تستأنف غداً في ضاحية مشاكوس قرب العاصمة الكينية نيروبي مفاوضات السلام السودانية المباشرة بين الحكومة و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" بزعامة جون قرنق لمناقشة تفاصيل قضيتي اقتسام السلطة والثروة قبل البحث في الترتيبات الأمنية والعسكرية ووقف النار. وعلم أن وسطاء "السلطة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف" ايغاد وحلفاءهم الغربيين الولاياتالمتحدة وبريطانيا والنرويج وايطاليا طرحوا على طرفي النزاع قبل يومين اقتراحات محددة في شأن قسمة السلطة، أبرز ملامحها أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً ونائبه مسيحياً، لكن الرئيس لا يستطيع اصدار قرار الا بموافقة نائبه. وتدعو الاقتراحات الى استمرار البرلمان الحالي الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم لمدة 18 شهراً مع اضافة 183 عضواً يمثلون "الحركة الشعبية"، علماً أن عدد أعضاء البرلمان حالياً 369 عضواً من بينهم أكثر من 40 عضواً جنوبياً. وأكدت مصادر قريبة الى المفاوضات ل"الحياة" ان وفدي الحكومة والحركة لم يردا بعد على اقتراحات الوسطاء في شأن قسمة السلطة، ورجح أن يعودا بها الى مرجعيتهما. وذكرت ان كل تردد عن اتفاق في شأن هذه القضية سابق لاوانه لأن المفاوضات لم تناقشها بصورة تفصيلية. الى ذلك، ذكرت مصادر في "التجمع الوطني الديموقراطي المعارض" ان الحكومة السودانية اقترحت تشكيل حكومة انتقالية يرأسها الرئيس عمر البشير ويكون قرنق نائباً له. في حين يفضل قرنق حكومة انتقالية قومية تتمثل فيها كل الأطراف. وفي حال لم يتم الاتفاق على هذا الاقتراح، سيتمسك قرنق برئاسة الحكم لفترة ثلاث سنوات هي نصف الفترة الانتقالية على أن يرأس البشير فترة النصف الآخر من الحكم الانتقالي. وأوضحت المصادر نفسها ان المفاوضات ركزت منذ بداية مرحلتها الثانية في 12 آب اغسطس الجاري على المحاضرات التي قدمها الخبراء عن القضايا موضع التفاوض، واستبعدت ان تحسم الجولة الحالية التي تستمر حتى 14 أيلول سبتمبر المقبل كل القضايا. وأشارت الى المسائل المعقدة المتعلقة بالترتيبات الأمنية والعسكرية ووقف النار. الى ذلك قررت الحكومة إشراك 21 من قادة الفصائل والميليشيا المسلحة المساندة للجيش الحكومي في مناطق العمليات، في المفاوضات ضمن الوفد العسكري الذي يقوده خمسة من كبار الضباط. كما أوفدت الحكومة أول من أمس 19 من السياسيين والإعلاميين يمثلون مختلف ألوان الطيف السياسي الى نيروبي للمشاركة في المحادثات بصفة استشارية. من جهة اخرى، ذكر قيادي بارز في المعارضة السودانية أن زعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" جون قرنق نقل تطميناً لحلفائه في "التجمع الوطني الديموقراطي" برفضه الحلول الجزئية وتمسكه بطرع موضوع إشراك "التجمع الوطني الديموقراطي" المعارض في مفاوضات مشاكوس. وقال عضو هيئة قيادة "التجمع الوطني" القيادي في حزب "مؤتمر البجا" عبدالله محمد أحمد كفه ل"الحياة" في اسمرا إن وفداً من "الحركة الشعبية" التقى قيادات "التجمع الوطني" في نيروبي أول من أمس ونقل تطمينات من قرنق لحلفائه. وأكد أن قرنق سيطرح امام الوسطاء ضرورة اشراك "التجمع الوطني في المفاوضات"، موضحاً "أن زعيم الحركة الشعبية متمسك بمواقفه الرافضة للحلول الجزئية". وقال: "إن القيادي في حركة قرنق دينق آلور شدد في لقائه قادة التجمع على أن الحركة الشعبية هي حركة وطنية وقومية لكل السودان وليست لجنوبه". واتهم وفد حركة قرنق الحكومة بمحاولة الانفراد بالحركة لتفتيت "التجمع الوطني". ولاحظ الوفد "تراجعاً حكومياً واضحاً عن مواقفها السابقة المتشددة". ووصف اجواء المفاوضات بأنها "متفائلة". وذكر كفه "أن الأيام السابقة اقتصرت على إلقاء محاضرات من خبراء أميركيين امام وفود الحكومة والحركة الشعبية والتجمع الوطني". وقال: "إن المحاضرات ركزت على فن التفاوض وتقويم بروتوكول مشاكوس، وان وفد الحركة الشعبية حمل الحكومة مسؤولية ممارسات التطهير العرقي والجرائم التي ارتكبت في حق الشعب السوداني". إلى ذلك، رأى "التجمع الوطني" أن إبعاد مصر من مجموعة الوسطاء في حل الشأن السوداني "لا يمكن أن يأتي بحل شامل للمشكلة لما تحمله مصر من مكانة لا تخطئها العين". وأكد القيادي المعارض أن "مؤتمر البجا يتفق مع هذا الرأي ونقله إلى الإدارة الأميركية لأن أي حل لا يضم مصر والتجمع الوطني هو حل ناقص، كمن يحرث في البحر". وزاد: "نحن لا نستجدي أحداً في قضيتنا، لأن لنا أهدافنا الواضحة ولنا وسائلنا لتحقيقها". لكنه أشار إلى "ان هناك رغبة، وإن لم تتبلور، من الوسطاء لاشراك كل القوى السياسية في المراحل المقبلة". وفي الاطار نفسه، توقع محلل سياسي مسؤول في الحزب الحاكم "مغامرة سياسية" تقطع الطريق على مشروع التسوية في السودان الذي ترعاه الولاياتالمتحدة، لكنه لم يحدد طبيعة تلك المغامرة على رغم تلميحاته الى انقلاب عسكري. وقال الاسلامي مسؤول افريقيا في الحزب الحاكم الدكتور حسن مكي الذي يشارك في مفاوضات السلام بصفة استشارية ان مقاتلي "الحركة الشعبية" الذين يسيطرون على شريط محاذ لاوغندا وكينيا واثيوبيا، والجيش الحكومي سيلعبان دوراً سياسياً كبيراً في المرحلة المقبلة باعتبارهما أكبر قوى متماسكة في ظل تشرذم وانقسام وضعف الأحزاب في البلاد. ويعتقد مكي المعروف بآرائه الجريئة ان "مصر ستجد نفسها خارج المعادلة السودانية إذا ما استمرت تتعامل مع السودان بعقلية بيروقراطية"، لافتاً الى أن مصر ليس لديها سياسة واضحة تجاه السودان وانها "غير واعية للتحولات التي تحدث فيه".