أيام قليلة تفصل عن الموعد المفترض لاجتماع أنابوليس. وقد يكون هذا الاجتماع الخطوة الأميركية الأخيرة في ولاية الرئيس جورج بوش من أجل إطلاق عملية السلام على المسار الفلسطيني. ومن هنا أهمية هذا الاجتماع. إذ بعده بأيام تبدأ عملية الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية. وستكون السنة المقبلة، في الولاياتالمتحدة، سنة انتخابية لا يتوقع فيها الإقدام على أي مبادرة كبيرة. رغبت إدارة بوش باستضافة هذا الاجتماع من أجل إظهار أنها ترغب في تسوية أزمة تزداد تعقيداتها مع مرور الوقت. وتلقي بمضاعفاتها أعباء ثقيلة على العرب. وترغب واشنطن ايضا في استقطاب العرب الى نهجها في معالجة ملفات أخرى، استنادا الى انها تعمل على حل قضيتهم المركزية. ولم يتوقف العرب كثيراً عند الاهداف الاميركية، ما دامت العبرة بالنتائج. ولذلك لم يعارضوا الذهاب الى أنابوليس، شرط ان تكون النتائج مستندة الى الخطة السياسية العربية، كما أقرتها مؤتمرات قممهم والمبادرة العربية. وترك للفلسطينيين والاسرائيليين، منذ مطلع الصيف، العمل عبر اجتماعات متكررة لوضع أسس الوصول الى توفير الظروف من اجل تثبيت الدولتين وحدودهما والحل العادل لقضية اللاجئين. وراهن الفلسطينيون كثيرا على المفاوضات الثنائية التي اجرتها لجانهم المشتركة مع الاسرائيليين. واعتبروا ان الثقل الأميركي والدعم العربي والدولي سيضعان قضيتهم في مرحلة جديدة تتصل بآليات الحل وبرمجته وليس بمضمونه، ما دامت المبادرات السابقة المقبولة من الجميع عموما خريطة الطريق، رؤية الدولتين، المبادرة العربية حددت أطر هذا المضمون. هذه الآمال العربية استندت، بدورها، إلى انه ينبغي البدء من نقطة ما مع الاسرائيليين من أجل تثبيت الدولة الفلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس، وان يكون حق العودة ضمانة الحل العادل للاجئين. او على الاقل هذا ما دفع الى إطلاق المبادرة العربية وتأييد رؤية الدولتين، وربما ما يحملهم الى الذهاب الى أنابوليس. في المقابل، لم تر إسرائيل في كل هذه المواقف، وحتى في اجتماع انابوليس، سوى استمرار للنزاع الذي يتخذ حاليا هذا الشكل الديبلوماسي. لا بل، حولت مفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية الى محطات في التعامل مع القضايا اليومية، وليس منهجا موصلا الى الحل النهائي. وما الكلام الاسرائيلي الحالي عن إطلاق معتقلين ووقف استيطان عشوائي الا الانعكاس لهذه المنهجية الاسرائيلية. وعندما يلمح اولمرت الى انه سيحمل معه الى انابوليس إعلانات من هذا القبيل، يكون في الواقع يرفض ان يتحول هذا الاجتماع الى انطلاق مرحلة جديدة تعطي للفلسطينيين دولتهم القابلة للحياة، وتضمن انسحاب الاحتلال من أراضي 67، في مقابل الاعتراف العربي باسرائيل. فالواضح ان هذا النهج الإسرائيلي يريد هذا الاعتراف، في مقابل وقف ممارسات اسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وهي ممارسات ما كان ينبغي ان تكون لو ان الدولة العبرية التزمت اتفاقاتها مع السلطة. بكلام آخر، ما يرغب به الفلسطينيون، ومعهم العرب، هو ان يكون اجتماع انابوليس نقطة بدء جديدة للمسار الفلسطيني وصولا إلى السلام وإنهاء النزاع . وما ترغب به إسرائيل هو ان يكون محطة في النزاع المستمر. ولذلك لن تكون الإدارة الأميركية المضيفة للاجتماع، الذي سوقته بصفته مكانا لانطلاق مفاوضات الحل النهائي، معفية من ممارسة أقصى الضغط على إسرائيل. لكن هل تملك إدارة بوش وسائل هذا الضغط، في السنة الاخيرة من ولايتها، حتى لو رغبت في ذلك؟