لم يبق السجال القائم حول سلاح المقاومة سياسياً فحسب، بل بات يندرج ضمن"الخطاب"الثقافي الوطني منذ أن شمل مصطلحات"كبيرة"مثل الكينونة اللبنانية والبنية الطائفية والوحدة الداخلية والمصير المشترك وسواها... والمثقفون اللبنانيون لم يكونوا يوماً غرباء عن مثل هذا الخطاب وهذه المصطلحات، فالمثقف تحديداً هو الكاتب أو المفكر أو المبدع الملتزم والمنخرط في دور سياسي أو اجتماعي. والسياسة إذا لم تملك بعداً ثقافياً تعجز عن النهوض بدورها المرسوم لها أصلاً، وتصبح مجرد عنوان خال من المعنى. قد لا يحتاج المثقفون اللبنانيون، على اختلاف مواقعهم ومشاربهم الى أي تبرير ليدلوا برأيهم في قضية تبدو مقتصرة ظاهراً على أهل السياسة. فالمثقفون معنيون كثيراً بالقضايا السياسية مثلهم مثل السياسيين أنفسهم، فهم أولاً مواطنون، ثم هم أشخاص يملكون دوراً ورسالة في المعنى"اليوتوبي"للرسالة، وهم القادرون على بناء النظريات السياسية وعلى قراءة الواقع ومقاربة التاريخ. قضية سلاح المقاومة أو سلاح"حزب الله"، هي قضية ثقافية إذاً. والانقسام الداخلي حولها يؤكد طابعها السجالي واشكاليتها العميقة. كيف يرى المثقفون اللبنانيون الى هذه القضية والى الانقسام حولها، بين رأي يقول بضرورة بقاء سلاح المقاومة وآخر يقول بانتهاء دوره وينادي بنزعه؟ هذا السؤال حملناه الى مثقفين لبنانيين ينتمون الى تيارات مختلفة، بعضهم أجاب بجرأة ووضوح، وبعضهم أجاب بالتباس، وبعضهم رفض أن يخوض هذا الحقل"المفخخ"والخطر. ولا بد من ان يبدو المثقفون الذين شاركوا في هذا التحقيق في حال من الاختلاف، وهذا أمر طبيعي وسليم ويدل على حقيقة التجربة اللبنانية، تاريخاً وواقعاً. هل انتهى دور المقاومة حقاً؟ هل يشكل سلاح"حزب الله"خطراً؟ هل يرسّخ هذا السلاح انتصار فئة على أخرى؟ هل التخوف من تحول هذا السلاح سلاحاً داخلياً هو في محلّه؟ أسئلة كثيرة يطرحها المثقفون على أنفسهم، مثل الكثيرين من المواطنين! هذا التحقيق ارتأت"الحياة"نشره صبيحة انعقاد الحوار الوطني في جولته الجديدة التي سيناقش فيها قضية سلاح المقاومة، عسى آراء المثقفين تساهم، مساهمة ما، في إجلاء الالتباس الذي يكتنف هذه القضية. إعداد عبده وازن قبل التحرير وما بعده موقعي هو موقع الحائر بين المثقف والسياسي. من المفروض على المثقف أن يرفض أي سلاح. أما السياسي فمن المفروض عليه أن يرى المشهد والمعادلات السياسية والتجاذبات، ويجب ألا يكون على يقين تام، سلباً أم إيجاباً. هذه النسبية عند السياسي الكامن فيّ تأتي من البعد الثقافي. ولذلك ليس في نظرتي الى القضية إطلاق أو تقويم، لا لمصلحة سلاح"حزب الله"ولا ضده. وأنتقل الى السؤال الأكبر: هل هناك مشروع دولة أم لا؟ إذا كان هناك مشروع دولة، ففي رأيي يجب أن يكون سلاح"حزب الله"والمقاومة في سياق مشروع الدولة. حينذاك لا تصبح قضية"حزب الله"وكأنها عقوبة على ايجابيات التحرير. في النهاية تجب معالجة المسألة، ليس من طريق تحقيق الغلبة، بل يجب الاقلاع عن فكرة الغلبة. أصلاً الغلبة المطلقة هي انكسار مطلق. فمن يحقق غلبة على الآخر أو يتوهمها إنما يبدأ بالانكار والخسارة. لا بد من تسوية إذاً. وليسمح لنا أطراف الحوار، طوائف وأحزاباً، أن يكفوا عن إعادة انتاج"التعصيب"الطائفي والحزبي وكأن كل طرف منهم يقدم نفسه بديلاً للوطن والدولة. والوطن مشترك وكذلك الدولة. السلاح استخدم، بصرف النظر عن ملاحظاتنا، في اتجاه اسرائيل، فلا يجوز أن يعمل أصحاب السلاح وخصومهم على تحويل السلاح عامل تفرقة. وكما أجمعنا عليه