يدرك رئيس حكومة اسرائيل القادم ايهود باراك انه اذا ما اراد تفادي تشكيل حكومة اكثرية صغيرة او حكومة اقلية، قد تجد نفسها مضطرة الى الاعتماد على الممثلين العرب في الكنيست الاسرائيلية، فان عليه ان يختار اما حكومة موسعة تضم شاس او حكومة "وحدة وطنية" تضم ليكود. وبناء على هذا الخيار ستتحدد الى مدى بعيد اجندة الحكومة القادمة وأولوياتها السياسية المحلية والاقليمية. ويبدو اليوم، بعد جولتين من المفاوضات مع الاطراف المختلفة الممثلة في الكنيست، ان قادة قائمة "اسرائيل واحدة" بقيادة باراك باتت ترجّح كفة الخيار الذي يرى تشكيل ائتلاف يضم حزب شاس الشرقي الاصولي، خصوصاً ان الخيار الثاني، الذي يشمل ليكود، بات مستبعداً بعد ان تعثرت المفاوضات بين رئيس "القائمة الموحدة" باراك، والرئيس الموقت لحزب ليكود، ارييل شارون. وكان هذا الاخير قد اكد في تفاوضه مع باراك انه يرفض اي انسحاب من الجولان او الضفة الغربية ضمن عملية التسوية الجارية. صحيح ان من المبكر استخلاص النتائج والجزم حول اي الخيارين سترجح كفته ثلاثين يوماً قبل انتهاء موعد تقديم الحكومة الى رئيس الدولة، خصوصاً ان قادة حزبي ميرتس العلماني اليساري وله 10 مقاعد وشينوي العلماني ويمين الوسط وله ستة مقاعد يؤكدون رفضهم الانضمام الى ائتلاف حكومي يشمل شاس، مع ادراكهم حقيقة ان باراك في حاجة الى مقاعد شاس البرلمانية ال17. لكن الخيار بين ليكود وشاس يبقى خياراً سياسياً في مضمونه وابعاده ونتائجه وليس مسألة توزيع حقائب وزارية. ولا يغير من كونه خياراً سياسياً واقع ان غالبية مؤيدي شاس قد صوتوا لصالح بنيامين نتانياهو في الانتخابات الاخيرة. وقد فعلوا ذلك تمشياً مع توصية زعماء شاس الدينيين. فالائتلاف الذي سيضم شاس، اذا ما تم فعلاً، سيعني تأجيل البحث والبت في الملفات الداخلية الساخنة المتعلقة بانصهار المتدينين في المجتمع والجيش، وبقبولهم قوانين اللعبة السياسية والقضائية، وموضوع الدستور والموقف من العلاقة بين الدين والدولة، وموازنات المعاهد الدينية، خصوصاً تلك التي تقودها وتشرف عليها المؤسسات التابعة لشاس. ويعني عملياً التسليم بالوضع الحالي ولسنوات طويلة. ولكن فيما يتعلق بعملية التسوية السياسية وادارة المفاوضات مع الاطراف العربية، فان حركة شاس، خلافاً لليكود، ستعطي باراك متسعاً من الحرية للوصول الى اتفاق مع الفلسطينيين والسوريين يشمل انسحابات من الضفة الغربية ومن الجولان. اذ من المعروف ان شاس، بعكس الحزب الوطني الديني مفدال، لم تتحدث في برامجها ولم تتطرق في تصريحات قادتها الى خطوط حمر في كل ما يتعلق بالأراضي العربية التي احتلتها اسرائيل في حزيران يونيو 1967، في ما عدا مدينة القدس التي كان لحزب شاس دور كبير في تهويدها واضطهاد اهليها وتنفيذ مشروع اخلائها منهم. اما تشكيل حكومة يشارك فيها ليكود، فيعني دفع البلاد والمنطقة في طريق مسدود في كل ما يتعلق بتحريك العملية السلمية. ذلك ان ليكود يعارض الانسحاب من مناطق في الضفة والجولان. وقادة ليكود وفي مقدمهم شارون لا يخفون هذا الموقف، بل يعلنونه جهاراً ويمارسونه. وإذا كانت حكومة ائتلافية بمشاركة ليكود تعني موقفاً اقل تطرفاً في الملفات الداخلية، فانها تعني موقفاً اكثر تصلباً في الملفات الخارجية ذات الصلة بالعملية السياسية. في مثل هذه الحالة وأمام هذين الخيارين، ونظراً لأن قائمة "اسرائيل واحدة" لها 26 مقعداً ستكون اقلية داخل الائتلاف الحكومي، فان من الطبيعي ان تفضل ادارة "حكومة موسعة" تشتبك فيها المصالح وتتعدد الاحزاب، على حكومة "وحدة وطنية" يشكل فيها ليكود نواة معارضة قوية من الداخل، تستقطب اليها وحولها قوى مؤيدة لها في "مفدال" و"يسرائيل بعلياه" الحزب الروسي الذي كان جزءاً اساسياً في ائتلاف نتانياهو. ويذكر ان هذين الحزبين اتخذا مواقف متشددة في قضايا الاستيطان والمستوطنات. وهذا يعني احتمال بلورة مجموعة قوية وضاغطة داخل الائتلاف هذا، الامر الذي سيشل عمل الحكومة ويحول دون توصل باراك الى تسوية مع السوريين والفلسطينيين وعلى المسار اللبناني، كما وعد بذلك. وبالمقابل يمكن القول ان وجود شاس داخل الحكومة سيحول دون ليكود وتشكيل كتلة برلمانية قوية، تضم كتلتي شاس وليكود وتستقطب قوى اخرى. اما وجود شاس خارج الحكومة فيعني خطر انتقال شاس كلية الى احضان اليمين، ليس فقط في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والدينية، بل في القضايا التي تخص التسوية ايضاً. ومثل هذا التطور - الاحتمال، سيؤدي الى تعميق الاستقطاب الديني - الاجتماعي - والسياسي في اسرائيل، والى اشتعال حرب ثقافية يكسب منها اليمين الاسرائيلي الذي يقوده ليكود. ويدرك المراقبون المتتبعون لتطور الاحداث السياسية والاجتماعية الداخلية في اسرائيل ان ما يسمى بالحرب الثقافية قد بدأت فعلاً واتسعت قبل الانتخابات الاخيرة وبعدها، وهو ما يؤكده قادة ميرتس، ولذا فهم يرفضون ان يكونوا مع شاس في خندق واحد. وهنا يبرز التحدي الاهم والاخطر لباراك، وهو التحدي الكامن في الاجابة عن السؤال: كيف سيجمع بين شاس وميرتس في حكومته في محاولة لدفع التسوية السياسية من جهة وللتخفيف من شدة الاستقطاب والتوتير بين العلمانيين والمتدينين من جهة ثانية؟