اجتماع الطاولة المستديرة السعودي - الأمريكي يبحث فرص الشراكات وتبادل الخبرات في صناعة الطيران    الفالح: 600 شركة عالمية افتتحت مقراتها في السعودية    أبو الغيط: العرب لن يقبلوا بإخلاء فلسطين من سكانها الأصليين    كوريا الجنوبية تتجه لإقامة علاقات دبلوماسية مع سورية    "زين السعودية" و"هواوي" توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز تجربة "حج 2025" عبر الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات    "البيئة" توقع مذكرة تفاهم لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي    استشهاد فلسطيني في قصف إسرائيلي على رفح.. واعتقال 70 فلسطينيًا في الخليل    تراجع أسعار الذهب بعد تصريحات جيروم باول    حكومة لبنان: بيان وزاري يُسقط «ثلاثية حزب الله»    منصة "حوار في العمق" تناقش التحولات الإعلامية واستراتيجيات التطوير    «اليونسكو» تستشهد ب«سدايا» نموذجاً عالمياً في دمج البيانات والذكاء الاصطناعي    «أرسين فينغر» يطلع على استراتيجية المنتخبات والإدارة الفنية    ليث نائباً لرئيس الاتحاد العربي لكمال الأجسام    الكناني يدشّن مهرجان «نواتج التعلم» في متوسطة الأمير فيصل بن فهد بجدة    السعودية تتسلّم رئاسة الشبكة العالمية لسلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد    الصيد.. تجربة متكاملة    المملكة تواصل جهودها الإنسانية عالميًا عبر «الملك سلمان للإغاثة»    الدول العربية تبلغ واشنطن رفض خطة ترمب لغزة    بعد البشر والحجر.. الاحتلال يستهدف «المكتبات الفلسطينية»    متسابقة «مبتورة الأطراف» في أصعب برنامج مغامرات    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يترأس وفد المملكة في الافتتاح.. «قمة باريس» تناقش الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية    مملكة الأمن والأمان    القيادة تهنئ الرئيس الإيراني بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يرعى الحفل الختامي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل    «ريمونتادا» مثيرة تقود ريال مدريد لكسر عقدة مانشستر سيتي بفوز تاريخي    شعرت بالاستياء لرحيل نيمار.. جيسوس: إمكانات" صلاح" تناسب الهلال.. ورونالدو فخر للبرتغاليين    "بونهور" مديراً فنياً لاتحاد كرة القاعدة والكرة الناعمة    سلمان بن سلطان: القيادة تولي اهتمامًا بتنمية المحافظات    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد يؤكد : رفض قاطع لتصريحات إسرائيل المتطرفة بتهجير الفلسطينيين    مناقشة سبل مكافحة الأطفال المتسولين    إزالة «العقارات العشوائية» بمكة ينشط أسواق المستعمل والسكراب    قرد يقطع الكهرباء عن بلد بالكامل    من أعلام جازان.. المهندس يحيى جابر محسن غزواني    انطلاق فعاليات الاحتفاء بيوم التأسيس بتعليم جازان تحت شعار "يوم بدينا"    أمير القصيم يكرم 27 يتيمًا حافظًا للقرآن    "التعزيز والإبداع في القصة القصيرة" و"ليلة العباس والمطمي" ضمن فعاليات معرض جازان للكتاب ٢٠٢٥م    فنانة مصرية تتعرض لحادث سير مروع في تايلاند    توثيق تطور الصناعة السعودية    الساعاتي..عاشق الكتب والمكتبات    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    أمير منطقة المدينة المنورة يرأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة    أمريكية تفقد بصرها بسبب «تيك توك»    «حملة أمل» السعودية تعيد السمع ل 500 طفل سوري    بعض نقاط التمييز بين اضطرابات الشخصية    بصراحة مع وزير التعليم !    صندوق الاستثمارات العامة شريكاً رسمياً لبطولة السعودية الدولية للسيدات للجولف    «المحتوى الشبكي».. من التفاعلية إلى الاستقطاب!    ما بعد الإنسانية    تعال.. فقد عشنا من الأزل    أوغندا تسجل إصابات بإيبولا    الاستحمام البارد يساعد على النوم    القشطة والفطائر على وجبات الإفطار بالمسجد النبوي    توجّه لعقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة مؤسس الجمهورية    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    الإنسان قوام التنمية    "مفوض الإفتاء بعسير": يستقبل آل جابر المُعين حديثًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بيت عربية»... قصة صمود وتحد
نشر في الحياة يوم 28 - 09 - 2011

حكاية سليم شوامرة وعائلته مثل قصص كثير من المقدسيين الذين هدمت إسرائيل منازلهم بحجة البناء من دون رخصة، لكنها تختلف عن حكايا الآخرين في المدى الذي ذهب إليه في التحدي والمقاومة... والنتيجة هدم منزله 4 مرات بانتظار هدمه للمرة الخامسة تنفيذاً لأمر إسرائيلي، وتحويله من بيت للسكن الى مخيم صيفي أُطلق عليه «بيت عربية» (اسم زوجته)، وبات يستضيف متضامنين أجانب وإسرائيليين كل صيف لمدة 20 يوماً يعملون خلالها على إعادة بناء منازل هدمتها إسرائيل في القدس الشرقية المحتلة، إضافة الى تنظيم جولات في القرى للتعرف الى معاناة الفلسطينيين نتيجة السياسات والإجراءات الإسرائيلية.