قبل التحرير، يجب أن نجمع عليه بعد التحرير، كي نستطيع أن نوطن إنجاز التحرير ونحوله رصيداً متنامياً، ولكن بمشاركة الجميع. هاني فحص الجيش هو المقاومة قامت الميليشيات في لبنان عندما انقسم الجيش وتوزع عليها توزيعاً طائفياً. وقامت المقاومة الوطنية في الثمانينات عندما لم تكن للجيش القدرة على المواجهة. ثم لوحقت هذه المقاومة من قبل نظام الوصاية وإفرازاته وامتداداته فقامت المقاومة الإسلامية على أنقاض المقاومة الوطنية، عندما لم يكن للجيش دور يقوم به، أي عندما لم يكن هناك من جيش. كانت كل هذه المقاومات والميليشيات مشروعة الى حد كبير، كان لها الدور الوحيد، لا سيما في مرحلة الاحتلال الصهيوني للجنوب والبقاع الغربي. أما اليوم، وبعد انسحاب اسرائيل تحت ضربات المقاومة الإسلامية، وتحرير الأراضي اللبنانية، وبناء الجيش الوطني اللبناني الذي يشيد به أهل الوصاية و"حزب الله"أكثر مما يشيد به الآخرون، وبعدما تحرر البلد من الوصاية، وبعدما انعقد اجماع على اعتبار اسرائيل العدو، من الدولة والسلطة والنظام والمجتمع، فمن المستغرب أن يبقى الجيش الذي يفترض انه يمثل كل لبنان، وكل السلطة، على الهامش، ملحقاً بمقاومة لم يعد لها الدور المقاوم الذي كان لها. وكان على النظام الوصي وأتباعه، وكذلك"حزب الله"، أن"يخترعوا"مزارع شبعا، لإدامة تهميش الجيش من ناحية، واستمرار تسييد المقاومة، قراراً وتنفيذاً، في مسائل المواجهة مع اسرائيل. ونظن ان الابتكار الاستخباراتي لمسألة مزارع شبعا، هدفه: 1 منع قيام الدولة القوية الباسطة نفوذها على كل أراضيها، 2 ابقاء موقع قدم لنظام الوصاية في الجنوب كاحتياط لتطورات محتملة، 3 ابقاء قوة المقاومة التي يفترض انها موجهة الى الخارج سيفاً مصلتاً على الفرقاء الداخليين، كوسيلة تهديد وضغط، 4 ربط الترسيم مع بقاء المقاومة بحيث، إذا بقي"الترسيم"مرفوضاً من سورية، فرض انسحاب اسرائيل. وهذا ما يخشونه. ونزعم انهم لا يريدون، في بواطنهم ان تنسحب اسرائيل، باعتبار أن، اذا تم الترسيم فقد تنجح الديبلوماسية في حملها على الانسحاب. على هذا الأساس، ومن أجل تعطيل كل دور للدولة في الجنوب، وابقاء القرار هناك في أيدي المقاومة وسواها، ومن خلالها في الخارج، يرفض أهل الوصاية والموصى عليهم ان يكون للجيش أي دور دفاعي أساسي عن الحدود، لا عن الحدود الشمالية ولا الجنوبية، وتحويله جيشاً صالونياً أو حصره في المهمات الأمنية الداخلية. ونظن ان على"حزب الله"، وبعدما قام بالتحرير، مدعوماً من المجتمع اللبناني كله، أن ينصرف عن كل الذرائع التي تبقي القرار العسكري في يده، تحت طموحات استراتيجية الدفاع، أو أي ثنائية، أو أكثر من ثنائية. هناك جيش صُرفت عليه البلايين من ضرائب اللبنانيين ومن أتعابهم، لكي يقوم بمهمة الدفاع عن لبنان، وإذا كان لا بد من ثنائية بينه وبين"حزب الله"، فلتكن القرارات له مستندة الى قرار السلطة واستراتيجيتها. وعلينا أن نقنع"حزب الله"بأن منطق القوة السافر، أو المخملي، ومنطق الاستفراد، ومنطق الاستقواء بالسلاح، كلها بلا جدوى، إذا لم يكن من إجماع لبناني. أعطوا الجيش ما للجيش: حماية الحدود، والدفاع والمواجه. وأعطوا للحزب ما للحزب: أن ينخرط في المجتمع المدني، ويكسر التخوم الكانتونية وقبله فعلوها وفشلوا، ويساهم في بناء الدولة القادرة. أما حماية كل لبنان، فدعها لكل اللبنانيين عبر الدولة، لأن من لم يستطع الضبط في الجنوب، ولم يستطع ضبط محازبيه في غزوتهم الأخيرة المظفرة على بعض المناطق، فلن يكون له ان يتجاوز