة البركة دافع عن فوائدها دفاعاً لا هوادة فيه، وطالب الصيادلة والاطباء بأن يخضعوا هذه الاعشاب للبحث والاختبار لمعرفة ما فيها من اسرار، لأن ذلك افضل من اتهام اصحابها بالدجل والتخريف. وقال: كم اتمنى ان يظهر دواء يحمل اسم مخترع عربي، لأن ذلك اجدى وأنفع من ان نظل ظوال حياتنا معتمدين على الغرب، وعلى ما يصدره لنا من ادوية وتركيبات لا تنفعنا بقدر ما تضرنا! عودة النشاط الى العطارين في الشارع العربي يطرح الكثير من التساؤلات، فلو كان علاج الفشل الكلوي او العقم او السكر بهذه البساطة التي لا تحتاج الى اكثر من كيس صغير يدسه العطار لكل مريض يأتي اليه لما كان هناك سبب او حاجة لانشاء الجامعات وكليات الطب والصيدلة، ولاكتفينا بفتح مدارس للعشابين لمعرفة سرهم في العلاج بالاعشاب. الدكتور احمد نصر اخصائي الامراض النفسية يعلل ذلك بقوله: ان الانسان يحتاج احياناً الى الهروب من واقعه واللجوء الى اشياء، ربما يشعر من خلالها بالراحة التي تحقق عنه معاناته. وفي الواقع بدأ المريض في الوقت الحاضر يحس بنوع من اليأس من الادوية الكيماوية التي يشعر انها وراء الكثير من متاعبه الصحية. ولكن هذا في نظري ليس المبرر الوحيد للعودة الى العطارين والبحث عن العلاج لديهم، ولكن ربما يعكس هذا بصورة اصدق حالة الشارع العربي الذي يعاني في هذا الوقت الكثير من الاحباطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما اصاب الكثير من القناعات لديه بما يشبه التشويش، فبدأ يبحث عما يحقق هذه الاحباطات والتراكمات في زمننا المر في العودة الى ماضينا المبهر في شتى صوره، وكان اقرب هذه الصورة اليه العودة الى التداوي بالاعشاب. قد يكون الامر للوهلة الأولى ربطاً غير منطقي، ولكن الواقع ان الربط بين الحالتين وثيق وكبير، وخاصة اذا حاولنا ان نلامس الحالة النفسية للانسان العربي، ونعرف مدى ما يعانيه من احباط. الصور 1 - توابل وأعشاب. 2 - بالجملة. 3 - ادوية مركبة. 4 - اعشاب وخلاصات من كل نوع. محلاتهم عيادات طبية عربية والمعالجون في ازدياد عودة الحياة الى طب العطارين جدة - سالم المريشيد في الاسواق العربية القديمة تجدهم يشكلون سمة من سماتها المميزة في اسواق حي الحسين المزدحمة بكل الصور الطريفة والعجيبة في القاهرة، وفي سوق الحميدية في دمشق، وفي سوق باب مراكش في الدار البيضاء، وفي سوق العلوي في جدة وفي اسواق اخرى كثيرة في المدن العربية تجدهم. يمتلئ انفك برائحة توابلهم النفاذة التي لا يمكن تجاهلها. وفي اسواق كثيرة من العالم العربي يعتبر العطارون القاسم المشترك بينها، حيث تختلط رائحة الحناء بالزعتر، والكمون بالكزبرة، واللبان بالحبة السوداء، لتشكل مزيجاً يصعب ان تتجاوزه دون ان يعيدك شئت ام ابيت الى الماضي بحلوه ومره. في سوق العلوي احد اشهر اسواق جدة القديمة تجد العطارين الذين اصبحوا مع مرور الأيام السمة الغالبة على هذا السوق، بل الصورة الوحيدة الباقية من الماضي فيه، حتى ان البعض اصبح يسميه الآن سوق العطارين. في هذا السوق الذي تملأ انفك بمجرد دخوله رائحة التوابل والاعشاب يوجد عشرات العطارين، بعضهم له في السوق اكثر من ستين عاماً. وقد ورث هذه المهنة أباً عن جد، كالشلبي وياقيص والمليباري وغيرهم... ممن تملأ دكاكينهم الشارع الصغير الذي يتكون منه السوق... وفي كل دكان تجد عشرات الانواع من التوابل والاعشاب الطبية بأشكالها وألوانها المختلفة. اشكال ألفت بعضها او شاهدته من قبل، والبعض الآخر لا يمكن ان تصدق انه اعشاب مفيدة للانسان، او يمكن ان يتعاطاها من اجل البحث عن الشفاء من امراضه. عالم العطارين عالم عجيب لا يمكن ان تتوصل الى فك رموزه وألغازه بسهولة، لأن القائمين عليه، رغم بساطتهم التي