تشهد الحالة السياسية المصرية تأزماً، نتيجة فوضى مجتمعية أصابت محافظات عدة، وتنوعت مظاهرها التخريبية، الأمر الذي يطرح التساؤل حول مسؤولية أطراف المعادلة السياسية المصرية. ثمة اختلاف بين المسؤولية السياسية في الأنظمة الشمولية الاستبدادية وفي الأنظمة الديموقراطية، ففي الأولى تتحمل السلطة السياسية تبعات الحياة السياسية، سواء كانت نجاحات أو إخفاقات، على حين تظل المسؤولية السياسية في الأنظمة الديموقراطية على عاتق كل من السلطة السياسية والمعارضة، وبالطبع من يمتلك السلطة يتحمل العبء الأكبر. إلا أن الديموقراطية تقتضي محاولة ترشيد ونقد كل من السلطة والمعارضة على السواء. ويمكن القول إن احدى إشكاليات المعارضة السياسية المصرية، خصوصاً كيانها الجديد، جبهة الإنقاذ الوطني، أنها تتبنى مسارات غير ليبرالية في التعاطي مع الأزمة، أكثرها خطورة التهديد بالدعوة الى إسقاط الشرعية السياسية للرئيس المستمدة من صندوق الانتخاب وإسقاط الدستور بغير الوسائل الديموقراطية إذا لم يستجب الرئيس مطالب الجبهة، ومن أهمها تعديل الدستور وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. وتكمن الإشكالية في محاولة تغيير سلطة منتخبة بوسائل ديموقراطية، بغير منطق الديموقراطية، وهو انقلاب على الديموقراطية ذاتها، وترسيخ قيم مضادة لها لدى الرأي العام. بل إن تبعات هذا المنحى غير الديموقراطي على ما بعد الانقلاب، ومن يأتي ويتولى السلطة بعده، أصعب بكثير، نتيجة تبديد فكرة احترام الرأي العام وصندوق الانتخاب في وعي كل من يعارض السلطة، وتكريس الانقلاب كوسيلة سريعة للتغيير. فقيام ثورة تجبر رئيس الجمهورية على التنحي خلال 18 يوماً فقط، وإسقاط رئيس في بضعة شهور، هو تفكيك لمفهوم الدولة، ما يجعلنا نعيش في حالة من السيولة السياسية المستمرة. ذلك أن الديموقراطية تحتاج إلى استقرار سياسي واجتماعي، فهي لا تزدهر في أجواء الاضطرابات والانقلابات بل من الخطأ تصور تحقق الديموقراطية في الانقضاض على الدولة، أو محاولة تفكيكها. لذلك يمكن القول إن أطراف المعادلة السياسية كافة خاسرون، ومعهم الشعب، إذا تم تفعيل هذا المنحى على أرض الواقع. وعلى رغم أن جبهة الإنقاذ تتضمن أحزاباً ذات توجه ليبرالي، إلا أنها لا تعطي الحوار الأهمية الكافية كخيار سياسي فعال لحل الأزمات، وهو أمر يتعارض مع قيم الليبرالية التي هي بالأساس قائمة على منطق التعدد والحوار وإنكار احتكار الرؤية. * كاتب مصري