ازداد المشهد المصري تعقيداً أمس، وانتظر المصريون طويلاً إطلالة المجلس العسكري بقرارات حاسمة تمنع تفاقم الوضع خصوصاً في ظل التلويح بالتصعيد من قبل المتظاهرين في ميدان التحرير والسويس والإسكندرية، لكنه خالف التوقعات عندما خرج عليهم مهدداً بأن كل الخيارات متاح للتعامل مع من يضر بمصالح المواطنين ويعطلها، ومؤكداً تمسكه برؤيته للمرحة الانتقالية. لكن المجلس العسكري أعلن، في المقابل، قبوله استقالة نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل الذي أثارت تصريحات سابقة له جدلاً واسعاً. وأظهر عضو المجلس العسكري اللواء محسن الفنجري في بيان ألقاه صباح أمس لهجة حازمة تجاه التظاهرات التي تعم مدناً مصرية، لافتاً ضمناً إلى أن هؤلاء المتظاهرين"لا يمثلون الشعب المصري"، فيما قال اللواء محمود حجازي عضو المجلس العسكري في مؤتمر صحافي آخر عقد مع اقتراب ساعات الليل"إن كل الخيارات متاح للتعامل مع من يضر بمصالح المواطنين ويعطلها"، مؤكداً"احترام المجلس العسكري لحق التظاهر السلمي من دون الإضرار بالبلاد". وقال حجازي:"إننا لن نسمح بأن تضر مجموعة من المعتصمين بمصالح الغالبية العظمى من الشعب ولن نسمح بالتخريب وتعطيل المصالح العامة لأن هذا مجرم بالقانون، وسيتم استخدام كل الوسائل المتاحة". لكنه استبعد"استخدام العنف". وأوضح أن عدم استخدام العنف مبدأ أساسي في التعامل مع المعتصمين منذ أن تولى المجلس العسكري إدارة البلاد، وأن لا تراجع عنه، مؤكداً أن الحوار سيكون ركيزة انهاء الاعتصامات. ويبدو أن الجيش المصري ظل حتى الآن يراقب الموقف من بعيد تاركاً لرئيس الحكومة الدكتور عصام شرف تقديم التنازلات من خلال بيانين خرج بهما خلال ثلاثة أيام وتضمنا حزمة من الإجراءات التي لم ترض المتظاهرين، فلجأ الجيش كما يبدو إلى التلويح بالعصا بعدما فشلت جزرة رئيس الحكومة في تهدئة الوضع. وكان حديث اللواء محسن الفنجري لافتاً، فالرجل لم يتطرق في حديثه إلى مسألة محاكمة رجال النظام السابق، كما لم يتحدث عن تغييرات في الجهاز الحكومي، بل ألقى الكرة في ملعب الشارع بالتلويح بأن المتظاهرين في ميدان التحرير لا يمثلون إرادة الشعب، الأمر الذي فُهم منه أن الجيش لن يقدم على تقديم تنازلات على عكس ما قدمه الدكتور عصام شرف. وبدا من بيان الجيش الذي ألقاه اللواء الفنجري وأذاعه التلفزيون المصري أنه تجديد للتعهدات التي سبق وأن قطعها على نفسه، فأكد بلهجة حازمة أن الجيش لن يتخلى عن المسؤولية وأنه متمسك بإدارة المرحلة الانتقالية إلى حين تسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة من الشعب. وشدد الفنجري على أن القوات المسلحة لن تسمح بالقفز على السلطة أو تجاوز الشرعية لأي كان، ملوحاً باستخدام العصا"لمجابهة التهديدات التي تحيط بالوطن وتؤثر على المواطنين والأمن القومي من أي عبث يراد بها وذلك كله في إطار من الشرعية الدستورية والقانونية"، محذراً من أن"انحراف البعض بالتظاهرات والاحتجاجات عن النهج السلمي يؤدي إلى الإضرار بمصالح المواطنين وتعطيل مرافق الدولة وينبئ بأضرار جسيمة بمصالح البلاد العليا". كما حذر من ترديد الإشاعات والأخبار المغلوطة التي تؤدي إلى"الفرقة والعصيان وتخريب الوطن"وتشكك في ما يتم من إجراءات و"تثير النزاعات وتزعزع الاستقرار". وطالب بتغليب المصالح العليا للبلاد على المصالح الخاصة المحدودة، داعياً"المواطنين الشرفاء إلى الوقوف ضد كل المظاهر التي تعيق عودة الحياة الطبعية لأبناء شعبنا العظيم والتصدي للإشاعات المضللة". وأشار إلى أن القوات المسلحة أعلنت منذ بداية الثورة انحيازها الكامل للشعب وأكدت وقوفها الدائم بجواره لتحقيق مطالبه المشروعة في إطار الشرعية الدستورية والقانونية. وكشف الفنجري عن إعداد وثيقة مبادئ"حاكمة"لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد دستور جديد للبلاد وإصدارها في إعلان دستوري بعد اتفاق القوى والأحزاب السياسية عليها، مشدداً على الاستمرار في سياسة الحوار مع كل القوى والأطياف السياسية وشباب الثورة لتلبية المطالب المشروعة للشعب. وأكد التزام المجلس العسكري بما قرره في خطته لإدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية من خلال إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى ثم إعداد دستور جديد للبلاد وانتخاب رئيس للجمهورية وتسليم البلاد للسلطة المدنية