أجساد محترقة... يد ملقاة على بقايا شرفة مقصوفة... صرخات لم يصل صوتها، بقت رهينة حناجر تحجرت من هدير الطائرات... ثم تفحمت تلك الأفواه لتطلق أسئلة جارحة أمام أعين الكاميرات! تعلن إسرائيل اليوم بكل همجية ووحشية... تعلن إسرائيل هزيمتها الكبرى الثانية بعد انسحابها عام 2000 من لبنان... وتوقع بيانات هزيمتها على أجساد الأطفال في"قانا"مرة أخرى. تلقي إسرائيل بثقل هزيمتها المر وتهوي به على المواطنين العزل من الأطفال والنساء... تحاول إسرائيل عبثاً أن تسد عار هزيمتها بتلك القنابل الذكية التي تقتلع أظافر الأطفال وعيونهم، ولكنها لن تقتلع من ذاكرة التاريخ أبداً هزيمتها وهمجيتها وجبنها المتجسد في الغارة تلو الأخرى، والتي تنتهك بها إسرائيل أي إنسانية وأي شرعية وأي قوانين دولية. اليوم تشن إسرائيل حربها على لبنان وعلى شعب لبنان بتكتيك أميركي علني واضح وفاضح. تمر"كوندوليزا رايس"على أجساد وأشلاء أطفال لبنان وتتجه بسياستها"الصاروخية"إلى تل أبيب لتغسل بكفيها دماء الأطفال اللبنانيين من على أفواه وشفاه الوحوش الإسرائيليين ولتبصم آثار تلك الدماء البريئة أمام عدسات الكاميرات بمزيد من معارضة وقف اطلاق النار في لبنان. لا أعلم كيف لا تتحد كلمة عربية واحدة... لا أعلم كيف لا تتحد كلمة عالمية وإنسانية واحدة لتوقف إطلاق النار بشكل فوري وعاجل، فهذا المطلب هو ضرورة الآن بعد أن سقطت ورقة التوت"خطف الجنديين الإسرائيليين"والتي كانت إسرائيل تتخذها ذريعة للاستمرار في المجازر والدمار على لبنان. اليوم وعلى مدى 22 يوماً أثبتت إسرائيل والولاياتالمتحدة الأميركية بأن مشروعها الشرق الأوسطي الجديد والذي تتوسطه نجمة داود بينما تحده من جميع الجهات الصواريخ الأميركية والدبابات الإسرائيلية، هذا المشروع التحالفي الصهيوني الأميركي، التي تحاول إسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة الأميركية بناءه على أجساد أطفال لبنان، وعلى حساب تدمير لبنان شعباً وأرضاً لن يمر، فالتاريخ يكتب مرة واحدة لا مرتين، والعدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 لن يتكرر إلا في حال أن سمحت الأنظمة العربية لنفسها بأن تقف موقف المتفرج لتبيع"عرض"الوطن وطوله!! الوضع اللبناني اليوم في حاجة إلى وقفة الحكومات العربية التي من واجبها حقن الدماء بوضع حد ولو لمرة واحدة للعنجهية والعجرفة الصهيونية الأميركية حتى لو كان هذا في مقابل أن تقدم الحكومات العربية بعض التنازلات والمصالح الذاتية. فالوضع اللبناني اليوم يحتاج إلى دعم عربي سياسي يتعدى مواقف الحداد والحياد، موقف واضح وصريح لمقاطعة السياسة الصهيونية والأميركية اقتصادياً دبلوماسياً وسياسياً. فالوضع اللبناني اليوم والإرادة العربية الشعبية اليوم تريد موقفاً أبياً لتشكيل ضغط دولي يدين 22 يوماً من جرائم الحرب الإسرائيلية على لبنان وشعبه ويجابه موقف"الفيتو"الأميركي المعتاد. فماذا لو ألغيت كل الصفقات بين الدول العربية وأميركا الآن؟! ماذا لو أوقفت تلك الصادرات السوداء الآن؟! ماذا سيكون موقف أميركا؟! هل فكر الحكام العرب إذا لم تقف الحكومات العربية اليوم موقفاً صارماً فلن"تقف"بعد اليوم، وسيكون دورها في طابور الإعدام الطويل قريباً، وإن بدا ليس بقريب للبعض. فاللوبي اليهودي يشكل ضغطاً عالمياً قوياً ويستطيع الشارع العربي أن يشكل صوتاً قوياً أيضاً. فاليوم هناك صوت شعبي عربي قوي... هناك موقف الشارع الجريء، فلتقف الحكومات مع الشعوب اليوم لوقف هذا العدوان الغاشم ولدعم موقف الحكومة اللبنانية الحر ولدعم المقاومة الباسلة. فهذه المواقف الشريفة جنباً إلى جنب مع المقاومة هي من رفع رايات الحرية على مدى التاريخ في كوبا... في الجزائر... في فيتنام... وفي الولاياتالمتحدة الأميركية نفسها على مستوى العنصرية العرقية وإلا لما وجدت"كوندوليزا رايس"نفسها اليوم وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة الأميركية. هل سنترك إسرائيل وأميركا اليوم في عام 2006 كما في صبرا وشاتيلا 1982، وكما في قانا 1996 تطرق نخب كؤوس من دماء الأبرياء في اجتماعات صامتة تنقلها بالصورة عدسات الكاميرات، بينما تتضح لنا من تلك الابتسامات المقهقهة خارطة مبيتة من المجازر الجديدة على شعب لبنان. أطالب بأعلى صوتي أصوات كل الشرفاء التي يصلني صداها أن تتحرك جامعة الدول العربية، وأن يتحرك المجتمع الدولي حكومات مؤسسات، منظمات وشعوب، لوقف هذا العدوان"الإرهابي"من إسرائيل وبمباركة أميركا. أطالب بمحاسبة فورية وعاجلة لمجرمي الحرب على لبنان، وبمطالبة كل من يقف ضد وقف إطلاق النار بتعويض للخسائر الفادحة التي كبدها العدو الإسرائيلي للبنان من دمار همجي ولو أن هذا التعويض المادي للخسائر لن يعيد أرواح الشهداء ولن يمحو من ذاكرة من عاش ملامح الفزع المحفورة في قسمات وجوههم. اليوم وبعد مجزرة قانا يعلن"أولمرت"بكل وحشية بأن العدوان والقصف الإسرائيلي على لبنان مستمر، بينما تعلن"كوندوليزا رايس"بأن المحادثات حول وقف إطلاق النار ستبدأ بعد أسبوع من المزيد من المجازر والمقابر الجماعية!! هذه المرحلة هي مرحلة جديدة من الصراع لا تتطلب إدانة خجلة من الأممالمتحدة لقتل موظفي الأممالمتحدة ولتلك المجازر العلنية من إسرائيل، وإنما تتطلب دعماً قوياً معلناً وصريحاً للمقاومة من قبلنا، كما تدعم أميركا إسرائيل بقولها:"انه لم يحن الوقت بعد لوقف إطلاق النار"لأن إسرائيل لم تقتل بعد"كل"أطفال لبنان، ولأن إسرائيل باستخدامها سياسة الأرض المحروقة لم تدمر بعد"جل"أرض لبنان، ولأننا على ما يبدو بدأنا نستأنس منظر الهلع والرعب في عيون اقتلعت في جوف الليل وفرت إلى جنان الأحلام. [email protected]