وشوامرة ليس غريباً على الاقتلاع، فأهله رحلوا من الناعمة شمال الجليل الأعلى (مسغاف حالياً) الى البلدة القديمة في القدس حتى عام 1967، قبل أن يرحلوا مجدداً الى مخيم شعفاط في القدس. عمل في الخليج مدة من الزمن قبل أن يعود الى القدس حيث اشترى أرضاً في قرية عناتا في القدس لبناء بيت له ولعائلته. وهنا بدأت كل متاعبه دفعة واحدة. فعناتا مثلها مثل الكثير من القرى والمدن الفلسطينية تخضع للتقسيمات الإدارية والسياسية والأمنية الإسرائيلية، فهي مقسمة الى 3 أجزاء، جزء ضمته إسرائيل لها، والآخر تحت الاحتلال (منطقة ج)، وثالث تابع إدارياً للسلطة، وأمنياً لإسرائيل (المناطق ب).
روى شوامرة ل «الحياة» حكايته مع الاحتلال الإسرائيلي وهدم منزله المتكرر، فبدأ بالقول: «إسرائيل تحاول أن تصوّرنا كأننا مجرمون يبنون من دون تصريح، وأنها تلتزم القانون. نحن لا نحب البناء بلا تراخيص حتى لا تحدث فوضى، لكن إسرائيل ترفض إعطاءنا تصاريح بناء، ونحن نعيش تحت الاحتلال الذي وضع القوانين لتخدم مصالحه وليس مصالحنا».
قدم شوامرة طلب تصريح بناء 3 مرات ما بين عامي 1990 و1994، لكنها رفضت جميعاً، تارة بحجة أن الأرض خارج التنظيم وأنها زراعية، وتارة أخرى بحجة أن هناك ميلاً زائداً في الأرض، علماً أن القدس مقامة على جبل وأن دور الجرافات هو تمهيد الأراضي المائلة. وفي المرة الثالثة أكدوا له في الإدارة المدنية أنهم سيوافقون على طلبه، وعلى رغم ذلك رُفض الطلب مجدداً بعد عام ونصف العام بحجة أنه فاقد لتوقيعين في صك ملكية الأرض، على رغم تأكيد شوامرة انه ختم صك الملكية من وزارة الداخلية الإسرائيلية ومن الإدارة المدنية في بيت إيل عندما اشترى الأرض.
في هذه الفترة من عام 2004، كانت أجواء السلام واتفاق أوسلو تلقي بظلالها على العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، فقرر شوامرة بناء البيت من دون ترخيص، وسكنه وزوجته وأولاده الستة أربعة أعوام حتى 9-7-1998. وهذا يوم يتذكره جيداً، إذ بينما كان يتناول طعام الغداء مع عائلته، سمع جلبة في الخارج، ليتبين أن البيت محاط بنحو 400 جندي إسرائيلي أخبره قائدهم أن عليه إخلاء المنزل خلال 15 دقيقة قبل أن تهدمه الجرافة. مرت لحظات رهيبة حاول خلالها شوامرة المقاومة، فضربه الجنود بأعقاب بنادقهم قبل أن يكبّلوا يديه على مرأى من أبنائه. وسارعت زوجته الى إغلاق باب البيت، فما كان من الجنود إلا أن كسروا الشبابيك وألقوا بقنابل مسيلة للدموع لإجبار العائلة على الخروج. فقدت الزوجة الوعي ونقلت الى المستشفى، في حين هبّ الجيران للنجدة، فأطلق الجنود عليهم النار وأصابوا سبعة، بينهم رجل أصيب بعيار في بطنه وكليته وما زال يعاني حتى اليوم نتيجة ذلك. ثم بدأت الجرافة بهدم البيت واقتلعت غالبية الأشجار المثمرة المزروعة حوله، وحتى قن الدجاج والحمام لم يسلم منهم.
كانت معركة. توقفت الجرافة وهدأ الغبار، لكن «الموت كان ينتشر في المكان: الدجاج ميت، والشجر مكسّر ومقتلع... بين الحياة والموت لم يكن هناك فرق». هكذا كانت الدنيا في عيني شوامرة في تلك اللحظات، مستدركاً: «لا مفر، بقيتُ لأنه لا مكان آخر أذهب إليه».