الشرعية المنتخبة من الشعب، كما شدد الفنجري على استمرار دعم رئيس مجلس الوزراء للقيام بكل الصلاحيات المنصوص عليها بالإعلان الدستوري وكل القوانين الأخرى، وهو ما ينفي الإطاحة بعصام شرف. وأثار خطاب الجيش جدلاً واسعاً على الساحة المصرية، إذ فسره البعض على انه يحوي"تهديداً"للمتظاهرين خصوصاً مع اللهجة الحازمة التي استخدمت في إلقاء الخطاب، وهو ما رفضه المتظاهرون في ميدان التحرير الذين استنكروا لهجة الخطاب، وشددوا على تنظيمهم مساء أمس مسيرة مليونية تنطلق من ميدان التحرير إلى مقر مجلس الوزراء والبرلمان للضغط من أجل تنفيذ مطالبهم. وفي ما يعد استجابة لمطالب المعتصمين في ميدان التحرير أصدر مجلس القضاء الأعلى أعلى سلطة إدارية تضطلع بشؤون القضاء والقضاة قراراً سمح فيه بنقل وقائع محاكمات الوزراء والمسؤولين السابقين المتهمين في وقائع فساد وقتل للمتظاهرين على شاشات تلفزيونية سيتم إعدادها وتركيبها خارج قاعات المحاكم، وذلك للسماح للراغبين في متابعة وقائع تلك المحاكمات، والذين لم يتسن لهم الدخول والمتابعة المباشرة بعد اكتمال عدد الحضور وإغلاق القاعات. وقال مصدر قضائي مسؤول في المجلس إن القرار لا يعني السماح بدخول كاميرات الفضائيات وبث وقائع المحاكمات على التلفزيونات، وإنما بنقل وقائع تلك المحاكمات من خلال دوائر تلفزيونية مغلقة خارج قاعات المحاكم فقط على شاشات خارجها، معتبراً أن هذا القرار جاء حرصاً على تمكين الراغبين في المتابعة لأحداث الجلسات، وفي ذات الوقت الحفاظ على انتظام وانضباط وقائع الجلسات بما لا يخل بنظام الجلسة وتوفير المناخ الملائم لعقد المحاكمات العادلة الناجزة. وقبل تدخل المجلس العسكري كان رئيس الحكومة الانتقالية عصام شرف ألقى بياناً هو الثاني من نوعه تضمن حزمة من الإجراءات الإصلاحية لكنة أثار جدلاً، إذ اعتبره الثوار في ميدان التحرير خطاباً غير مفهوم، ومنقوصاً، ولا يتماشى مع مطالبهم. وأعلن شرف في بيانه أنه سيجري تعديلاً وزارياً خلال أسبوع يحقق أهداف الثورة ويعكس الإرادة الحقيقية للشعب، كما أعلن أنه سيجري حركة محافظين قبل نهاية الشهر الجاري، تتفق وتطلعات الشعب، وقال إنه كلف وزير الداخلية الإسراع في إعلان حركة وزارة الداخلية متضمنة استبعاد قيادات هيئة الشرطة الذين تورطوا في جرائم ضد الثوار في موعد أقصاه منتصف الشهر الحالي. وأكد الناطق باسم"ائتلاف شباب الثورة"خالد السيد إن الاعتصام مستمر حتى تتحقق مطالب الثورة الحقيقة، مؤكداً أن خطاب شرف لم يوضح أو يتناول صلاحيات الوزراء الجدد خلال المرحلة الانتقالية الحالية، مطالباً بضرورة وجود صلاحيات واضحة وقوية للوزراء كي يستطيعوا القيام بأعمالهم على أكمل وجه دون وجود ظاهرة"الأيدي المرتعشة". وعلي النهج نفسه سار الناطق باسم حركة شباب"6 أبريل"محمد عادل الذي رأى أن خطاب الدكتور شرف جاء محققاً بعض مطالب شباب الثورة وليس كلها. وطالب المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي بمنح المزيد من الصلاحيات للحكومة، مؤكداً ثقته في إن هدف الشعب وجيشه الوطني واحد، وهو الوصول بمصر لبر الأمان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها. وأكد أن أولوية مصر الآن تشكيل حكومة إنقاذ وطني. السجن لنظيف والعادلي وغالي من جهة اخرى، أمرت محكمة جنايات القاهرة أمس بسجن رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف سنة واحدة، في حين أمرت بسجن وزير المال السابق يوسف غالي هارب 10 سنوات ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي بالسجن 5 سنوات. ودانتهم مع رجل أعمال صاحب شركة ألمانية بإهدار 92 مليون جنيه من أموال الدولة. وتضمن الحكم إلزام الأربعة المدانين بدفع مبلغ 92 مليون جنيه، وتغريمهم مبلغاً مساوياً، إضافة إلى تغريم غالي والعادلي مبلغ 100 مليون جنيه، وذلك بعدما انتهت المحكمة إلى ارتكابهم وقائع فساد وتجاوزات مالية تسببت في إهدار المال العام تتمثل في إسناد أمر تصنيع وتوريد اللوحات المعدنية التي تحمل الأرقام التعريفية للسيارات إلى شركة أوتس الألمانية بالأمر المباشر، من دون إجراء مفاضلة بين شركات وعروض أخرى، وبأسعار تزيد عن القيمة الحقيقية لتلك اللوحات، على نحو تسبب في إهدار 92 مليون جنيه من المال العام. وكانت النيابة العامة نسبت إلى الأربعة في القضية تهماً عدة تتعلق بالتربح للنفس والغير من دون وجه حق.