فور شيوع خبر المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة قانا، عقد اجتماع في السرايا الكبيرة بين رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري استمر نحو نصف ساعة، عقدا بعده مؤتمراً صحافياً مشتركاً، أطلق خلاله السنيورة موقفاً أعلن فيه"أن أي حديث عن غير وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط هو حديث غير مقبول". وقال:"احتراماً لأرواح الشهداء وإجلالاً لأشلاء أطفال قانا وعيونهم البريئة المدفونة تحت الأنقاض نطلق صرخة مدوية إلى جميع اللبنانيين والعرب ونناشد الضمير الإنساني في كل أنحاء العالم، للوقوف معنا وقفة واحدة في وجه مجرمي الحرب الإسرائيليين. إن استمرار إسرائيل في إجرامها لن يكسر صمودنا ولن يجعلنا نتخلى عن حقوقنا أو يدفعنا إلى الاستسلام، وبات منذ هذا الصباح أي حديث غير حديث وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط وإجراء التحقيق الدولي في المجازر الإسرائيلية المتكررة غير مقبول وليس له مكان". من جهته، أعلن الرئيس بري:"إننا خلف الحكومة بقيادة الرئيس السنيورة في هذا الموقف الجلل"، معتبراً ان"إسرائيل لم ترتو من دم قانا في العام 1996". ثم سئل السنيورة: ماذا يعني الكلام ان ليس هناك أي بحث قبل وقف إطلاق النار؟ فأجاب:"نحن نريد وقفاً فورياً وغير مشروط لإطلاق النار. هذا هو موقفنا في ضوء هذه المجازر المتكررة. وكما قال الرئيس بري: ما حصل في قانا ليس عملاً نتيجة خطأ، بل هو يتكرر للمرة الثانية وبعد إطلاق نار كثيف، واستهداف هذه القرية البريئة غير مقبول، وغير مقبول أن نستمر في أي عمل غير أن يتم وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط، وأي حديث آخر ليس له مكان". الى ذلك، اتصل السنيورة بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، وطالبه بوقف فوري لإطلاق النار، وبدعوة مجلس الأمن للانعقاد في شكل طارئ. وأبدى أنان تأثره وحزنه الشديد واستنكاره للمجزرة التي وقعت في قانا. كما اتصل السنيورة بوزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، وطالبه بالعمل الفوري لوقف إطلاق النار، وبوزير خارجية فنلندا الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي، طالباً منه بذل جهوده للوصول إلى وقف للنار. من جهة أخرى، تلقى السنيورة اتصالاً من الملك الأردني عبد الله الثاني أبدى فيه"استنكاره وشجبه وإدانته للمجزرة الإسرائيلية"، وأعرب عن"تضامنه مع لبنان حكومة وشعباً". كما تلقى اتصالاً من مفوض شؤون الأمن والخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا ابلغه فيه"استنكاره الشديد للمجزرة الإسرائيلية، وتضامنه مع الشعب اللبناني، وأنه سيبذل جهوداً مع الاتحاد الأوروبي لوقف فوري لإطلاق النار". كما تلقى السنيورة اتصالاً من رئيسي الحكومة السورية محمد ناجي عطري والأردني معروف البخيت ، أبلغاه فيه تضامن بلديهما قيادة وشعباً مع لبنان وشعبه واستنكارهما للمجزرة. واتصل السنيورة برئيس مجلس الوزراء الباكستاني شوكت عزيز، وطلب منه"تكثيف جهوده للوصول إلى وقف لإطلاق النار". وأبلغ عزيز السنيورة أنه سيجري اتصالات مع نظرائه في كل من تركيا وماليزيا لتوحيد الموقف إزاء هذا الموضوع. السلك الديبلوماسي والتقى السنيورة عصراً أعضاء السلك الديبلوماسي الأجنبي والعربي في غياب السفير الأميركي جيفري فيلتمان. وعقد مؤتمراً صحافياً في حضورهم استهله بالقول: استناداً الى دعم وتضامن كل الشعب اللبناني، ما تركنا حجراً ولا سبيلاً إلا قلبناه أو سلكناه، في عزمنا الحثيث على الوصول الى وقف سريعٍ وشاملٍ للنار، وانهاءٍ للتخريب والمذابح التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي منذ ثمانية عشر يوماً على أرض لبنان. ان الاسرائيليين مصممون وبأساليب منهجية على تدمير وطننا. ونحن على ثقةٍ أن خطة النقاط السبع التي اقترحناها على مؤتمر روما، تحظى وستحظى بدعم وتأييد كل الشعوب والدول المُحبة للسلام. في اتجاه معاكسٍ لكل المساعي البناءة، كانت اجابة اسرائيل ارتكاب مذبحةٍ أخرى ضد النساء والأطفال الأبرياء في بلدة قانا، التي سبق أن عانت من مأساةٍ انسانيةٍ مشابهة قبل عشر سنوات. يومها قامت اسرائيل بدمٍ بارد بقتل ما يزيد على المئة من المدنيين الذين كانوا قد لجأوا هرباً من القصف الى معسكر الأممالمتحدة هناك. وقد سموا عمليتها وقتها:"عناقيد الغضب". أي مبدأ من مبادئ الحرب يريدون الآن الاختباء وراءه؟ ولماذا اختاروا، ويا للعجب، هذه المرة أيضاً قانا ثانية؟ قد يكون علينا هذه المرة أن نسميها"عناقيد الكراهية"! اننا نؤكد في هذا الظرف بالذات، أنه لا مجال لأي كلامٍ أو نقاشٍ باستثناء العمل العاجل والمباشر لوقف اطلاق النار غير المشروط، وانسحاب الجيش الاسرائيلي الى ما وراء الخط الأزرق، والعمل من دون ابطاء أيضاً على انشاء لجنة دولية للتحقيق في المذابح الاسرائيلية المستمرة في لبنان. انهم ينتهكون القوانين الدولية، والمواثيق والأعراف الانسانية التي تجعل من الحياة ممكنةً في هذا العالم. وأضاف السنيورة:"لسنا على استعداد، ولا ينبغي أن يتوقع منا أحد أن نناقش أي أمر آخر في الوقت الذي يطل فيه السيف الاجرامي لآلة الحرب الاسرائيلية مشهوراً، تقطر منه دماء الأبرياء من النساء والأطفال. انني أطلب منكم أيضاً، ولهذا السبب دعوتكم الى هنا اليوم، أن تحثوا حكوماتكم، وبخاصة تلك التي تتمتع بعضوية مجلس الأمن، على دعم طلبنا لعقد جلسة عاجلة لهذه المؤسسة الدولية، تلبية لإرادتنا وندائنا بوقف فوري غير مشروط للنار". وتطرق الى موضوع اقتحام مبنى الأممالمتحدة بقوله: أريد أن أؤكد لكم، انه في الوقت الذي نتفهم الغضب الذي أوفد المشاعر في التظاهرات التلقائية اليوم أمام مقر الأممالمتحدة بقلب بيروت، كما استطاع بعضكم من مشاهدتها عبر شاشات التلفزة، نحن نشجب الهجمات التي نفذها البعض ضد مبنى الأممالمتحدة، ونطلب من المتظاهرين التعبير عن احتجاجهم بطريقة سليمة. ان بيت الأممالمتحدة بيت لكل اللبنانيين". وختم السنيورة:"انني على يقين أنكم جميعاً، وفي دواخلكم وأعمق أعماق قلوبكم، تحسون ان اسرائيل ترتكب جرائم حرب وأخرى ضد الانسانية، وفي اتساع هائل، لا تستطيع الضمائر البشرية أن تتحمله. ولذلك نناشدكم ابلاغ حكوماتكم ومنظماتكم الحقيقة، التي لا مداراة فيها، ولا مجاملة. ان عليكم بالنظر الى كل ما جرى ويجري استحثاث كل الأطراف على التحرك بسرعة لتأمين تحقيق وقف فوري لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الاسرائيلي الى ما وراء الخط الأزرق، من خلال دعم طلب لبنان في عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن". ورداً على سؤال عن تبرير وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لعدم مجيئها الى لبنان، وعن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت عن حاجته الى 14 يوماً لإنهاء العمليات، أوضح السنيورة:"تحدثت الى وزيرة الخارجية رايس هذا الصباح وأبلغتها ان الوضع لا يُحتمل ولا نستطيع أن نستمر في التفاوض وفي الكلام، فيما تستمر اسرائيل في قصف لبنان. لهذا السبب قلنا أنه حان الوقت، ومنذ زمن أيضاً، للتوصل الى وقف فوري لإطلاق النار والانسحاب الى وراء الخط الأزرق، وبدءاً من هنا، يمكن البدء في التحدث عن البنود الأخرى، ونحن ما زلنا ملتزمين بالنقاط السبع التي التزمتها الحكومة اللبنانية في جلستها الأخيرة". ورداً على كلام أولمرت سأل السنيورة:"ما هي الوظيفة التي يريد الاسرائيليون الانتهاء منها، هل يريدون القضاء على اللبنانيين، هل يريدون تدمير لبنان، هذا هو السلام الذي يتكلمون عنه، قتل الأطفال، عمر أحد الأطفال الذين قُتلوا يوم واحد، هذه هي المهمة التي تريد اسرائيل انهاءها. بهذه الطريقة يريدون ضمان أمن اسرائيل. ماذا يفعلون؟". وعن موقفه من اعلان"حزب الله"انه سيرد على المجزرة، اعتبر السنيورة ان"هذا الأمر طبيعي، حتماً طالما ان العدوان مستمر على لبنان هناك رد يُمارس. واعتقد ان الطريق الصحيح لمعالجة الأمر هو في السير بما قمنا به في الحكومة مباشرة وقف اطلاق فوري ودائم". وقال:"يجب العودة الى ما قدمته الحكومة بدءاً من وقف فوري وغير مشروط للنار". وعن توقعه لنتائج اجتماع مجلس الأمن، بوقف فوري لإطلاق النار، لفت الى"أننا نقوم منذ الصباح باتصالات عدة على غير صعيد وفيها اتصال بالأمين العام للأمم المتحدة وتمنيت عليه أن يصار الى الدعوة الى جلسة عاجلة لمجلس الأمن، ووعدني بأنه سيتصل بالرئيس الحالي للمجلس، وهو يؤيد وجهة نظرنا في الدعوة السريعة الى اتفاق وقف النار غير مشروط. وربما ستكون اجتماعات مجلس الأمن على شكل مشاورات واعطينا التوجيهات لمندوب لبنان بأن يطالب بأن تكون جلسة طارئة لمجلس الأمن، واذا لم يتمكن من أن تكون كذلك اليوم فحتماً في اقرب وقت ممكن ربما غداً ستعقد جلسة خارج اطار المشاورات". وحيا الشهداء والجرحى والصامدين، وقال:"ان السيد حسن نصرالله له منا كل التقدير على مواقفه، وكل التقدير للذين يضحون بحياتهم من أجل لبنان". ورداً على سؤال قال ان الذي عليه أن يبدأ وقف النار هو المعتدي، واعتقد أن على مجلس الأمن أن يواجه نداء فورياً لوقف اطلاق النار وانسحاب الاسرائيليين والجميع سيلتزمون.