لا دور الجيش، ولا دور السلطة، ولا دور الشعب، ولا دور المجتمع المدني. كلمة أخيرة: عندما يُصبح الجيش جاهزاً يُصبح هو المقاومة. وهذا واجبه ووظيفته ودوره. يُصبح هو المقاومة الوحيدة المدعومة من كل الناس، بمن فيهم"حزب الله"! وخصوصاً"حزب الله"رائد التحرير الذي نتمنى أن يكون أيضاً رائد بناء الدولة والسيادة والاستقلال. بول شاوول شاعر كراهية السلاح أنا شخصياً أكره السلاح. أكرهه من دون أدنى تمييز، وخصوصاً حين يدافع عن القضايا الإنسانية العادلة. أكره منظره ومعدنه، وأنفر منه نفوراً يمازجه الخوف والغضب، وملمسه الأصم الصلب والبارد يبعث التقزز في نفسي. لبنانياً وإسرائيلياً وأميركياً وسورياً وصومالياً... أكرهه كراهيتي لكل ما هو فوق الطبيعة، كالكوارث والزلازل والأوبئة والجدري والسرطان. مقاوماً ومعتدياً أكرهه، ولا أفهم كيف يمكن أن يكون نافعاً في هذه الحياة التي لا معنى لها سوى أن تعاش بسلام وحرية، ومن دون سلاح في يد أحد. حياة الهشاشة والحيرة والمسرات والآلام والقوت والعبور وسوء التفاهم والرغبة والنسيان والخوف والخساسة والترفع والعداوات الصغيرة التافهة والانتظار والضيق والضجر والتعب والراحة والقلق والزهو والانخطاف والبؤس والعوز واليسر... الحياة الدنيا على هذه الأرض من دون سلاح ولا جيوش ولا مقاومة. أنا شخصياً إن خيّرت بين الاستسلام والمقاومة، أختار الاستسلام فوراً ومن دون تردد، لأنني بحساسية امرأة أنيقة وتحب أناقتها، أنفر من السلاح والمسلحين والجيوش والمقاومين بالسلاح. محمد أبي سمرا روائي سلاح يردع اسرائيل ويخيف بعض اللبنانيين إن مجرد مشاهدة العنف والحرب، أو الكلام عليهما أو التفكير فيهما، يسبب لي ألماً وحرقة في المعدة. كنت في السابعة عشرة عندما بدأت تباشير الحرب عام 1973 وكنت في أتونها، وكنت في السادسة والعشرين حين حصل الاجتياح الاسرائيلي وما تلاه. لقد شهدت كل المآسي. وبقيت ثلاثاً وعشرين سنة طوالاً بعيداً من أكثر مكان أحبه وأحن اليه بين أمكنة العالم الكثيرة التي زرتها. الى أن انسحبت اسرائيل، فاستطعت أن أبني بيتاً صغيراً هو غرفة واحدة حتى الآن، وخيمة تطل على نهر الليطاني. واليوم، في ظل الكلام المستفز ل"القيادات الوطنية"، فإن احتمال استخدام السلاح في الصراع مصدر خوف يجعلني أفكر أين المفر إذا وقعت الواقعة؟ ومن هنا أطرح أسألتي: * هل سلاح المقاومة رادع لإسرائيل؟ نعم. * هل هناك وسيلة أخرى، حتى الآن، لردع اسرائيل؟ لا. * هل يخيف هذا السلاح لبنانيين آخرين؟ نعم. وبعد، هل يمكن تحويل هذه المقاومة الى مقاومة كل اللبنانيين، فتنزع صفتها الطائفية أو الحزبية؟ هل يمكن إيجاد سبيل لنزع الخوف من هذا السلاح؟ هل يستخدم هذا السلاح كوسيلة للتخويف والضغط من طرف فئة حزبية أو طائفية؟ هذه الأسئلة وكثير غيرها، حول السلطة والدولة والوطن، لا سبيل لتلمس أجوبة عنها طالما ان الانتماء الطائفي مقدّم على كل انتماء آخر. ان الخروج من التسويات الهشة هو الخروج على الطائفية، الى الدولة الحديثة التي هي دولة القانون. واستخدام هذا السلاح في أي صراع داخلي لهو أشد خطراً على لبنان من أي خطر. حسن ياغي ناشر اقتتال الداخل مطلب اسرائيلي أود أن أوجز ردي حيال قضية سلاح المقاومة في ما يأتي: 1 - ان اسرائيل لها أطماع تاريخية أكيدة بمياه الجنوب وبأرضه وبخاصة جبل حرمون. وقد أصدرت مؤلفات عدة في هذا المجال. 2 - ان اندحار قوات الاحتلال الاسرائيلية تحت وطأة ضربات المقاومة، وفي ظل القرارات الدولية، ولا سيما القراران 425 و426، من الانجازات الكبيرة التي يعتز بها الشعب اللبناني الذي توحّد وراء هذا الانجاز. 