يظهرونها عندما تقابلهم يخفون ذكاءً فطرياً يستطيعون من خلاله ان "يذهبوا بك الى البحر ويعودوا بك عطشان". هكذا احسست عندما بدأ العطار الشلبي، اشهر العطارين في سوق العلوي، يتحدث معي عن اسرار هذه الاعشاب قائلاً: "هناك اسم لكل نوع من هذه الاعشاب التي تراها والتي تزيد عن خمسة آلاف صنف، وهذا الاسم قد يختلف من مكان الى آخر. ولكل نوع من هذه الاعشاب فوائد صحية للجسم لا يعرفها الا الراسخون في العلم"، ويقصد بذلك اصحاب الخبرة من العطارين. ويعود الشلبي بالحديث عن الماضي قائلاً: "قبل خمسين عاماً او اكثر لم يكن للمستشفيات والاطباء وجود وكان الناس يعتمدون على هذه الاعشاب في العلاج من اوجاعهم وأمراضهم، وكانت صحتهم جيدة وبكامل عافيتهم. وعندما وجدت المستشفيات وزاد عدد الاطباء ازدادت امراض الناس وعللهم، هل تدري لماذا؟ لأن الاطباء والادوية الكيماوية التي يصفونها لا تنفع الجسم بقدر ما تضره. فاذا وصف لك طبيب دواء لناحية معينة في جسمك فكن على يقين ان هذا الدواء سيتلف لك اجزاء اخرى سليمة. ومما يؤكد ذلك ان الكثير من الادوية التي اوصى الاطباء باستعمالها عادوا مرة اخرى وطالبوا بايقافها، بعدما اكتشفوا انها مضرة بالجسم، بينما ادوية الاعشاب التي اعتمد عليها الآباء والاجداد منذ عهود طويلة لا تضر اذا لم تنفع". جمعية العلاج بالأعشاب لو صادف ان ذهبت الى دكاكين العطارين فستكتشف ان عدداً كبيراً من الناس على مختلف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية يأتون اليها بحثاً عن العلاج في هذه الاعشاب. وقد اكد لي هؤلاء، وبعضهم يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة او الاقتصاد او غيرها ان التجربة اثبتت ان العلاج بالاعشاب اكثر فائدة وأقل ضرراً من استعمال الادوية والعقاقير الطبية المركبة كيماوياً. وفي الكثير من البلاد العربية تلتقي بعدد كبير من الناس فيؤكدون لك ان العلاج بهذه العشبة او تلك مفيد للمعدة او الكلى او الصداع، وقد جربوه وتأكدوا من فائدته مما قد يجعلك تسارع اذا احسست بعَرَض ما الى تلك الاعشاب لتصبح عضواً جديداً في "جمعية العلاج بالاعشاب". العطار احمد العورضي الذي امضى خمسين سنة في العطارة اكد لي ان التاريخ يعيد نفسه، وان الاقبال على العلاج والتداوي بواسطة الاعشاب والعطارة قد زاد هذه الايام بشكل لم يكن احد يتوقعه. وعلل هذه الزيادة والاقبال على العطارين بأن "الناس تعبوا من ادوية الاطباء، ووجدوا انها لا تفيدهم، فعادوا الينا يبحثون عن الشفاء من خلال اعشابنا". الكثير من العشابين، اي تجار الاعشاب الطبية، وجدوا في عودة الناس الى الاعشاب فرصة لهم للثراء، فبدأوا يحضرون بعض الادوية عن طريق خلط الاعشاب مع بعضها، والادعاء بأنها مفيدة للجسم. فهناك ادوية للسكري، والعقم، والصداع، والحساسية، والروماتيزم، وغير ذلك من الامراض. وكل عطار جعل من نفسه طبيباً يضاهي في فهمه وعلمه ابن سيناء والرازي. يتحدث العطار عبدالفتاح المليباري خبير الاعشاب في سوق العطارين، فيقول: "ان دخول الكثير من الدجالين الى مهنة الطب بالاعشاب يضر الناس، وقد يسبب لهم مضاعفات خطيرة على اجسامهم لا يدركون ضررها الا بعد فوات الأوان، ويجب على الجميع ان يعوا ذلك جيداً، وان يحاربوا هؤلاء الدجالين الذين يحاولون استغلال متاعب الناس، والدجل عليهم. وهذا امر شائع في كل انحاء العالم، وبالذات العالم الثالث. ولعل اكبر دليل على ذلك معاصر زيت حبة البركة والتي ملأت كل مكان فجأة، وأصبحت الاعلانات عنها تملأ الصحف والشوارع، وربما ايضاً الاذاعات والتلفزيون في جميع انحاء الوطن العربي، رغم ان الكثير من هذه المعاصر تحرق "الحبة السوداء" قبل عصرها. وهذا يجعل الزيت المستخلص