في مقدمته وصف ابن خلدون التاريخ بأنه "خبر عن العمران". التاريخ مجرد خبر، وقصة تروى فتختلف بحسب من يرويها. وفي الأزمنة الحديثة، بدا خورخي بورخيس وكأنه يذهب بعيداً في السياق الخلدوني، عندما وصف التاريخ أيضاً بأنه محض رواية. واعتقد بورخيس أنه كلما وُجد من يعيد صوغ الحكاية، تغيّر ذلك التاريخ نفسه! إلى أي مدى يمكن اعتبار محطة"أو تي في"محاولة لشغل"رواية"بصرية مختلفة، تروي اللحظة الراهنة، خصوصاً في لبنان، من عين كاميرا مختلفة. على الأرجح لا يصعب على المشاهد ملاحظة جهد شاشة"أو تي في"في الاختلاف، منذ انطلاق بثها التجريبي في 20 أيار مايو الفائت لتُعبّر تلفزيونياً عن حزب"التيار الوطني الحر"الذي يتزعمه النائب ميشال عون. جاءت هذه الشاشة في بلد يعج بتلفزيونات فضائية تتوزعها الأحزاب والطوائف والدولة اللبنانية، مثل:"أل بي سي"وپ"تي أل"و"أن بي أن"وپ"المنار"وپ"المستقبل". والأرجح أن شاشة"أو تي في"لم تنجح في الخروج من هذا التمزق المتلفز، باعتبارها ناطقة بلسان تيار سياسي له لون طائفي مُحدّد. في المقابل، ثمة ترسيمات بصرية تتكئ عليها هذه القناة لرسم هيئتها الخاصة. كما يُلاحظ، مثلاً، ميلها الى استخدام الدائرة في الپ"لوغو"والديكور والطاولات وحواف النوافذ وغيرها. تُذكر الدائرة باللوغو وبشعار التيار، لكنها أيضاً مفهوم فلسفي لا يخلو من بُعد كنسي. فالدائرة تمثل الكمال المطلق ووجوداً يدور حول نقطة - مركز. وراهناً، يغيب عن الشاشة شريط الأخبار الذي بات مألوفاً في الفضائيات اللبنانية والعربية. وتميل معظم البرامج، خصوصاً نشرات الأخبار، الى أن تكون خلفية المذيعة/ المذيع مشهداً طبيعياً مثل السماء وغيومها. والعنصران الأخيران يكسبان هذه الشاشة رحابة بصرية، ربما رآها البعض"متناقضة"مع الالتزام الضيق بالتعبير عن وجهة نظر مُحدّدة في السياسة ومناحيها. وفي المقابل، يتطابق مضمون مواد البث مع النبرة المميزة لخطاب حزب"التيار الوطني"، ما يجعلها"تروي"الأحداث في شكل مُغاير. فإذا غطّت معركة"نهر البارد"بين الجيش اللبناني وإرهابيي"فتح الإسلام"، تُسارع الى التشديد على العلاقات التي تربط"تيار المستقبل"، مع تيارات سلفية جهادية لا تبعد كثيراً من"فتح الإسلام"مثل جماعة"جند الشام"في صيدا. ويصعب اعتبار الاختلاف في مضمون الخطاب السياسي مؤشراً إلى خطاب بصري مختلف، لأن مثل ذلك"الاختلاف"منتشر على معظم الشاشات اللبنانية. كأنما يصل الكلام الى القول بنوع من"التجاذب"بين التمايز البصري لشاشة"أو تي في"وتقليديتها في المضمون المرافق له! هل يصح القول بهذا التجاذب أو التنازع؟ فلننتظر ونرَ.