3 - اسرائيل لا تزال تحتل تلال كفرشوبا ومزارع شبعا وقرية النخيلة التي لا تذكرها الدولة أو المقاومة ومناطق أخرى في رميش والمطلة والعديسة. 4 - ان لبنان الدولة والمجتمع يجب ان يتمتعا بكل أسباب القوة للدفاع عن الوطن. وهذا يتمثل بوحدة السلطة واحتكارها السلاح، وبالوحدة الوطنية العميقة بين كل مكونات المجتمع. 5 - اتفاق الطائف والقرار 426 أكدا احترام اتفاقية الهدنة، والقرارات الدولية المتتالية أكدت على وحدة سلطة الدولة اللبنانية وضرورة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب. ولبنان لا يستطيع إلا أن يحترم القرارات الدولية ومواثيقه الداخلية. 6 - الأممالمتحدة تعتبر مزارع شبعا مرتبطة بالقرار 242 وليس بالقرارين 425 و426. وهي تنتظر محضراً بين الحكومتين اللبنانية والسورية مع خريطة موقعة تؤكد الإقرار بلبنانية المزارع. 7 - بين شعار نزع سلاح"حزب الله"أو ضرورة بقائه كما هو ثمة موقف ثالث نعتقد انه الأجدى. وهذا الموقف يتمثل بالنقاط الآتية: أ - الالتزام بمندرجات اتفاق الطائف والقرارات الدولية. والعمل ضمن نفس طويل لإقناع المجتمع الدولي بالحق الأكيد للبنان في استعادة أرضه. ب - احترام قانون الدفاع وقانون الطوارئ. ج - تحويل عديد المقاومة الى أنصار للجيش، ووضع عتاد المقاومة تحت إشراف الجيش. وعند قيام هجوم اسرائيلي تطبيق قانون الطوارئ ومشاركة الشعب، كل الشعب، للجيش في الدفاع عن الوطن. د - مطالبة قيادة المقاومة بإيلاء الوحدة الوطنية اللبنانية الأولوية على أي رهان آخر وبخاصة ضرورة مساهمتها الفعالة في ترسيخ استقلال الدولة اللبنانية وسيادتها في مرحلة ما بعد انسحاب الجيش السوري. ه - التحذير من كل مغامرة توصل الصراع السياسي بين الفئات اللبنانية الى العنف المسلّح والاقتتال الداخلي. فهذا هو هدف اسرائيل للانتقام من انتصار أيار مايو العام 2000، وهذا هو هدف كل الحالمين بالتوطين واستمرار لبنان تحت استبداد الوصاية وأجهزة الاستخبارات المتعددة الجنسية! - وهكذا، فإن الوصول الى نتائج عملية من خلال الحوار هو السبيل الوحيد بين الزعماء اللبنانيين. وكل رهان آخر هو جهل مطبق بالعبر الواجب استيعابها من حروبنا الماضية ومن كل ما يجري في مناطق الجوار! عصام خليفة مؤرخ ضد معنى الدولة جوابي هو الآتي: إما أن تكون الجبهات العربية كلها مفتوحة لقتال العدو الاسرائيلي، وإما أن تكون جبهة الجنوب اللبناني مغلقة كما هي حال الجبهات الأخرى بلا استثناء. من سورية الى الأردن فمصر، وحده لبنان دون بلدان المواجهة الثلاثة هذه، يخرج على"الإجماع السلمي العربي"مع اسرائيل، ثمة هدوء أمني وجبهوي مطلق يعمّ هذه الجبهات الثلاث، فلِمَ يكون الجنوب اللبناني وحده الجبهة العسكرية المفتوحة، التي لا معيار قومياً ولا وطنياً ولا دولتياً ولا استراتيجياً ولا عسكرياً واضحاً ومعلوماً لمقاومتها؟ ثم أين هي المقاومة الحقيقية؟ ما هي فعائلها؟ ومتى تحصل؟ وإلامَ تفضي؟ ومن يقرر فائدتها وإيجابياتها؟ وفي حال الاقتناع باستمرار هذه المقاومة لضرورات وطنية عليا لا نعرف حتى الآن ما هي، لماذا لا تكون هذه المقاومة فعلاً لبنانياً وعربياً شمولياً ليؤتي ثماره التحريرية المرجوة؟ هذه الأسئلة توجب، من جهة، غلق جبهة الجنوب وسحب سلاح"حزب الله"ليصير حزباً مدنياً لبنانياً فحسب، وتوجب، من جهة أخرى، مواصلة العمل الديبلوماسي عبر الأممالمتحدة لتحرير ما تبقى من الأراضي اللبنانيةالمحتلة. أعتقد أنه آن الأوان، لبنانياً وعربياً ودولياً، لرفع عبء هذا السلاح عن لبنان وبلاد العرب، وفلسطين خصوصاً. هو سلاح يمنع لبنان من أن يكون دولة، ولا يساعد فلسطين في أن تستعيد فلسطينها. عقل العويط شاعر حال من الحيرة إنني في حال من الحيرة ازاء هذه القضية، والسجال قائم بيني وبين نفسي، خصوصاً انني من شهود ولادة جبهة المقاومة الوطنية التي طردت اسرائيل من بيروت ومن معظم مناطق الجنوب. محمد دكروب كاتب شريك مضارب للدولة هذا السلاح، منذ الانسحاب الاسرائيلي تحوّل شريكاً مضارباً للدولة اللبنانية، ومنذ الانسحاب السوري اكتسب رتبة أعلى، إذ أصبح سلاحاً في يد حزب يجيّر مقاومته لمصلحة نظام احتل لبنان طوال خمس عشرة سنة، وبالتالي، لا مفرّ من التساؤل إن لم يكن من الجائز وصف هذا السلاح بأنه الذخيرة التي خلَّفها وراءه جيش البعث في لبنان. لقمان سليم كاتب وناشر عبء ثقيل أخاف من هذا السلاح أن يكون مأموراً بأوامر من خارج حدود الجمهورية اللبنانية. أخاف من هذا السلاح أن يتحول الى عبء ثقيل على أكتاف من قاوموا وانتصروا يوماً! أخاف من هذا السلاح أن تنحرف رصاصاته نحوي. أخاف من هذا السلاح أن ينجب أسلحة لدى بقية الطوائف. أخاف من هذا السلاح أن يصبح ذريعة ليتحول لبنان الى أرض عمليات وتصفيات اقليمية ودولية. أخاف من هذا السلاح الواضح ان يحمي أسلحة مجهولة المصدر والأهداف. يحيى جابر شاعر قضية ناجمة عن غياب التوافق إن الخوض في موضوع سلاح"حزب الله"ضمن حدود التخيير بين مقولتي الإبقاء عليه أو سحبه، لا يؤدي، في نظري، إلا الى النفخ في نار السجال الإعلامي والسياسي المستعر على الساحة اللبنانية. فالمشكلة تعود الى الخلل الكبير الذي أصاب مرتكزات العقد الاجتماعي المؤسس للدولة اللبنانية، والذي لم تستطع إصلاحه"وثيقة الوفاق الوطني"لأنها لم تكن تستوفي الشروط الجوهرية لتأسيس عقد اجتماعي جديد تتوافق عليه مكوّنات المجتمع السياسي اللبناني. نظراً لذهنيتي المتفائلة، كنت أعتقد ان طاولة الحوار ستكون الإطار الأصلح في تاريخ لبنان الحديث للقيام بعملية النقد الواجبة تجاه العقد الاجتماعي اللبناني السابق، وإعادة تأسيسه على مرتكزات أوفى وأشد صلابة. ان قضية سلاح"حزب الله"هي واحدة من القضايا الأساسية التي نتجت من غياب التوافق بين اللبنانيين حول مفهوم الدولة وغايتها، وأهداف الاجتماع اللبناني وشروطه، وحول المبادئ الراعية للقيم الاجتماعية والسياسية العامة، والمؤسسة لمفهوم المواطن، والناظمة لآليات السلطة، والضابطة لقواعد العلاقات القائمة بين الحاكم والشعب الذي ولاّه. فلو استطاعت"طاولة الحوار اللبناني"ان تؤسس لعقد لبناني جديد، لكانت مسألة السلاح وتحديد المبررات للإبقاء عليه، والظروف الموضوعية التي تؤدي الى انتفاء مبررات حمله، قد انتهت بما يصون وحدة اللبنانيين ويعزز ثقتهم بدولتهم. فهل يعي المجتمعون باسم الشعب اللبناني خطورة ما فاتهم لغاية اليوم، ويستدركون؟ أدونيس العكرة مفكر لا معنى للسلاح بلا ثقافته لا معنى لسلاح"حزب الله"، من دون الثقافة الموضوعة في خدمته، وهي ثقافة مقاومة المحتل الاسرائيلي للبنان. بل هي ثقافة عريقة أريق في سبيلها دم جوهري متعدد وموحد، بل هي ثقافة قائمة قبل تأسيس"حزب الله"، بلورتها أفكار وتيارات سياسية ودينية، وعلمانية مختلفة. كان الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين يقول بالمقاومة المدنية الشاملة، وأعتقد أن الإمام المغيّب موسى الصدر كان يقول بفكرة الشعب المسلّح في مواجهة اسرائيل باعتبارها، تبعاً