مع تصاعد انتفاضة الأقصى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تضع حكومة باراك خططها المرسومة مسبقاً للمواجهة موضع التنفيذ، تلك الخطط التي تنهض أساساً على فكرة الاعتماد على المستوطنين، وتحميلهم مسؤولية المواجهة بعد تسليحهم وتدريبهم، مستفيدة من تنامي روح الكراهية عندهم ضد العرب. وحتى تتجنب حكومة باراك توريط قوات الجيش الإسرائيلي في حرب استنزاف طويلة كالتي جرت في الانتفاضة السابقة، وفي جنوبلبنان، وأخذت بتنفيذ خطة أخرى تستهدف إعادة تجميع المستوطنين في الضفة وغزة 000.140 مستوطن في 150 مستوطنة في الضفة و4000 مستوطن في 18 مستوطنة في جنوب قطاع عزة في تكتلات استيطانية كبيرة، وهو ما سيستدعي بالتالي إزالة عدد من المستوطنات المنعزلة، لتسهيل مهمة وحدات الجيش المكلفة حمايتهم من خلال الدوريات العسكرية التي تجوب الطرق الالتفافية حول هذه الكتل الاستيطانية وعزلها عن المدن والقرى العربية، و إقامة مواقع دفاعية حولها. وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي الى الاستعداد لإجلاء المستوطنات المنعزلة في الخليل، وسكان مستوطنة يتهار وتسكينهم في مستوطنات كبيرة مثل تفوح وافرات والفية مشنية. وأكدت التطورات السياسية الداخلية الاخيرة في إسرائيل على تزايد نفوذ الاحزاب والتنظيمات الدينية المتطرفة في الحياة السياسية داخل إسرائيل، إذ تنمو كالفطر وتكسب شعبية جديدة مع كل استفتاء، وتتعاون في ما بينها على القتل والتدمير والطرد، وذلك في مخطط يقصد منه في النهاية ايجاد أرضية ملائمة لمجتمع عرقي عنصري. هذه الحقيقة، والمتمثلة في غلبة النفوذ اليميني والديني المتطرف في إسرائيل، هي التي سبق أن واجهت اسحق رابين وأدت الى اغتياله، وهي التي أوصلت نتانياهو الى السلطة في إسرائيل، وهي التي دفعت شارون الى اقتحام المسجد الاقصى في محاولة للمزايدة على باراك. والاخير يحاول اليوم أن يركب موجة اليمين المتطرف بممارساته في الاراضي المحتلة، وإصراره على بسط السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي الشريف، ودعوة الى حكومة طوارىء ائتلافية. وكشفت الأحداث التي وقعت في إسرائيل والاراضي المحتلة في السنوات الماضية عن بروز منظمات إرهابية عدة، أبرزها الآتي: أ- منظمة آيل - وهي منظمة يهودية مسلحة، ينتمي اليها ايغال عامير، قاتل اسحق رابين، ويتزعم هذه المنظمة افيشاي رفيف الذي كان من قيادات حركة "كاخ". وتتكون هذه المنظمة من محاربين سابقين في الحركات العنصرية المناهضة للعرب، وأبرزها حركة "كاخ"، "كاهاناحي". وتفيد شهادات عدة أن عدداً كبيراً من اعضاء جماعة كوليل في جامعة بار- ايلان التي ينتمي إليها قاتل رابين يعملون في منظمة آيل. ويوجد لهذه المنظمة مقر في مستوطنة كريات اربع جنوب الخليل، وفروع أخرى في باقي الكتل الاستيطانية، وكان اعضاؤها قاموا ولا يزالون بأعمال عنف عديدة ضد سكان مدينة الخليل، ما أدى الى مقتل واصابة مئات العرب منهم وتتوعد هذه الحركة كل من يمضي قدماً في عملية السلام بأن يلقى مصير رابين. ب- حركة كاخ- تعد هذه