في حين يواجه السيد محمود عباس أبو مازن ضغوطاً هائلة عليه لاعلان الحكومة الفلسطينية خلال ساعات، أو يوم أو يومين، فإن الأرجح الاّ تعلن هذه الحكومة قبل مضي أسبوع. أبو مازن سيعرض تشكيلته الحكومية على اللجنة المركزية، حيث يتوقع ان تكون صفقات الاتفاق على الأسماء سبقت الاجتماع، ثم تعرض الحكومة برنامجها السياسي على المجلس التشريعي لمناقشته وإقراره. الحكومة أمن ومفاوضات، وأبو مازن يواجه مهمة مستحيلة، فعلى رغم كل العناق والقبل يظل أبو عمار عنصراً غير مساعد، وهو لا يزال يمسك خطوطاً كثيرة ومؤثرة في يديه، ورئيس وزراء اسرائيل آرييل شارون لا يريد أيضاً للأخ أبو مازن ان ينجح، فهو يدرك ان رئيس الوزراء المعيّن آخر حلقة في القيادة التاريخية للفلسطينيين، والوحيد المتبقي الذي لا يزال قادراً على جمع الناس حوله، في حين ان قادة الصف الثاني والثالث سيحتاجون الى وقت طويل قبل فرض سيطرتهم. واذا كان هناك فرصة ضئيلة جداً للنجاح فهي ستتوقف على الأشخاص الذين سيختارهم أبو مازن معه، غير انه لا يصرّح بشيء، لأسباب مفهومة، فهو لا يستطيع ان يقترح اسماً ثم يتراجع عنه. مع ذلك أتصوّر ان السيد محمد دحلان لا يزال المرشح الأقوى لوزارة الداخلية، أو لمنصب مستشار الأمن القومي. الواقع ان الأمن هو "الكأس المسمومة" بحسب العبارة الانكليزية، فكل شيء آخر سيعتمد على ضبط الأمن في شكل توافق عليه الولاياتالمتحدة واسرائيل، غير ان شارون يفعل كل ما في وسعه لاحباط مهمة أبو مازن قبل ان تبدأ، وأعمال القتل والتدمير والاجتياح كل يوم تقيّد يدي رئيس الوزراء إذا رغب في ايقاف "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عن القيام بعمليات. ولا يوجد ودّ كبير بين أبو مازن والمقاومة الإسلامية، فهو عارض عسكرة الانتفاضة، وقال ان العمليات الانتحارية أضرّت بالفلسطينيين ودمّرت اقتصادهم، وردّت "حماس" و"الجهاد" برفض طروحات أبو مازن. مع ذلك وقف ما يسميه الفلسطينيون مقاومة، وما تسميه الولاياتالمتحدة واسرائيل إرهاباً، خطوة يجب أن تسبق أي مفاوضات سياسية، وكان الرئيس بوش أعلن في 24 حزيران يونيو من السنة الماضية رؤيته للسلام على أساس دولة اسرائيل ودولة فلسطين جنباً الى جنب. وجاءت "خريطة الطريق" لتترجم الرؤية الأميركية، أو الرؤيا، عملياً. الاسرائىليون اليوم يعترضون على "خريطة الطريق" لأنها تفرض على الفلسطينيين والاسرائىليين ان ينفّذوا معاً المراحل الثلاث الأولى، فيوقف الفلسطينيون جميع أعمال العنف والتحريض على اسرائيل، ويجمدون نشاط المنظمات "الارهابية"، أي المقاومة الإسلامية وكتائب شهداء الأقصى، ويقومون بإصلاحات سياسية واقتصادية. وتتوقف اسرائيل في الوقت نفسه عن مصادرة الممتلكات الفلسطينية أو تدميرها، وتفتح حرّية التنقل للمسؤولين الفلسطينيين، وتحسّن الأوضاع الإنسانية، وتجمّد بناء المستوطنات، وتفكك المستوطنات التي بُنيت بطريقة غير شرعية كل المستوطنات في رأينا غير شرعية. والاعتراض الاسرائىلي يركّز على أن خطاب الرئيس بوش اشترط ان يوقف الفلسطينيون جميع أعمال العنف قبل ان تنفّذ اسرائيل أي خطوة من التزاماتها، في حين ان "خريطة الطريق" أصبحت تطالب بخطوات متزامنة من الطرفين. هذه قضية فيها جدل، غير ان ما لا جدل فيه هو ان شارون يحاول نسف "خريطة الطريق" من أساسها، وقد اقترحت حكومته حتى الآن حوالى مئة "تصحيح" ما يعني ان الخريطة لن تبقى كما هي اذا نفّذت الرغبات الاسرائىلية. الموقف الأميركي المعلن على لسان وزير الخارجية كولن باول ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس هو رفض أي تغيير أو تعديل في "خريطة الطريق"، وهذا موقف بريطانيا والاتحاد الأوروبي كلّه، وروسيا والأمم المتحدة. ويبقى ان نرى إذا كان شارون أقوى في واشنطن من كل هؤلاء، خصوصاً من رئيس الوزراء توني بلير الذي يحاول جهده تحقيق تقدّم في عملية السلام، ويخشى الاسرائىليون ان "يكافئه" الأميركيون على موقفه من الحرب على العراق بتنفيذ رغباته في موضوع السلام بين الفلسطينيين واسرائيل. والموضوع لا يزال مفتوحاً، أولاً لجهة الحكومة التي سيقدّمها أبو مازن، وثانياً لقدرة الاسرائىليين على التعطيل في واشنطن. وقد أرسل شارون في نهاية الأسبوع مدير مكتبه دوف فايسغلاس الى واشنطن على رأس فريق سيحاول ان يقنع رايس بثلاث نقاط توضح في "خريطة الطريق" أو تعدّل أو تضمّ إليها، هي: أولاً، أن يبدأ الالتزام الاسرائىلي بعد تنفيذ الفلسطينيين التزاماتهم. وثانياً، استناد الخريطة الى القرارين 242 و338 وخطة السلام السعودية التي تدعو الى انسحاب اسرائيل حتى حدود 1967. وثالثاً، حق العودة الذي تريد ان يتخلّى الفلسطينيون عنه في مقابل قبولها قيام دولة فلسطينية. والتجربة تقول ان اسرائيل أقوى في واشنطن من اللجنة الرباعية التي وضعت "خريطة الطريق"، وأقوى من جورج بوش الابن، كما كانت أقوى من أبيه.