بلغة سياسية رصينة وتمكن بالغ من الحقائق وسرد موضوعي قدَّم معالي الأستاذ د. محمود بن محمد سفر مؤلفه الجديد إشكالية الثقافة الغربية مع الإسلام - استعداء وشنآن.. أم إنصاف وحوار والذي يُعد أبرز المؤلفات الحديثة التي تتناول مفهوم الإسلام في الثقافة الغربية، وقد تمكن د. محمود سفر من ترتيب الحقائق بمنظومة هندسية ومتتالية بارعة الدقة لإيضاح كافة المفاهيم التي ينتهجها الغرب تجاه الإسلام والعالم الإسلامي ما يمكن القارئ من الإلمام بكافة جوانب نظرة الغرب تجاه الإسلام ، الكتاب يأتي في 202 صفحة من القطع المتوسط وثلاثة فصول تحتوى علي 48 مبحثاً تناولت كافة الملامح الأساسية والحقائق لماهية العلاقة القائمة بين الغرب والإسلام. أفكار الكتاب يعرض الكتاب للسجل التاريخي للعلاقة بين الغرب والإسلام، ويستعرض آراء متعددة عن هذه العلاقة التاريخية ، ويؤكد أهمية الحوار بين أتباع الديانات، ويحد أسس الحوار المفترض لكي يصل من خلاله بالإنسانية إلى مشارف الأمن والطمأنينة والسلام، متبنياً رأي هانس كونج مؤلف كتاب Islam ..Past Present an Future الذي تمت ترجمة اسمه إلى "الإسلام رمز الأمل" الذي يقول فيه: " إن حوار الحضارات والثقافات والأديان هو الطريق الأفضل، وإنه لن يكون هناك سلام بين الأمم بدون سلام بين الأديان، ولن يكون هناك سلام بين الأديان بدون حوار". وقد اهتم المؤلف أن يفصل في الكتاب أمرين مهمين هما: الأمر الأول القناعة التي تكونت لدى المؤلف بأنه لا يمكن الغوص في التراث الثقافي الغربي بحثا عن الصورة التي رسمها للنبي محمد علي السلام بوضوح وموضوعية دون التعرض لموقف الغرب عموما ومثقفيه ومفكريه خصوصاً من رسالة الإسلام، لأن الخطاب الثقافي الغربي في بعض أدبياته يسمي الإسلام والمسلمين ب HOHAMMADISM ولأن النبي عليه الصلاة والسلام كان تعبيراً للرسالة ومثالاً للدعوة في شخصيته وسيرته وخلقه. وفي هذا تأكيد - بلا ريب - على الربط الموضوعي والارتباط العضوي بين نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام والرسالة التي حملها والقرآن الذي أوحي به إليه، لأن الفصل بين الرسالة والرسول لا يكاد يبين في الهجوم الذي تعرض له سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من بعض دوائر الثقافة والفكر في الغرب. الأمر الثاني مفهوم الثقافة الغربية معناها؛ فبعد ما طرح الكتاب معنى الثقافة كما يعرفونها في الغرب بأنها تراث "الإنسانيات الإغريقية اللاتينية"، ناقش رأيين في الثقافة الغربية موقفها من الإسلام ومن نبيه الكريم: الرأي الأول يرى أن الثقافة الغربية هي ثقافة عقائدية مسيحية خضعت في الماضي ومازالت تخضع في الحاضر لتأثيرات يهودية عقائدية، كما أنها انصاعت في الماضي ومازالت تنصاع في الحاضر لابتزازات سياسية من اللوبي الصهيوني - المسيحي ، لذا يعتقد بأن استعداء الغرب للقرآن وعقيدة الإسلام ورسالته ونبيه، نابع من خلفية عقائدية متعصبة وحاقدة، وكراهية دينية كريهة ومخزية. الرأي الثاني على النقيض من الأول، فهو يُعرف الثقافة الغربية بأنها ثقافة لا دينية وتستند على العلمانية التي لا تقر بأي دور للدين في شؤون الحياة في المجتمع، وبرغم أن الثقافة الغربية العلمانية استندت على منطلقات فكرية وفلسفية في تعرضها للرسالة والرسول عليه السلام، فإن المؤلف بيّن أنها لا تقل حدة في العداء والشنآن عن ثقافة الحقد العقائدي المسيحي، وأن الاختلاف بين الرأيين هو شكلي من حيث عدم تقدير الغرب للمعاني والقيم التي وردت في القرآن الكريم، والمبائد والأسس التي بني عليها الإسلام وشخصية نبيه علي السلام من خلال مؤقف الفكر الديني الغربي بخاصة والفكر الغربي العلماني بعامة من الإسلام ونبيه عليه السلام، وتقييمه غير المنصف للمقومات العقائدية التي استند عليها المجتمع المسلم من ناحية، وشعور الغرب عموماً اتجاه المسلمين وفرض هيمنته وتعاليه وتسلطه على مقدراتهم وعدم احترامه لمقدساتهم ، ونظرته تحديداً إلى نبي الإسلام عليه السلام؛ سواء كانت النظرة عامة منبسطة ومبسطة، أو أكاديمية