لتعبيره، الشر المطلق. حسناً، سلاح"حزب الله"، لا معنى له خارج إطار الجانب العسكري من ثقافة المقاومة... هذا أولاً... يستتبع ذلك مباشرة سؤال حول موضوع المقاومة ومداها. مبدئياً المقاومة هي مقاومة المحتل الاسرائيلي للبنان... أو لأجزاء منه. فهي ليست مقاومة في المطلق، وليس في ادعائها تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة... من فلسطين الى الجولان... ذلك لا يمنع وجود رؤية تملكها في مجمل الصراع العربي - الاسرائيلي، إلا أن موضوعها العملي وحدود عملياتها العسكرية، هي محض لبنانية... بما في ذلك الجزء المتبقي قيد الاحتلال من مزارع شبعا. في هذا الإطار وهذه الحدود، أنا كمثقف لبناني، أؤيد وجود سلاح"حزب الله"كمقاومة لبنانية ضد اسرائيل... بل أنا مستعد لحمله مع المقاومة. أما لجهة أن هذا السلاح، من ناحية إمرته وحركته على الأرض، يتعارض مع مبدأ سيادة الدولة اللبنانية على الأراضي اللبنانية كافة، وكونها تملك وحدها دون سواها حق تقرير السلم والحرب والعدو والصديق، فهذه الإشكالية مسبوقة بإشكالية أعمق وأبعد غوراً كائنة في المجتمع الأهلي اللبناني، ما هو؟ وفي الدولة المنبثقة عن المجتمع، ما هي؟ ولحدّ الآن، على ما أعتقد، ما زلنا مجتمعاً قيد الإنجاز، ودولة قيد الإنجاز... مع ما يكتنف ذلك من حروب وأفكار ومحاورات... دائماً كان ثمة في لبنان، نُخَب وأفراد، أصحاب أفكار وإبداعات ومشاريع ثقافية وسياسية واقتصادية، عبقرية وفريدة، وهي متجاوزة لبطء الدولة وفسادها السياسي والاجتماعي، وسابقة لبطء الانصهار الاجتماعي وعقده ومشكلاته... وإذا كان لا بد لي من الاختيار بين الدولة على ما هي عليه، وبين النخبة، سواء كانت شخصاً كجبران خليل جبران مثلاً، أو كالمقاومة، فأنا مع النخبة والطليعة. محمد علي شمس الدين شاعر معركة مع النفس الكلام على"حزب الله"كحالة خاصّة ضمن التركيبة السياسية اللبنانية يقتضي بالضرورة الكلام على لبنان بصفته وطناً خاصّاً بتكوينه الطائفي الذي يساعد على أن يكون ساحة للصراعات الإقليمية والدولية. وإذا كان"حزب الله"يعلن عن انتمائه الديني بدءاً من اسمه ويخلط فوراً بين الدين والسياسة، فثمة أحزاب سياسية لبنانية أخرى لا تشير من خلال تسميتها المعلَنة إلى الدين، لكنها في الواقع أحزاب دينية، أو الأصحّ أحزاب طائفية. المقاومة التي قاومت في الجنوب وانتصرت، مدعوّة اليوم إلى خوض معركة جديدة مزدوجة: مع نفسها أولاً، حتى لا تغرق في الوحل الطائفي، ومع لبنان للمساهمة في إنقاذه من الوضعية الطائفية التي لا تقلّ خطراً عن الأعداء المتربصين به. لكن السؤال: هل يستطيع"حزب الله"القيام بهذا الدور؟ ألا تشكّل الصفة الدينية للحزب عائقاً في وجه انخراطه في مشروع وطني والسعي إلى بناء مجتمع مدني ديموقراطي ينقل لبنان من مرحلة ما قبل الدولة وما قبل القانون وما قبل المواطَنة، كما الحال في معظم الدول العربية الآن، إلى مرحلة الدولة والقانون والمواطَنة؟ وفي مرحلة الدولة، هل يحتاج الجيش داخل البلد الواحد إلى جيش آخر يسانده ويكوّن له خطته واستراتيجيته وتحالفاته؟ والأهمّ، هل يعود استعمال الدين ممكناً لإعطاء شرعية للسياسة ولتبرير الحكم المطلَق والرأي المطلَق، ولإضفاء صفة القداسة على بعض السياسيين الذين يتحدثون باسم الله أو باسم هذه الطائفة أو تلك؟ وهل ثمة شروط أخرى غير هذه يمكن أن تصالح لبنان مع نفسه، وتبعده من شبح حروبه الأهلية، وتجعله قادراً على مواجهة الأخطار الخارجية؟ السؤال الآخر الملحّ الذي يُطرَح على"حزب الله"اليوم، وهو نفسه السؤال المطروح على جميع الفرقاء في لبنان: هل نرضى ونقبل بأن نكون جزءاً من هذا الوطن، فننتمي فعلياً إليه ونعمل على ترسيخ القواسم المشتركة بين أبنائه والتي لا تنبني الأوطان من دونها؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فما الذي يبرّر تعاملنا مع قوى تسعى إلى عرقلة توحيد هذا الوطن ولا تساعده على الخروج من تناحراته الطائفية ونزاعاته المستدامة بل تعمل على تعميقها وتكريسها كمن يضغط بقوة على رأس غريق لكي يكون أكثر غرقاً؟ عيسى مخلوف شاعر مع السلاح... وأكثر... ولكن! أقول: إنني أؤيد سلاح"حزب الله"تأييداً مطلقاً، بل وأدعو الى زيادته، ما دام قد أثبت بما لا يقبل الشك انه ليس موجهاً الى الداخل اللبناني. وبصراحة، لا يهمني إن"أجمع"اللبنانيون على هذا السلاح أم لا. فتاريخياً، وفي عز أيام المقاومة الفرنسية مثلاً، لم يكن هناك"إجماع"على المقاومة، بل العكس هو الصحيح! لكن ما أتمنى على"حزب الله"أن يفعله هو ألا يحصر هدف سلاحه بتحرير شبعا وكفرشوبا، بل ولا أن يحصره بپ"السياسة الدفاعية"عن لبنان، إذ ينبغي على السلاح أن يبقى مصوناً الى حين عودة الأسرى، واللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والحصول على خرائط الألغام، ووقف الانتهاكات البرية والجوية وسرقة المياه اللبنانية. وأجرؤ على القول انه حتى لو تحققت هذه الامور، فإنه لا يمكن أن نأمن شر العدو الاسرائيلي! لذا ينبغي بقاء السلاح وتعزيزه، الى أمد لا يبدو قريباً. على أن ذلك لا يعني تأييد سياسة"حزب الله"اللبنانية، ولا سيما في ما يتعلق بتحالفاته الانتهازية في الداخل، أو بپ"تقديسه"لنفسه. فپ"حزب الله"جزء من عالمنا"الدنيوي"، حتى لو كانت إيديولوجيته دينية. ولذلك فإن عليه أن يتقبل النقد، الذي هو - في ذاته - نقيض المقدس، إذ لا أفق للمقاومة إلا بالنقد الجذري لكل الأخطاء. وعليه أيضاً ألا يختزل المقاومة في سلاحه وحده: فانتصار 5 أيار مايو 2000 لم يتحقق بسلاح"حزب الله"فقط بل بسلاح المقاومات العلمانية قبله أيضاً، وبأشكال أخرى كذلك من المقاومة، وعلى رأسها المقاومة المدنية والثقافية. سماح إدريس كاتب، رئيس تحرير مجلة"الآداب" قوة لبنان ليست في عسكرته لا لبقاء سلاح، أي سلاح، في يد أي جماعة، عدا القوات المسلحة الرسمية. هذا مبدأ أي مواطن ينشد سلامته وسلامة أسرته وبلده، ولا"يطمح"لا الى نموذج الصومال ولا الى نموذج غزة. وكلبناني أقول بإصرار، حتى السلاح الذي تملكه الدولة يجب أن يكون خاضعاً للسلطة السياسية، المنتخبة ديموقراطياً. بل أقول إن الجيش اللبناني نفسه يجب ألاّ يكون كثير التسليح أو كثير العديد. قوة لبنان في لا عسكرته. "حزب الله"، اليوم، هو الحال الميليشياوية الوحيدة في لبنان للتوضيح: الميليشيا ليست شتيمة، إنها صفة كل جماعة مسلحة غير نظامية. وهذا الحزب برهن في السنة الأخيرة، على الأقل، أن سلاحه عامل حاسم في الابتزاز السياسي الطائفي، ويخضع لأجندة غير لبنانية، ويشكل معقلاً للتدخل السوري، كما أنه يشكل ذراعاً إيرانية في قلب المشرق العربي. والأسوأ، أن"حزب الله"، وبعد 16 عاماً على انتهاء الحروب في لبنان، يحفظ، عمداً، نمطاً من الاجتماع والعمران وموارد الارتزاق شبيهاً بپ"الغيتو"، أي يصون معاقله المذهبية كدولة داخل الدولة، ليحافظ على جمهور واسع لا يستطيع العيش إلا بوجود غيتو كهذا، ولا يستطيع الفكاك من شبكة المصالح التي نسجها الحزب طوال 24 سنة. إنه، بعد الدولة، ثاني أكبر رب عمل في لبنان بأموال إيرانية. السلاح، بهذا