الحركة واحدة من أكبر الحركات العاملة في صفوف اليمين الإسرائيلي المتطرف. ومن الصعوبة بمكان التعرف على عدد أعضائها بسبب التكتم والتعتيم الذي تفرضه على انشطتها. وعلى رغم هذا فأن عدد مؤيديها في تزايد لا سيما بين سكان المستوطنات من الشباب. ويتزعم هذه الحركة باروخ مزرال المقيم في مدينة الخليل. وتأتي هذه الحركة على رأس الحركات والجماعات السرية الصهيونية التي تناهض حزب العمل، ونشاطها محظور رسمياً، ويجري البحث عن اعضائها بأمر من النائب العام الإسرائيلي لخطورتها على الأمن الداخلي. وتعتقد أجهزة الامن الإسرائيلية ان حركة كاخ تتخفى وراء الحركات اليهودية التي ظهرت حديثاً، وتعلن من حين لآخر مسؤولياتها عن أعمال العنف التي تمارسها ضد الفلسطينيين. ومن بين اعضاء كاخ ثلاثة من الاميركيين المنتمين الى "رابطة الدفاع اليهودية" التي انشأها الحاخام كاهانا في نيويورك العام 1968. ومن أهداف هذه الحركة ارهاب العرب وطردهم من الاراضي المحتلة باعتبارها أرض إسرائيل، وأن وجود العرب على أرض إسرائيل "يلوث جوهر اليهودية وروحها". وفي احصاء أجراه معهد فان لير في القدس اتضح أن 33 في المئة من شباب إسرائيل يدينون بمبادىء هذه الحركة، كما يقدر عدد أنصارها في الولاياتالمتحدة بأكثر من ستين ألف شخص. ج- حركة كاهانا حي وفروعها - انشقت هذه الحركة عن كاخ بعد أن رفض مؤسسها بنيامين كاهانا، ابن الحاخام الراحل مائير كاهانا الرضوخ لأوامر ورثة ابيه في حركة كاخ. وبينما تضطلع لجنة تأمين طرق يهودا والسامرة المتفرعة عن حركة كاهانا حي بمهمة التعدي على الفلسطينيين في الاراضي المحتلة، ودفعهم الى التخلي عن ديارهم، فإن حركة أخرى متفرعة عن كاهانا حي اطلقت على نفسها حركة امناء جبل المعبد تطالب علناً بهدم المسجد الاقصى وإقامة ما يسمى بهيكل سليمان على انقاضه. واكتشفت في مقر هذه الحركة مخططات لنسف المسجد الأقصى ومعدات تفجير وأسلحة وذخائر لتقويض دعائم المسجد من خلال نسف الأنفاق الموجودة أسفله. ورصد قيام اعضاء حركة كاهانا حي بتنفيذ عمليات عنف ضد اليهود المنتمين الى الأحزاب والحركات اليسارية والعلمانية وجماعة السلام، بمن فيهم اعضاء في الكنيست. ومن الحركات المتفرعة عن هذه الحركة، جماعة اطلقت على نفسها قمع الخونة تستهدف تصفية العناصر اليهودية التي لا تتجاوب مع مبادىء كاخ. د- منظمة سيف داوود- تردد هذا الاسم في الاعوام الاخيرة، وتتحمل هذه الحركة مسؤولية عمليات اغتيال بعض العرب النشطين في مواجهة التطرف الإسرائيلي، منها قتل ثلاثة أفراد من عائلة بطابطا المقيمة في بلدية ترقوميا في جبل الخليل. واشتهر عن هذه المنظمة أن اعضاءها يندسون بملابس عربية في وسط التجمعات الفلسطينية والتظاهرات التي تجري في المناسبات الفلسطينية، مثل ذكرى "يوم الارض"، لرصد العناصر القيادية الفلسطينية التي تقود مثل هذه التظاهرات وتصفيتهم. ونجحت هذه المنظمة في تهريب الكثير من الاسلحة والذخائر والمتفجرات الى المستوطنات الإسرائيلية لإرهاب العرب المقيمين قرب هذه المستوطنات ودفعهم الى ترك أراضيهم