مختصصة من خلال الصورة النمطية السلبية والسيئة للعربي والمسلم التي رسختها أفلام السينما وباقي الفنون الغربية. وبعد ان يستعرض الكتاب نصوصا متعددة ومختلفة، يصل الى مصحلة مكونة من أمور ثلاثة: أولها: هو أن وبغض النظر عن مفهوم الثقافة الغربية من حيث كونها مرتكزة على المسيحية كعقدية دينية، أو بحسب أنها علمانية لا تعترف بدور للدين في الحياة، فقد نال الإسلام والنبي الكريم منها نصيباً وافيا من النقد السلبي، والتجريح الحاقد، وقليلاً جداً من الموضوعية والإنصاف. سجل حافل ثانيها: هو أنه يُخطئ من يظن أن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول العظيم التي ظهرت في فترة سابقة في صحيفة دنماركية أو الفيلم الذي صدر مؤخراً عن حياته الخاصة، ومنع بناء المآذن في سويسرا هي أعمال مفاجئة وجديدة وغير مسبوقة في التاريخ الثافي الغربي؛ فالسجل التاريخي الحافل بالتوتر الذي يسود العلاقة بين الغرب والإسلام يدل على أنه توتر قديم ومتجدد، طالما وجد من يستدعيه من أعماق التاريخ وينفخ في ناره ويحيي أوارها، وما الرسومات والفيلم ومنع رؤية المآذن تعلو المساجد سوى حلقة في سلسلة قائمة ومتصلة من سلاسل الشنآن والعداء الذي اتصف بعدم الموضوعية وبعدم الإنصاف وقلة الاحترام منذ بزوغ شمس الغسلام في القرن السابع الميلادي مروراً بالعصور الاوربية الوسطى والحروب الصليبية وحتى العصر الحيدث وماحفل به من أحداث متفجرة وحوادث متفرقة، وانتهاء بتداعيات الهجومين الانتحاريين في نيويورك وواشنطن في سبتمبر 2001م - الذي لا يمكن لإنسان سويً أو آدمى عاقل أن يبررهما ويقبل بقتل أبرياء لاذنب لهم - وما تلى هذين الهجومين من ردود أفعال عنيفة وغير مبررة ايضا تمثلت في احتلال أفعانستان والعراق ومحاصرة وتجويع الفلسطينيين وإذلالهم. ثالثها: هو أن المرحلة التي يمر بها الإسلام اليوم في علاقته مع الغرب هي مرحلة حرجة وحساسة، حيث يعيش الإسلام مع أحداثها وبها ومن أجلها محناً وتحديات، ويتعرض فيها ومن خلالها لهجمات ضارية ومستفحلة بقيادة الصهيونية المسحية شملت العقدية والثقافة والقيم والمبادئ وشخصية السملم المتمثلة في أعظم نموذج لها وهي شخصية النبي عليه الصلاة والسلام، والتي استشرت في عدائها للإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م. ويختتم الكتاب بانتقاء بعض الأقوال الإيجابية عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لمفكرين وفلاسفة وأدباء من الغرب والشرق لم تمتلئ قلوبهم بالحقد والشنآن والكراهية، ولم تطمس على أبصارهم الهجمات الشرسطة ضد الإسلام ونبيه العظيم عبر التاريخ وحتى اليوم. ويؤكد الكاتب حيال هذا الأمر على أن نقل هذه الأقوال هو بهدف التأكيد بأنه مازال هناك مفكرون من الغرب ومن الشرق يمكن أن يوصفوا بالمحايدين أو في أحسن تقدير بالموضوعيين، مما يحيى الآمال بإمكانية التعايش الحضاري بين الأمم بمختلف أديانها وفلسفاتها وبخاصة أمة الإسلام، بشرط أن يسود العدل والموضوعية والإنصاف واحترام المقدسات والأديان بين الجميع، وأن يرتكز الحوار بين الحضارات على أساس التعددية والاعتراف بالآخر. ولعل القارئ يدرك - إن شاء - أن هذا النقل الموضوعي لتلك الآراء المنصفة لا يهدف إلى تحسين الصورة التي رسمها الخطاب الكنسي اللاهوتي الموتور أو ترجمتها كتابات المستشرقين الحاقدين والمفكرين المناوئين عن الإسلام ونبيه عليه السلام، بقدر أنها محاولة لتوضيح الجانب المضيء من آراء بعض المفكرين والمثقفين من الغرب والشرق حيال الأمرين معاً؛ الإسلام ونبيه. وباختصار نقول : إن هذا الكتاب ليس مؤلفاً دينياً يبحث في العقيدة، وليس سِفراً يعرض لأصول الدعوة أو يؤرخ لها، وليس خطاباً توعوياً يحث الناس على الالتزام بدينهم ومقومات عقديتهم، ولكنه - ببساطة ، كتاب يبحث في إشكالية الثقافة الغربية مع الإسلام وبينه الكريم عليه السلام لتحقيق هدفين أساسيين هما: الأول: الانفتاح على النخب في الغرب بمختلف توجهاتها ليعرض الكتاب عليها ما تضمنه بين دفتيه من سرد لأنواع الهجوم وأشكال الاستعداء