المعنى، يغدو هوية وامتيازاً... ومهنة. وهذه الهوية أو المهنة تستدعي، بالضرورة، شروط ديمومتها: إبقاء حال الحرب، أو التهديد بالحرب أو التخويف بالحرب. وفي حال"حزب الله"نجد: حب السلاح، وطلب الحرب. هذا، يتطلب أيضاً حب الموت وطلب"الشهادة"ومديح الحرب. إنه، على خلاف رغبة اللبنانيين، يسعى إلى تأبيد الحرب واعتناقها أسلوب عيش نهائي، وتأجيل"بناء الدولة"الى أمد غير منظور. وتجنيد لبنان"مقاوماً"بالنيابة عن سورية، وپ"مشاغباً"بالنيابة عن إيران، وپ"ساحة"لإرهابيين موصوفين، وأرضاً سائبة لكاتيوشا ما هب ودب من جماعات الانتحار والقتل والاستباحة. المفارقة الكبرى، أن أهل الجنوب اللبناني الذين قاتلوا، بشراسة، فلتان السلاح الفلسطيني على أرضهم، بل لم يمتعضوا كثيراً وهم يرون دبابات الاجتياح الإسرائيلي وهي تطارد فلول منظمة التحرير الفلسطينية... يأخذهم"حزب الله"، ثانية، الى الدوامة نفسها، ويقنعهم بأنهم هم"المكلَّفون"- وحدهم تقريباً -"تحرير"الجولان وفلسطين والعراق، والذود عن برنامج إيران النووي. أثمان كل هذا: أولاً، جعل الشيعة في لبنان مستنفرين بسلاحهم ومستقوين على الدولة وعلى غالبية اللبنانيين، علاوة عن جعلهم ضحايا دائمين. ثانياً، استئناف الحروب بالوكالة على أرض لبنان وجنوبه. ثالثاً، منع قيام دولة مستقلة ذات سيادة في لبنان. رابعاً، تمديد البؤس الاقتصادي ووقف التنمية. خامساً، تيئيس العالم من شفائنا، وتيئيس الناس من أوطانهم ودفعهم الى الهجرة. أبغض أمر، أن يكون الحزب ليس في وارد تنفيذ أجندة جهنمية كهذه، بل يستعمل مخاوفنا منها لفرض جملة"امتيازات"سياسية شديدة الوطأة وپ"أتاوة"طائفية باهظة الكلفة. اليوم، أجد نفسي في نزاع محموم: "حزب الله"يريد استضافة أحمد جبريل، وأنا أريد استضافة جيانفرنكو فرّيه."حزب الله"يريد جلب الصواريخ، وأنا أريد جلب السيّاح."حزب الله"يحتفي بمجالس التعزية، وأنا أحتفي بحفلات ريكي مارتن."حزب الله"يستنكر الضحك، وأنا أستنكر التجهم."حزب الله"يعشق الاستعراضات العسكرية، وأنا أعشق عروض الأزياء. في هذا الموضوع، الديموقراطية لا تحل الخلاف. نحن نتكلم على حياة جمهورية أو موتها. يوسف بزي شاعر الرعب خسارة الوطن والدولة إن مفردات كسلاح وميليشيا تشكل رعباً لأي لبناني. بصفتي محللة نفسية، أعتبر رعب هذه المفردات للكيان اللبناني مثل الرعب من العارض المرضيSympt™me الذي يحمله العليل ويرميه في وجهي. بالنسبة الى التحليل النفسي، لا تكمن المشكلة في العارض، حتى ولو كان التعبير الأكثر قسوة وجنوناً، إنما في ما وراء العارض. من هنا لا يرعبني هذا العارض"اللبناني"الذي يعبر عنه الشيعة. الشيعة منذ لحظة تكونهم يعيشون تحت وطأة"تروماتيزم"بنيوي مع مقتل الحسين"حبيبهم". تضاعف ذلك عبر إقصائهم ورميهم أمام إسرائيل. للمرة الأولى في تاريخهم، يجد الشيعة أنفسهم في موقع المدافع عن"مقاومتهم"ضد كل ذلك التاريخ من النبذ والإبعاد والقهر والتدمير على يد القوى العالمية والمحلية. يشكل الامتداد العربي حضناً راعياً للطائفة السنية، لذلك فهم في حال أمان نسبي. المسيحيون بتحالفهم التاريخي مع الغرب ولغاته وحداثاته يدافعون عن"نوعية"وجودهم الحضاري. لكل من هؤلاء الأطراف سلاحه. كلمة كان هذا السلاح أو حلفاً أو بندقية. الكلمة تقتل. الحلف يهيمن. البندقية تهدد. إذا بقي الجميع أمام العارض وتم تضخيمه تفاقم المرض. سلاح المقاومة هو العارض لداء عضال هو غربة ناس هذا الوطن بعضهم عن بعض. الرعب هو خسارة الوطن والدولة. أنيسة الأمين عالمة نفسانية