ومساكنهم. ه- منظمة السيكريكني- تنصب أعمال هذه المنظمة ضد اليهود اليساريين ودعاة السلام، وهي تشبه الى حد ما في رسالتها جماعة قمع الخونة، إذ تخصصت في تتبع ورصد هؤلاء اليهود وحرق أبواب منازلهم بهدف إرهابهم ومنعهم من إبداء أي تعاطف مع السكان العرب. وتعدوا بالضرب على الكثير من اعضاء جماعة السلام المنتمين الى حزب العمل والأحزاب اليسارية وأعضاء الكنيست من عرب إسرائيل. و- حركة "جوش أمونيم": برزت هذه الحركة عقب حرب 1967، حين نادت بأن الاراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عقب هذه الحرب هي جزء من الإرث المقدس الذي منحه الرب لليهود، وشرعت "جوش أمونيم" في تشجيع الاستيطان في الضفة الغربية. لذلك يعتبر معظم المستوطنين من اعضاء هذه الحركة الذين نشطوا في جمع التبرعات من أجل تمويل عمليات الدفاع عن المستوطنات، وترسيخ إقامة اليهود فيها بجهود ذاتية. ويصف خبير الحركات المتطرفة في الجامعة العبرية ايهودا سبرنزاك حركة جوش أمونيم، بأنها تمتلك كل المقومات التي تفتقر اليها حركة كاخ ومن هنا نشأ التكامل بين المنظمتين. فإذا كانت جوش أمونيم تشجع الاستيطان في الاراضي المحتلة، فإن كاخ تقوم بطرد السكان العرب من أراضيهم، ونبذ فكرة التعايش بين العرب واليهود. ويصف الكاتب اليهودي دان عومر، حركة "جوش أمونيم" بأنها "تشكل المخزون البشري للفاشية اليهودية الجديدة" لذلك فهي تضم أشهر حاخامات إسرائيل المعروفين بالتعصب ضد العرب امثال تشفي يهودا كوك وموشى ليننجر. وبعد أن انشقت جوش أمونيم عن الحزب الديني الوطني المفدال، بدأت تنسق جهودها مع حزب هاتحياه المتطرف الذي أسسته غيئولا كوهين العام 1979 احتجاجاً على اتفاق السلام مع مصر. ز- منظمة الارهاب ضد الارهاب- تعتبر من نوع حركة كاخ، وهي وثيقة الصلة بأيديولوجية جوش أمونيم وتعتبر من أكثر المنظمات اليهودية التي ظهرت أخيراً في إسرائيل إمعاناً في الفاشية والتطرف والعنف، إذ حددت هدفها بوضوح، ويتمثل في تصفية كل السكان العرب المشكوك في انتمائهم الى منظمات فلسطينية تدعو الى تحرير الاراضي المحتلة من الاحتلال الإسرائيلي.إضافة الى سعي هذه المنظمة الى طرد العرب من الاراضي المحتلة بشتى الوسائل ترغيباً وترهيباً. ومن أبرز العمليات الإرهابية التي نفذتها هذه المنظمة إحراق باص بركابه العرب في ايار مايو 1975 في وادي الجوز في مدينة القدس. كذلك حادث الاعتداء على رؤساء البلديات العرب في الضفة الغربية في حزيران يونيو 1980، وتحطيم إحدى دور السينما في القدسالشرقية في كانون الثاني يناير 1982. ح- حركة بيت المقدس السرية- معظم اعضاء هذه الحركة من اليهود المتطرفين القادمين من الولاياتالمتحدة، وأبرزهم الحاخام إسرائيل أرائيل. وحددت هذه الحركة هدفها في هدم المسجد الاقصى من أجل إقامة الهيكل مكانه. ومن أجل ذلك تقوم بعملية تمويل هذا المشروع والإعداد له، بما في ذلك نقل نوعية معينة من الحجارة من ولاية انديانا في الولاياتالمتحدة الى القدس بأمل استخدامها في بناء الهيكل. ط- المنظمة السرية اليهودية - أنشئت في بداية