منها بلا فائدة تذكر لأن جميع المواد المفيدة فيها قد افسدها الحرق". رأي الأطباء الاطباء اختلفوا على فوائد وأضرار التداوي بالاعشاب الذي بدأ ينشط في الشارع العربي. فالدكتور ابراهيم علي الاخصائي في الامراض الباطنية اعتبر ان عودة الناس في معظم البلاد العربية الى العلاج بالاعشاب ترجع الى ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات ولدى الاطباء، والى عدم قدرة الكثيرين على تحملها، مما يجعلهم يلجأون الى الاعشاب التي لا بد ان بعضها مفيد وبعضها اذا لم ينفع فلا يضر. والامر الآخر هو ان للكثير من الادوية الكيماوية آثاراً عكسية على جسم الانسان، نتيجة الافراط فيها، ونتيجة جهل بعض الاطباء، ووصفهم أدوية للمرضى لا تتفق مع حالاتهم المرضية. اما الدكتور اشرف زغلول، اخصائي طب الاطفال، فحذر من استعمال الادوية والاعشاب الشعبية وقال: "ان لها اضراراً لا تقل عن اضرار الادوية الكيماوية، وأنا لا اتفق مع القائلين بأنها اذا لم تنفع فلا تضر، بل الواقع انها تضر اذا لم يحسن الانسان استعمالها، او اسرف في ذلك". الدكتور ناجي عبدالرزاق اخصائي الجهاز الهضمي تطرق الى اهمية وعي الناس، وقال: "ان الكثيرين منا قد يصدقون هذه الوصفات، ويعتقدون انها نافعة لهم، خاصة عندما يؤكد لهم بعض اصدقائهم انهم جربوها، وهذا ما نجده شائعاً في مجتمعاتنا. فاذا جرّب الانسان دواءً معيناً، سواء اكان شعبياً ام كيماوياً وشُفي فانه بدافع عاطفي لا يتردد في وصفه للآخرين وحثهم على تجريبه. وفي هذا اخطار كثيرة قد لا يعلمها الانسان الا بعد فوات الأوان. وما يشيعه البعض عن فوائد الادوية الشعبية في علاج بعض الامراض الخطيرة كالفشل الكلوي او السرطان او الروماتيزم وغيرها هو نوع من التخريف الساذج". محمد اللحام صاحب معصرة لزيت حبة البركة دافع عن فوائدها دفاعاً لا هوادة فيه، وطالب الصيادلة والاطباء بأن يخضعوا هذه الاعشاب للبحث والاختبار لمعرفة ما فيها من اسرار، لأن ذلك افضل من اتهام اصحابها بالدجل والتخريف. وقال: "كم أتمنى ان يظهر دواء يحمل اسم مخترع عربي، لأن ذلك اجدى وأنفع من ان نظل طوال حياتنا معتمدين على الغرب، وعلى ما يصدره لنا من ادوية وتركيبات لا تنفعنا بقدر ما تضرنا!". عودة النشاط الى العطارين في الشارع العربي يطرح الكثير من التساؤلات، فلو كان علاج الفشل الكلوي او العقم او السكري بهذه البساطة التي لا تحتاج الى اكثر من كيس صغير يدسه العطار لكل مريض يأتي اليه لما كان هناك سبب او حاجة لانشاء الجامعات وكليات الطب والصيدلة، ولاكتفينا بفتح مدارس للعشابين لمعرفة سرهم في العلاج بالاعشاب. الدكتور احمد نصر اخصائي الامراض النفسية يعلل ذلك بقوله: "ان الانسان يحتاج احياناً الى الهروب من واقعه واللجوء الى اشياء، ربما يشعر من خلالها بالراحة التي تخفف عنه معاناته. وفي الواقع بدأ المريض في الوقت الحاضر يحس بنوع من اليأس من الادوية الكيماوية التي يشعر انها وراء الكثير من متاعبه الصحية. ولكن هذا في نظري ليس المبرر الوحيد للعودة الى العطارين والبحث عن العلاج لديهم، ولكن ربما يعكس هذا بصورة اصدق حالة الشارع العربي الذي يعاني في هذا الوقت الكثير من الاحباطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما اصاب الكثير من القناعات لديه بما يشبه التشويش، فبدأ يبحث عما يخفف هذه الاحباطات والتراكمات في زمننا المر في العودة الى ماضينا المبهر في شتى صوره، وكان اقرب هذه الصورة اليه العودة الى التداوي بالاعشاب". قد يكون الامر للوهلة الأولى ربطاً غير منطقي، ولكن الواقع ان الربط بين الحالتين وثيق وكبير، وخاصة اذا حاولنا ان نلامس الحالة النفسية للانسان العربي، ونعرف مدى ما يعانيه من احباط.