وما لبث أن جاء الصليب الأحمر، وكما بعد كل النكبات، أعطى العائلة خيمة للمبيت فيها. ثم جاء ممثلون عن «إيكاد» (الحركة الإسرائيلية ضد هدم البيوت) و«قررنا إعادة بناء البيت كعمل لاعنفي في مقاومة الاحتلال»، قال شوامرة. شاركه عشرات المتضامنين الأجانب والإسرائيليين في البناء، وانتهوا بعد 20 يوماً من بناء هيكل البيت في 2-8-1998. لكن فجر اليوم التالي، جاء الجيش وهدم البيت ودمر كل شيء، بما في ذلك ما تبقى من شجر، وفكّك حتى الخيمة التي قال شوامرة أن نصبها في الأرض يتطلب الحصول على تصريح.
ولأن ما جرى تم على مرأى من المتضامنين الأجانب، ولأن وسائل الإعلام غطت قصة رجل يحاول أن يبني منزلاً له ولأولاده فيهدمه الجيش، نشرت صحيفة «هآرتس» خبراً من وزارة الدفاع تعلن فيه أن سبب هدم المنزل غياب توقيعين على صك الأرض. وهنا بدأت قصة جديدة في المماطلة والمماحكة. يقول شوامرة: «أرسلنا المحامي ليستفسر عن التوقيعين، وزار الوزارة على مدى 3 أشهر، من دون جدوى، فما كان مني إلا أن جمعت تواقيع كل من يسكن في عناتا، وحملت 400 توقيع في ملف الى رئيس الإدارة المدنية، وقلت له: هذه أسماء كل من في عناتا، اختر منها التوقيعين المفقودين، فرد: لقد أضعنا الملف وفقدنا الأسماء».
عودة الى نقطة الصفر، لكن روح التحدي لا تنتهي. قال شوامرة: «بدأت أعمال البناء للمرة الثالثة في 9-7-1999، أي بعد سنة من الهدم الأول، واحتفلنا بوجود المتضامنين والإعلام، وانتظرنا الجرافة، فلم تأت. فبدأتُ بعد أشهر بتمديد الكهرباء والماء ووضع البلاط، الى أن انتهيت في 3-4-2001، وسكنّا البيت، حينها جاء الجنود برفقة جرافتين وهدموه للمرة الثالثة. وعندما عاد الأولاد من المدرسة، لم يكن هناك بيت».
تحدث شوامرة عن الانعكاسات النفسية لعمليات الهدم على عائلته، فقال: «إنها عملية هدم لعائلة كاملة»، موضحاً: «زوجتي أصيبت بصدمة بعد أول عملية هدم، وأصبحت واجمة ولا تتجاوب مع أحد، وبقيت على هذه الحال شهراً قبل أن أرسلها الى عمان للعلاج. ابني اختفى بعد عملية الهدم، وبعد 8 ساعات عثرنا عليه نائماً بين صخرتين في الوادي، واليوم عمره 18 سنة وحتى الآن لم يعد الى طبيعته. ابنتي مصابة بالخوف ولا تصدق إني أستطيع حمايتها أو الدفاع عنها، بل تقول لي: كيف تحمينا ونحن رأينا الجنود وهم يضربونك أثناء هدم المنزل؟».
على رغم ذلك كله، ذهب شوامرة في التحدي والمقاومة الى النهاية، وأعاد بناء المنزل للمرة الرابعة عام 2002، لكن جنود الاحتلال هدموه للمرة الرابعة بداية عام 2003، وفي منتصف العام نفسه، أُعيد بناء المنزل، لكن ليس للسكنى بل ليكون بيت سلام أُطلق عليه «بيت عربية»، وبُني في ذكرى مقتل المناضلة الأميركية ريتشيل كوري التي قتلتها جرافة إسرائيلية وهي تدافع عن قطاع غزة، وأيضاً في ذكرى مقتل نهى سويدان، وهي أم لعشرة أطفال انهار عليها جدار بيت جيرانها أثناء عملية إسرائيلية لهدمه.
وفي صيف 2003، استضاف البيت أول مخيم صيفي لإعادة بناء بيتين هدما. يقول شوامرة بفخر: «منذ ذلك الحين، بنينا 175 بيتاً في البلدة القديمة وشعفاط وبيت حنينا والضفة هدم منها 4 في المئة فقط.
ولم تنته قصته هنا، إذ تعرّض شوامرة للمحاكمة، فتوجه الى المحكمة العليا التي حكمت عام 2009، وبعد مداولات استمرت عامين، بهدم البيت، وبأن يدفع تكاليف المحامي، وأن يهدم بيته بنفسه أو يدفع ثمن الهدم، ولأنه لم يدفع 8 آلاف شيكل (نحو ألفي دولار) أتعاباً للمحامين، كادوا أن يصادروا الأثاث في البيت، فاضطر الى الدفع.
واليوم، ما زال البيت مهدداً، وما زال صاحبه مستعداً لإعادة بنائه. وفي الانتظار، استضاف البيت 22 متضامناً في شهر تموز (يوليو) الماضي في إطار المخيم الصيفي. أما شوامرة، فيواصل عمله منسقاً ميدانياً في حركة «ايكاد». وكان أخيراً في زيارة لبريطانيا حيث شارك في احتفال «غرينبيلت» في تشيلتنهام الذي نُظم تحت شعار «أحلام الوطن»، وزار الجزر البريطانية ليوصل رسالة عدل وسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.