شرع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك، قبل ان تحط طائرته في مطار اللد، بسلسلة من الاتصالات شملت رؤساء كل الاحزاب السياسية التي شكلت قبيل توجهه الى "كامب ديفيد" أقطاب ائتلافه الحكومي المنهار، محاولاً تلمس خطواته في الساحة الحزبية لانقاذ نفسه بعد أن خسر رهانه على "حصان القمة". وأبقى باراك كل الابواب مفتوحة لتشكيل ائتلاف حكومي جديد بعد أن حدد في خطاب "تأبين" قمة كامب ديفيد اسسا جديدة لسياسته المستقبلية هي "أمن اسرائيل والحفاظ على مقدسات اسرائيل ووحدة الشعب". وأجرى باراك اتصالات هاتفية مع رؤساء احزاب ميرتس اليساري وشاس الديني المتزمت ومفدال اليميني المتشدد ويسرائيل بعليا حزب المهاجرين الروس من على متن الطائرة فيما قالت مصادر اسرائيلية انه لم يتمكن من الاتصال بزعيم حزب ليكود اليميني المعارض ارييل شارون "لاسباب فنية". واعلن رئيسا حزبي شاس ويسرائيل بعليا ايلي يشاي وناتان شيرانسكي استعدادهما للعودة الى صفوف الحكومة. واعتبر الاثنان ان لا حاجة للتشبث بالاستقالة التي قدمها حزباهما على خلفية مشاركة باراك في قمة كامب ديفيد طالما ان باراك "لم يتنازل" عن الخطوط الحمر التي حددها لنفسه قبيل بدء المفاوضات. أما شارون فقد اكد معارضته الانضمام الى حكومة برئاسة باراك لان الاخير ابدى "استعدادا للتنازل" عن الخطوط الحمر الاسرائيلية خلال مفاوضاته مع الفلسطينيين. ولم يستبعد باراك في تصريحات للصحافيين الاسرائيليين الذين شاركوه رحلة العودة من واشنطن اقامة حكومة "طوارئ" بمشاركة حزب ليكود اليميني المعارض اذا ما اندلعت مواجهات بين الفلسطينيين والجيش الاسرائيلي في ضوء فشل المفاوضات، ولكنه لم يخف تفضيله اعضاء حكومته السابقين. ولاقى الحديث عن امكانية تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تضم ليكود ردود فعل سلبية من حركة ميرتس اليسارية التي رأت في مثل هذا الاحتمال "قضاء على اي امكانية للتوصل الى سلام مع الفلسطينيين". وينوي باراك استخدام ورقة مشاركة ليكود للضغط على حزبي شاس ومفدال من خلال التشديد على وجود "خيارات امامه"، وللضغط ايضاً على الفلسطينيين، اذ سربت مصادر في حزب العمل انباء تتحدث عن امكانية تعيين شارون في منصب وزير الخارجية بدلا من ديفيد ليفي. الا ان شارون وحزبه لا ينوون تفويت فرصة تجريح باراك وربما اسقاطه من منصب رئيس الحكومة على خلفية ما جرى في كامب ديفيد. فقد تمكنت ليمور ليفنات ليكود من جمع اربعين توقيعا لنواب اسرائيليين على طلب تقدمت به الى رئيس الكنيست ابراهام بورغ بأن يعلن باراك من على منبر الكنيست تفاصيل مفاوضات اسبوعين مع الفلسطينيين. ولن يفلت باراك من طاولة التشريح التي يعدها له ليكود بسبب قوانين الكنيست التي تجبره على المشاركة في النقاش بناء على مطالبة هذا العدد من النواب بذلك. ويواجه باراك في الثاني من آب اغسطس المقبل خطر موافقة الكنيست بالقراءة التمهيدية على قانون يقضي بحل البرلمان وتقديم موعد الانتخابات. وكان يأمل ان يتوصل الى "اتفاق الرزمة" مع الفلسطينيين قبل اجراء هذا التصويت ليتوجه الى الجمهور الاسرائيلي من خلال استفتاء بدلا من البقاء رهينة اصوات الاحزاب السياسية. وعلى الصعيد ذاته اقرت لجنة الدستور والقانون في الكنيست الاسرائيلي مشروع قانون يقضي بوجوب الحصول على تأييد 61 نائبا من اصل 120 لدخول لاجئين فلسطينيين الى الدولة العبرية. وتقدم بالمشروع اليمين الاسرائيلي، ومن المقرر ان يعرض على هيئة الكنيست العامة للتصويت عليه بالقراءة التمهيدي وتشير كل الدلائل الى ان باراك "المتألم" لاخفاقه في قمة كامب ديفيد يستعد لاظهار باراك الاكثر تشددا ازاء الفلسطينيين. ووفقا لما نقلته وسائل الاعلام الاسرائيلية عن "مسؤول كبير جدا" على طائرة باراك فان الاخير لن يتقبل بسهولة اعلان الجانب الفلسطيني تجسيد دولته. وقالت الاذاعة الاسرائيلية نقلا عن هذا المسؤول ان هذا الاعلان سيعني بالضرورة اندلاع اعمال عنف وان اسرائيل ستواجهه "بخطوات احادية الجانب" لم يفصح عن طبيعتها. وكان باراك هدد غير مرة بضم الاراضي الفلسطينية الى اسرائيل اذا نفذ الفلسطينييون قرارهم في الثالث عشر من شهر ايلول سبتمبر المقبل. وكشف المصدر ذاته ان الرئيس الفلسطيني رفض "عرضا اسرائيليا" باقامة عاصمة فلسطينية "تحمل اسم القدس" وتتمتع ببلدية تؤدي مهامها الوظيفية تجاه الفلسطينيين ولكنها تخضع للسيادة الاسرائيلية ولبلدية القدس اليهودية. واضاف ان عرفات رفض عرضا اسرائيلي باعادة عدد من اللاجئين الفلسطينيين. الفلسطينيون من جهتهم اكدوا، على لسان مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية فيصل الحسيني، ان عرفات رفض بشكل قاطع طلب باراك ابقاء السيادة الاسرائيلية على الاماكن المقدسة في البلدة القديمة في القدس. ورفض الحسيني في تصريح ل"الحياة" وصف القمة بانها "فاشلة" مضيفا انها "لم تخرج بنتائج". واشار الى انها حققت الكثير بوضعها الملفات التي كانت تصفها اسرائيل بالمحرمات على طاولة المفاوضات "ولن يستطيع احد ان يغلق هذه الملف الآن". ولم تمنع المشكلات التي تواجه باراك في الساحة الحزبية الداخلية وموقف الشارع الفلسطيني المؤيد لوقف المفاوضات لانها تعني في نظره ان الجانب الاضعف هو الاكثر عرضة لتقديم التنازلات، الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني من تأكيد ان موعد استئناف المفاوضات بينهما قريب وان فرق التفاوض ستجتمع خلال الايام القليلة الماضية وربما قبل وصول المسؤول الاميركي "الكبير"، سواء كان مستشار الرئيس للامن القومي ساندي بيرغر او وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت او حتى دنيس روس المبعوث الخاص. ويضع الشارع الفلسطيني علامة استفهام كبيرة على ما يمكن ان يفعله اي من هؤلاء ما داموا قد اخفقوا جميعا في احراز اي تقدم في كامب ديفيد.