الجهد الاعلامي الهائل لتحسين صورة الولاياتالمتحدة بين العرب والمسلمين يشبه الدعاية لسيارة، فالسيارة لا يمكن ان تكون من المستوى الذي تزعمه الدعاية لها، مع ان هذه لا تخلو من بعض الصدق. والجهد الاعلامي مبالغ فيه جداً، إلاّ أنه لا يخلو من لمسات صادقة، مثل نجاح ملايين المسلمين ضمن المجتمع الأميركي الكبير. غير ان الأعمال أفضل من الأقوال. وربما نجح عمل واحد هذه الأيام من حيث أخفقت بضع عشرة دعاية تلفزيونية، أو جولة في منطقتنا، مثل ان تحزم الولاياتالمتحدة أمرها في موضوع "خريطة الطريق"، فالأزمة العراقية تتفاقم مع اقتراب العشرين من هذا الشهر عندما يفترض أن تعلن اللجنة الرباعية تفاصيل الخريطة للسير نحو حلّ للنزاع العربي - الاسرائىلي أساسه قيام دولة فلسطين خلال ثلاث سنوات، وهو ما تضمّنه أصلاً خطاب مشهور للرئيس بوش في 24 حزيران يونيو الماضي اشترط تغيير القيادة الفلسطينية. تحدثت مع وزير عربي معني مباشرة بالموضوع، واتّفقنا على إغفال اسمه ليستطيع الكلام بحرّية، وهكذا فالسطور التالية هي ما سمعت منه، ومعها ما تلقيت من مصادر فلسطينية أو قرأت. الاسرائىليون يضغطون لتأجيل "خريطة الطريق" الى ما بعد الانتخابات العامة عندهم في 28 من الشهر المقبل. وقد انقسمت الادارة الأميركية بين مؤيّد للطلب الاسرائيلي ومعارض، فوزارة الخارجية ضدّ التأجيل، والبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي معه. الوزير رجّح التأجيل مع تقديره ان تنتهي اللجنة الرباعية من الصياغة ولكن من دون إعلانها في العشرين من هذا الشهر. وكان وزراء الخارجية العرب أبدوا تأييدهم الخريطة مع تحفظات محددة. وعارضها الجانب السوري، وزاد الوزير الصديق أمس مبدياً قلقه من احتمال إدخال تعديلات على النص النهائي قبل اذاعته. قال الوزير ان خريطة الطريق تتضمن الأسس المطلوبة، أي شمولية الحل، والمبادرة العربية، ووقف الاستيطان ودولة فلسطينية خلال ثلاث سنوات. غير ان الدور الأهم في التنفيذ يبقى للولايات المتحدة، وهي إذا استمرّت في التأجيل أمام إلحاح اسرائيل، فستظهر وكأنها غير جدّية وتقوم تساؤلات حول مدى التزامها. الوزير يعترف بأن 20 كانون الأول ديسمبر ليس موعداً مقدساً، إلا أنه يقول ان الإعلان عن اكتمال الخريطة وعدم نشر التفاصيل لا يكفي، فعذر الانتخابات الاسرائىلية غير مقنع. وهو يسأل لماذا لا تصبح "خريطة الطريق" جزءاً من هذه الانتخابات، فيُسأل الناخب الاسرائىلي: هل يريد السلام أو لا، ويكون له الخيار. هناك تنسيق مصري وسعودي وأردني وفلسطيني في التعامل مع "خريطة الطريق"، غير ان الجانب السوري اتّخذ موقفاً سلبياً منها، لأنها لم تعرض عليه، والوزير يعتقد ان السوريين لا يعترضون على الخريطة، وإنما على عدم البحث فيها معهم، و"عندما نقول للسوريين دعونا نمضي في الخريطة يقولون انها غير موجودة، لأنها لم تعرض علينا". قال الوزير ان الموقف اللبناني من "خريطة الطريق" غريب، فرئيس الوزراء السيد رفيق الحريري يتكلم عنها، وقد بحث فيها مع الأميركيين، غير ان وزير خارجيته السيد محمود حمود التزم موقفاً قريباً من الموقف السوري. الوزير يقول انه يدرك جيداً ان أرييل شارون لا يريد السلام، لذلك فالدور الأميركي أساسي، لأن الأميركيين وحدهم قادرون على الضغط، وعندما عارض وزير الخارجية الاسرائىلي بنيامين نتانياهو الخريطة رفض رئيس الوزراء شارون كلامه تحت الضغط الأميركي. ومع ذلك، يبدي الوزير ثقته بأن تعلن "خريطة الطريق" في النهاية لأن العالم كله يؤيدها، فإضافة الى أعضاء اللجنة الرباعية، أو الولاياتالمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، هناك شبه إجماع عالمي على دعم الخريطة، والاتفاق على قيام دولة فلسطين. العالم كله معني بالموضوع، ولكن الموضوع فلسطيني في النهاية، فماذا يمكن ان يفعل الفلسطينيون؟ لعلّ الجواب هو في مطالبة الأخ محمود عبّاس أبو مازن بتصحيح الانتفاضة. وقد نقل عن لسانه خطأ انه طالب بوقف الانتفاضة، الاّ انني قرأت محاضراته، بما فيها تلك التي نشرتها "الحياة" في 26 من الشهر الماضي ووجدت انه يطالب بوقف "عسكرة" الانتفاضة، لأن الفلسطينيين استردّوا أرضهم بالمفاوضات وخسروها بالسلاح، لعدم التكافؤ الهائل بين الجانبين. أبو مازن تحدّث في قطاع غزّة الى قيادات السلطة الوطنية، وأعضاء المجلس التشريعي وضباط الأمن، ورؤساء لجان اللاجئين ورجال الأعمال وغيرهم، وهو قال لي على الهاتف انه وجد ارتياحاً كاملاً لموقفه حيث تكلّم. كنت سألت أبو مازن هل لاحظ انه في كل مرّة تقترب "فتح" و"حماس" من اتفاق ينفّذ شارون مجزرة أو عملية اغتيال لضرب الاتفاق، وردّ أبو مازن: "معك حق مليون في المئة، لأن شارون مرتاح للوضع القائم ولا يريد اتفاقاً لوقف النار". وأبدى أبو مازن أسفه لأننا نترك لشارون المجال لتنفيذ خططه ونسهّل له مهمّته. وطالب مرّة أخرى بوقف العمليات المسلّحة، حتى إذا استمرّ شارون في الضرب يتحوّل اللّوم إليه من الفلسطينيين. وأبو مازن يعتقد ان المفاوضات ستنهي شارون، كما أنهت بنيامين نتانياهو قبله، لأن ليس عنده شيء يقدّمه. ولكن قبل هذا كلّه فوقف العمليات العسكرية سيساعد على إعلان "خريطة الطريق" ويشجّع على العمل لتنفيذها.