أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني، محمود عباس أبو مازن، الذي أصرت إسرائيل على استحداث منصبه لعدم رغبتها في التعامل مع الرئيس ياسر عرفات، أنه سيطالب نظيره الاسرائيلي ارييل شارون في اجتماعهما مساء غد السبت بأن يقبل هو الآخر ب"خريطة الطريق"، مثلما قبل بها الفلسطينيون. وإذا كانت شكوى شارون اليوم هي استمرار الانتفاضة التي يعد هو المسؤول عن اشعالها، لإصراره على دخول الحرم القدسي وتحدي مشاعر الفلسطينيين بعد فشل محادثات كامب ديفيد، فإن "ابو مازن" طالما أعلن عدم تأييده عسكرة الانتفاضة، ونادى بوقف العنف من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. وها هي اسرائيل تعلن نيتها الاعتداء على السيادة الاسلامية على الحرم القدسي من خلال تصريحات استفزازية لوزير أمنها الداخلي تساحي هنغبي. قال شارون انه لا ينوي اجراء مفاوضات سياسية مع "ابو مازن"، وسيركز حديثه معه في اجتماعهما على المسائل الأمنية ويحضه على ما يسميه "تفكيك منظمات الارهاب"، أي الفصائل الفلسطينية المسلحة، وليس محاورتها بقصد اقناعها بقبول هدنة لمدة سنة. وهذه وصفة لاشعال اقتتال داخل الصفوف الفلسطينية، ومن الواضح ان "ابو مازن" اوعى من ان يتبع هذه الوصفة التي تنبئ بأن هدف شارون ليس التوصل الى سلام مع الفلسطينيين وإنما المضي في مصادرة اراضيهم. ويبدو ان إدارة الرئيس جورج بوش صارت تؤيد الآن مطلب شارون بأن يحارب "ابو مازن" ما تسميه اسرائيل "المنظمات الارهابية"، بل اكدت مصادر صحافية اسرائيلية مطلعة ان واشنطن وافقت على اثني عشر تعديلاً من مجموع التعديلات الأربعة عشر التي تريد إسرائيل ادخالها على "خريطة الطريق"! ويذهب شارون الى واشنطن لعقد لقائه الثامن مع بوش وهو واثق من دعم البيت الابيض له، لأن مستشاري الرئيس المعنيين بحملته الانتخابية لولاية ثانية سينصحونه بعدم اتخاذ أي خطوة لا يرضى عنها شارون، لئلا يؤثر هذا في فرص اعادة انتخابه، علماً ان الرئيس الأميركي سيحتاج إلى جهود جامعي التبرعات الانتخابية اليهود ودعم وسائل الاعلام الخاضعة لنفوذ اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولاياتالمتحدة. ولولا ثقة شارون في أنه سيحصل مجدداً من البيت الأبيض على معظم ما يريد من دعم وتأييد، لما كان كرر مرات انه لم يتعرض لأي ضغط اميركي منذ نشر نص "خريطة الطريق" لوقف النشاط الاستيطاني، وهو التزام تفرض "الخريطة" على اسرائيل تنفيذه. وهكذا يبدو ان اسرائيل لن تنسحب من مدن الضفة الغربية في أي وقت قريب، وستواصل قضم مساحات كبيرة من أراضي الضفة في خضم اقامتها حاجز الفصل العنصري. إن شارون يتحدى ويحدد بوضوح أهدافاً تتعارض تماماً مع المصلحة الوطنية الفلسطينية وبوش يكرّمه، الأمر الذي يستدعي ان تصر الحكومة الفلسطينية على ان تنفذ اسرائيل التزاماتها بموجب "الخريطة" بالتوازي والتزامن مع تنفيذ الفلسطينيين التزاماتهم بموجبها، وبحسب جداولها الزمنية، وليس بحسب أي املاءات اسرائيلية. ولا يوجد، واقعياً ما يدعو إلى التفاؤل في زمن الهيمنة الاسرائيلية - الاميركية.