تعاطف اللبنانيون في الماضي مع شباب المقاومة الوطنية اللبنانية لدى قيامهم بأية عملية عسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكانوا يفرحون ويهللون لكل إصابة في صفوف العدو الجاثم على صدر وطنهم. وكان يشترك في هذه العمليات البطولية شباب من كل المناطق ومن مختلف الطوائف. واستطاع هؤلاء الشباب المنتمين إلى أحزاب عقائدية علمانية وحركات وطنية وإسلامية، تنفيذ عمليات نوعية ضد القوات الإسرائيلية، أدخلت الرعب في نفوس الجنود الصهاينة، وقتلت الكثيرين منهم. واستشهد في هذه العمليات العشرات من المقاومين الأبطال، الذين رفضوا الخنوع والإذلال وأبوا مشاهدة العدو المحتل يدنس أرض وطنهم. وفي خضم المواجهات المسلحة بين المقاومة الوطنية الجامعة لتيارات وطنية عدة وبين قوات الاحتلال، أتى القرار السوري بإعطاء «حزب الله» الحق الحصري في المقاومة، واستبعاد الأحزاب الأخرى من المشاركة في الواجب الوطني. ونتيجة لذلك تطيفت المقاومة وتبدل اسمها إلى «المقاومة الإسلامية»، ومُنع بعدها المسيحيون الذين كان لهم دور بارز في المقاومة الوطنية، والمسلمون من غير الملتزمين ب «حزب الله» من المساهمة في تحرير بلدهم من العدو الإسرائيلي. وانحصرت بعدئذ مهمات مقاومة العدو المحتل ب «حزب الله»، الذي أثبت عن جاهزية كاملة وتنظيم قوي وتدريب متطور وتجهيز جيد بالأسلحة والمعدات واستعداد للتضحية في سبيل استرداد الأراضي المحتلة من جنوب لبنان. واستطاع الحزب بمقاومته الشرسة وتضحياته الكبيرة من دحر العدو إلى فلسطينالمحتلة في أيار (مايو) 2000. ودعمت غالبية اللبنانيين المقاومة الإسلامية، وتحملت تداعيات الردود الإسرائيلية على البنى التحتية اللبنانية خصوصاً محطات توليد الكهرباء وشبكات توزيعها الرئيسية. واعتقدت أن الأمور في لبنان ستعود إلى طبيعتها مع انسحاب القوات الإسرائيلية، لكنها فوجئت بموقف «حزب الله» الداعي إلى متابعة المقاومة من أجل تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي وُضعت بموجب القرار الدولي 242 ضمن الأراضي المحتلة عام 1967. وما أثار هواجسها وقلقها، إعلان الحزب موقفه بعد إنجاز الانسحاب الإسرائيلي، وعدم سعيه لدى دمشق الذي يرتبط معها بعلاقة تحالفية متينة من أجل الحصول على مستندات تؤكد لبنانية المزارع والتلال وبأن احتلالها تم بعد عام 1967. وكان «حزب الله» يبتعد خلال الوجود الإسرائيلي في لبنان، عن التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، ولكن ما أن تحرر القسم المحتل من جنوب لبنان المشمول في القرار الدولي 425، حتى بدأ يتعاطى مع الشؤون الداخلية بطريقة فوقية، ويفرض شروطه ورؤياه على الحكومة بطريقة استئثارية. وكان يعتمد في تعامله مع الدولة، على سلاحه الذي يضاهي سلاحها كمية وقوة وتطوراً، وعلى جماهيره التي استحوذ على تأييدها نتيجة خدماته الاجتماعية والتربوية والصحية وحمايته المخالفين منهم، إضافة إلى الدعم الإقليمي. وكان الهدف الرئيس من حصرية المقاومة ب «حزب الله»، إعطاء الحزب دوراً مفصلياً في الصراع العربي – الإسرائيلي، ودوراً بارزاً في السياسة اللبنانية والقرار الوطني. وكانت دمشق تؤمن له، خلال وصايتها على لبنان، الدعم السياسي واللوجستي، بينما تولت إيران مده بالسلاح والمال ومهمة تدريب عناصره على الطرق القتالية واستعمال المعدات الحربية الحديثة. وأصبح الحزب بعد أقل من عشرين سنة من نشوئه، تنظيماً عسكرياً قوياً مجهزاً بأحدث الأسلحة والتقنيات العسكرية ومدرباً تدريباً يفوق تدريب القوى النظامية في كثير من الدول المتطورة. وأثبتت حرب تموز (يوليو) 2006 كفاءة الحزب القتالية، ما دفع بالعدو الإسرائيلي إلى الاعتراف بفشله في تحقيق أهداف تلك الحرب. ويشكل الحزب اليوم الركن الأساس في المحور الإقليمي، حيث تعمد دمشق إلى الإفادة من وجوده في تعزيز موقعها في المنطقة، وفي مفاوضاتها المرتقبة مع إسرائيل من أجل استرجاع الجولان المحتل. وتعتبره طهران أحد تشكيلاتها العسكرية الرئيسة الجاهزة لمساندتها والتخفيف عنها لدى تعرض مفاعلاتها النووية إلى عدوان خارجي. وبعد أن انتفت الحاجة إلى سلاح المقاومة من أجل تحرير بقية الأراضي اللبنانية المحتلة، إثر تمركز قوات «اليونيفيل» جنوب نهر الليطاني، بدّل الحزب الأهداف المعلنة لسلاحه من التحرير إلى حماية لبنان. وانخرط بصورة كاملة في الشؤون الداخلية، واستخدم سلاحه في الصراع السياسي الداخلي، ما أدى إلى حصوله على الثلث المعطل في الحكومة وتشريع سلاحه في البيان الوزاري والإمساك بالقرار الوطني والتحكم بقرارات الحكومة. ويستبق الحزب البحث في سلاحه على طاولة الحوار بتأكيده على بقائه بقاء الخطر الإسرائيلي، وأن أقصى ما يقبل به هو التزاوج بين سلاحه وسلاح الدولة، ما يعني رفض وضعه في كنف الدولة أو إمرتها، وبقاء قرار الحرب والسلم في يده حتى انتهاء إيران من تصنيع القنبلة النووية وانتهاء الصراع العربي – الإسرائيلي. ولا يوجد خلاف بين اللبنانيين على أن يكون السلاح لمقاومة إسرائيل، والمساهمة مع القوات المسلحة اللبنانية في حماية لبنان وتحرير بقية أراضيه. ويكمن الخلاف من استعماله في الداخل، فلا يعود له عندئذ صفة السلاح المقاوم. وهناك شريحة كبيرة من اللبنانيين ترفض جر البلد مجدداً إلى حرب جديدة مع إسرائيل، بقرار يتخذه «حزب الله» وحده وبالتنسيق مع دمشقوطهران، ومن دون موافقة السلطة الشرعية اللبنانية. ويرفض «حزب الله» التخلي عن سلاحه وعن قرار الحرب والسلم تحت أي ضغط أو تهديد، مستنداً إلى النظام الطائفي القائم في لبنان، حيث تعتبر غالبية الطائفة الشيعية أن سلاح المقاومة له خصوصية شيعية، وهو ضروري لحمايتها من الاعتداءات الإسرائيلية لافتقار الجيش اللبناني إلى الإمكانات البشرية والمادية اللازمة، وحماية مصالحها وموقعها البارز وتأثيرها الفاعل في السياسة اللبنانية. بينما تجد غالبية اللبنانيين في سلاح الحزب تهديداً لمصالحها ولاستقرار لبنان وازدهاره، وتطالب بفك ارتباطه بالقضايا الإقليمية وحصر مهمته في الدفاع عن لبنان بالتنسيق مع الجيش والسلطة السياسية، وعدم استخدامه أو التهديد به في الصراع السياسي الداخلي أو من أجل غايات حزبية أو مصالح طائفية. وترى أن وجود السلاح في يد فئة من دون أخرى يخل بالتوازن الداخلي والسلم الأهلي، ويجعل طرفاً أقوى من طرف ويستطيع أن يفرض رأيه بالترهيب والتهويل. لذا، فإن على طاولة الحوار المزمع عقدها في القريب، التوصل إلى اتفاق على صيغة للاستراتيجية الدفاعية تنسجم مع قرارات مجلس الأمن، يتم في إطارها وضع ضوابط لامتلاك سلاح الحزب واستخدامه، لئلا يبقى استخدامه مثيراً للخوف والهواجس، خصوصاً أن آثار استخدامه في بيروت وبعض أطراف الجبل ما زالت ماثلة في الأذهان، كما أن لبنان لم ينته بعد من إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في حرب تموز 2006. وخلاصة القول، إن غالبية اللبنانيين ترى أن تكون مهمة سلاح «حزب الله» في الظروف الراهنة، ولغاية التوصل إلى حصرية حمل السلاح بالقوى العسكرية والأمنية الشرعية اللبنانية، حماية لبنان وردع إسرائيل من الاعتداء عليه، وليس المشاركة في حروب الآخرين والدفاع عن قضاياهم وتحقيق أهدافهم. * كاتب لبناني