الكتاب: مقدمة الى الحوار الاسلامي - المسيحي المؤلف: محمد السماك الناشر: دار النفائس - بيروت ، 1998 يسعى هذا الكتاب الى استعراض المراحل التي اجتازها الحوار الاسلامي - المسيحي والقاء الضوء على العقبات التي تعترضه، وذلك انطلاقاً من روحية الباحث المؤمن بالحوار والمشارك فيه فعلياً… وبعقلية المفكر الذي يغوص في أعماق المشكلة محاولاً تقديم الحلول المناسبة لها بجرأة واخلاص. يتحدث الفصل الأول من المنطلقات الأولى للحوار الاسلامي - المسيحي، وهو يعود الى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما استقبل في بيته في المدينةالمنورة وفد مسيحيي نجران فكان ذلك أول لقاء حواري اسلامي - مسيحي في التاريخ. وتواصل هذا الحوار في عهود لاحقة متعددة خصوصاً في العهدين الأموي والعباسي الخليفة المهدي والبطريرك تيموثي الأول ثم أثناء الحروب الصليبية السلطان الأيوبي الملك الكامل والقديس فرنسيس. اما في العصر الحديث 1964 - 1965 فإن المجمع الفاتيكاني الثاني يشكل المحطة الأبرز في مسيرة هذا الحوار، فقد فتح موقف الفاتيكان بوابات الكنائس الأخرى على الاسلام، وتوج هذه المسيرة الارشاد الرسولي الذي اذاعه البابا يوحنا بولس الثاني في بيروت خلال زيارته الرسمية الى لبنان العام الماضي. وتناول الفصل الثاني موضوع المسيح وامه مريم في القرآن الكريم، ويقول المؤلف انه من المفيد قبل الدخول في صميم موضوع الحوار الاسلامي - المسيحي تبيان الآيات القرآنية التي تتحدث عن السيدة مريم والسيد المسيح، ذلك ان القرآن الكريم هو المرجع الأول والأساس للفقه الاسلامي، وهو الذي يحدد نظرة الاسلام الى الرسالات السماوية الأخرى. وفي الفصل الثالث تحدث عن الجوامع المشتركة بين الأديان، وفيه روى قصة مخطوطات البحر الميت التي حجبتها اسرائيل عن العالم واضطرت الى اظهارها وربما بعضها فقط الى العلن تحت ضغط البحاثة في العالم. وأظهرت هذه المخطوطات بعض الجوامع المشتركة في الكتب السماوية المختلفة وعلى الأخص منها الديانة الاسلامية والديانة المسيحية. موضوع الفصل الرابع كان دور الدين في صناعة القرار السياسي وفيه سلط الضوء على علامات الاستفهام الكثيرة التي ترتفع في زوايا متعددة من العالم حول دور الدين في صناعة القرار السياسي أوروبا، الهند، الشرق الأوسط… الخ. ويرى الكاتب ان العالم كله الغني المتطور والفقير النامي يقف على أبواب مرحلة جديدة يبدو فيها ان الدين يبادر الى استرجاع موقعه الممتاز في التأثير في عملية اتخاذ القرار، بل وفي تحديد الأولويات التي تصوغ هذه القرارات. وموضوع الفصل الخامس "الحوار في القرآن" وفيه يشير السمّاك الى ان مراجعة دراسية لآيات القرآن الكريم المتعلقة بالحوار بصورة عامة، وبالحوار الاسلامي - المسيحي خصوصاً، تظهر ان في القرآن الكريم أنواعاً متعددة من الحوارات: حوار الله مع الأنبياء، ثم مع الشيطان، ثم مع عباده يوم القيامة، وهناك حوار الأنبياء مع الناس، ثم حوار الناس مع بعضهم. وعلى هذه الخلفية يمكن الدخول الى موضوع الحوار الاسلامي - المسيحي الذي يجب ان يكون بين الاسلام وكتلتين مسيحيتين العربية والغربية فالحوار يجب ان يكون مع الآخر، ذلك ان الحقيقة ليست في الأنا بل انها تتكامل مع الآخر حتى في نسبيتها. ان هدف الحوار ليس اقناع الآخر بأن يكف عن ان يكون نفسه، بل هو محاولة اكتشاف الآخر في عمقه وكيف يمكن ان يسهم في بلورة الحقيقة وتكاملها. وتناول الفصل السادس العلاقات الاسلامية - المسيحية، ويرى الكاتب ان هناك سلبيتين ترسمان صورة الواقع المعاصر للعلاقات هذه: السلبية الأولى مسيحية - غربية، والسلبية الثانية اسلامية - عربية، وقد جرت تحت تأثير هذه العوامل السلبية المضللة حوارات اسلامية مسيحية عدة لم تكن الكنيسة العربية طرفاً فيها، فانتهت من دون ان تحقق تغييراً يذكر في جوهر العلاقة المشتركة. وفي الحقيقة فإن أي حوار اسلامي - مسيحي على المستوى العالمي لا يمكن ان ينطلق بنجاح الا من قاعد تفاهم اسلامي - مسيحي على المستوى العربي، وان هذه القاعدة يمكن ان تقوم على مثال التفاهم الاسلامي - المسيحي اللبناني! الفصل السابع جاء تحت عنوان "بعد 900 عام من الصراع" وفيه يسلط الضوء على الحقيقة التاريخية الممتدة من العام 1095 وحتى اليوم. ففي العام 1095 عقد لقاء ديني موسع في أحد أديرة بلدة صغيرة تدعى "كلير مونت" القى فيه البابا ادريان الثاني وكان فرنسياً خطاباً اعتبر اعلاناً للحروب الصليبية التي سقط خلالها من الضحايا مئات الآلاف، ولحقت بالمسلمين من جرائها أضرار مادية ومعنوية تواصلت قروناً عدة بعد ذلك. وفي الوقت الذي يشهد العالم محاولات لتصحيح التاريخ، وذلك عن طريق تقديم الاعتذارات لكل شعب أو أمة لحق بها ضرر من جراء تصرفات شعوب وأمم اخرى، نرى ان الروح العدائية تستمر ضد الاسلام الى حد ان هناك شعوراً في العالم الاسلامي بأن العلاقات مع العالم الغربي تمر في مرحلة التأسيس لصراع عقائدي حضاري يستهدف الغاء الآخر، وان الآخر المستهدف بالالغاء وبالاستعداء هو الاسلام. اما في الفصول الباقية من الكتاب الحوار الاسلامي - والسينودس المسيحي "لبنان حالة خاصة" والسيندوس من اجل لبنان، ومن جدران الجماعات الى وحدة الشعب،، وزيارة البابا الى لبنان فإن الباحث محمد السمّاك يتخذ من الحوار الاسلامي - المسيحي في لبنان نموذجاً يمكن متابعته على المستوى الأوسع بين العالم الاسلامي والعالم المسيحي الغربي. وتقول مقدمة الكتاب، لتأكيد الرسالة التي يريدها المؤلف: "وربما يكون هذا الكتاب من أكثر الكتب شمولية وحياداً في موضوعه، وهو يسد ثغرة في المكتبة العربية، ويؤمل ان يستفيد منه المخلصون من المسلمين والمسيحيين، وان يعملوا على تنمية الحوار بينهم ويصلوا به الى نتائج مرضية".