العام 1980، وعُرفت باسم التنظيم السري اليهودي. وقامت بعمليات اغتيال عدة للفلسطينيين النشطين في الضفة وغزة، ودمرت مساكنهم وممتلكاتهم، كما شاركت في محاولة اغتيال رؤساء البلديات في 13/10/1980. ي- وحدة الثأر، ومنظمة القبضة والمتراس، وقامتا بعمليات إرهابية عدة في الفترة من 1987، حتى نهاية التسعينات ضد السكان العرب وهما تضمان عناصر من الجيش الإسرائيلي، وشخصيات سياسية رفيعة المستوى تعمل من وراء الستار. وكشفت عن ذلك مائير أندرو في صحيفتي "يديعوت آحرونوت" و"هاعولام هازية" حين أفادت بأن "رجال الأمن الإسرائيليين يتعاملون مع اعضاء هذه المنظمات الإرهابية بقفازات من حرير". وما يؤكد هذا الاتهام أن مسؤولي الامن في الولاياتالمتحدة وجهوا اتهامات مباشرة الى جهاز الامن الإسرائيلي بأنه اختُرق بواسطة هذه المنظمات اليهودية المتطرفة، وأنه لا يمكن أن يصل قاتل رابين الى هذه المسافة الصغيرة منه من دون أن يكون بعض رجال الأمن الإسرائيليين سمحوا له بذلك. ك- حزب تسوميت وحزب موليدت. يعتبر هذان الحزبان بمثابة الواجهة الرسمية التي تتخفى وراءه المنظمات والحركات الارهابية والمتطرفة في إسرائيل. ويرأس حزب تسوميت رئيس الاركان الإسرائيلي السابق روفائيل ايتان الذي اشترك مع شارون في غزو لبنان العام 1982. ويعتبر ايتان مسؤولاً مباشراً عن مذابح صبرا وشاتيلا. ويحظى ايتان بتأييد الشباب اليهودي المتطرف. أما حزب موليدت الذي أسسه رحيعام زئيفي فهو من أعلى الأصوات التي تنادي في إسرائيل بطرد العرب من الاراضي المحتلة، الترانسفير. كشفت عملية اغتيال رابين عن حقيقة تغلغل هذه المنظمات والحركات المتطرفة العلنية والسرية في المجتمع الإسرائيلي، حتى أصبحت جزءاً من نسيجه، ويشكلون دولة داخل الدولة، خصوصاً وأن الحكومة لم تفرض حظراً على امتلاكهم الأسلحة والذخائر. وكشفت الدراسات التي أجريت ان في إسرائيل أكثر من 80 ألفاً ينتظمون في حركات سرية متطرفة كأعضاء عاملين، بخلاف الاعضاء المسجلين في الاحزاب السياسية المتطرفة. ويقدر عدد الاسلحة التي في أيدي المستوطنين بأكثر من 200 ألف قطعة. وتوجد أعداد كبيرة من الضباط المتقاعدين والاحتياط الذين يقومون بتدريب هؤلاء الأفراد، ويشكلون ميليشيات تعادل حجم ثلاث فرق مشاة. وعرض التلفزيون الإسرائيلي للمرة الاولى في تشرين الاول اكتوبر 1995 فيلماً يصور جماعة يهودية سرية تكونت في الضفة الغربية، تجري تدريباً على إطلاق النار، وهم يؤدون قسم الجماعة اثناء احتفالات ليلية على غرار جماعة كوكلوكس كلان العنصرية الاميركية التي مارست اعمالاً إرهابية ضد السود هناك. وكان اليهود يؤدون هذا القسم أمام النصب التذكاري لمنظمة شتيرن الإرهابية القديمة التي ساهمت في قيام إسرائيل العام 1948، وتخرّج منها رئيس وزراء إسرائيل السابق اسحق شامير وغيره من غلاة المتطرفين. اما القسم الذي أداه اعضاء هذه الجماعة فهو: "مواصلة الكفاح المسلح من أجل إسرائيل الكبرى حتى الموت ضد كل اعدائها بمن فيهم اليهود المعارضون لهذا الهدف". * لواء ركن متقاعد، خبير استراتيجي مصري.