وأصناف الشنآن التي حفلت بها تلك الثقافة في مختلف مكوناتها وعناصرها تجاه الإسلام وضد نبيه بأسانيد موثقة ومراجع محددة ؛ كما يسعى الكتاب لتقديم الإسلام لتلك النخب بصورة واضحة وواقعية جلية كما يدين له المسملون، ويؤمنون به. الثاني: فتح نوافذ للحوار بين الحضارتين الغربية الإسلامية - ولا نقول الثقافتين فقط - من خلال نخبهما ومطالبة تلك النخب بالعمل سوياً لإرساء مفاهيم ومنطلقات عامة لتكون معالم في الطريق إلى علاقة سوية ومتوازنة بين الغرب والإسلام تسد الفجوة بينهما، وتزيل الجفوة بين شعوبهما لتعيش الشعوب مع باقي الإنسانية في تفاهم وتعاون فتتحقق الأهداف الإنسانية السامية والتوجهات البشرية الراقية لخير سلام العالم وأمنه. فصول الكتاب ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول في الفصل الأول يكون الحديث بصفة عامة وموضوعية عن الثقافة بمفاهيمها ومعانيهان ومكوناتها، ومدى خضوعها للأيديولوجيات وتأثيرها على الأخلاق والبيئة، والتفاعل الثنائي بين ثقافة الفرد والبيئة، وأهمية ذلك في التفاعل الحضاري بعمومه؛ وقبل الحديث عن نشأة الثقافة الغربية، ياتي الحديث عن الثقافة والانتماء والربط بين الثقافة والفكر، لينتقل بعد ذلك الى العولمة من منظور إسلامي من حيث المنطلق العقائدي والاساس الفلسفي واستخلاف الله للإنسان في الأرض ليعمرها بالعدل والإنصاف والمساواة، لينصرف بعدها الحديث عن عولمة الفكر وثقافة العولمة، ليثير تساؤلاً عن ثقافتنا والعولمة.. خصوصية أم تبعية؟!لنختتم الفصل الأول بالتوقف عند الحضارة الإسلامية مع إسقاطات على الحضارة الغربية. وبهذا .. تشكل محتويات الفصل الأول اللّبنة الأساسية للبحث في إشكالية الثقافة الغربية مع الإسلام. الفصل الثاني أما الفصل الثاني من الكتاب فيعرض فيه المؤلف للمسيرة التاريخية لتجني الثقافة الغربية على الإسلام، مع توضيح للتطور التاريخي لموقف الغرب من الإسلام، والتطرق للظروف السياسية والاجتماعية والإعلامية، ليسرد مواقف معاصرة لثقافة الكراهية ويعطي نماذج لمعاملة بعض المجتمعات الغربية للأقليات الإسلامية المقيمة بها، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م ، ولعل السرد التاريخي لإساءة الغرب لأديان مختلفة خلال المائة عام الأخيرة الذي أورده المؤلف ليستشهد به في هذا الفصل يساعد على التوضيح. ويبحث الكتاب في فصله الثاني أيضا في ثقافتنا الإسلامية وموقف الآخرين منها ليبين ركائز تعامل الثقافة الغربية مع الغسلام ونبيه عليه السلام من منظور الفكر المسيحي وجهد الكنيسة في تنصير المسلمين، ثم يبين كيف ظهر نبي الاسلام في الآداب والفنون والفلسفة الغربية ومن حرص المؤلف على التطلع إلى تعايش ممكن بين الإسلام والغرب، يتجه بحثه الى موقف المسلمين من ثقافة الآخر ليحدد الفئات المهتمة بعلاقة الغرب بالإسلام دون ان يهمل التحالف القائم بين الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية التي كشرت عن انيابها وظهرت على السطح بصورة فجة عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. ويتوقف المؤلف ليفصل أمرين: الأمر الأول: هو الارتباط العضوي بينن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام والرسالة التي حملها والقرآن الذي أوحي به إليه، والفصل بين الرسالة والرسول عليه السلام لا يكاد يبين في الهجوم الذي تعرض له سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. فقد توصل المؤلف الى قناعة بأنه لا يمكن الغوص في التراث الثقافي الغربي بحثا عن الصورة التي رسمها للنبي محمد علي السلام واضحاً ومجدياً وموضوعياً دون التعرض لموقف الغرب عموما ومثقفيه ومفكريه خصوصاً من رسالة الإسلام، وهذا ما يسعى المؤلف إلى إبرازه لسببين: السبب الأول : لأن الإسلام ارتبط في العقل الغربي بمحمد الرسول عليه الصلاة والسلام الذي حمل دعوته إلى الإنسانية جمعاء، فلولا الإسلام لما عرف نبيه عندهم ، حتى أن اسم "المحمدية" Mohammadism أطلقته بعض مراجع الثقافة الغربية وكتابات بعض المستشرقين بدلا من مسمى الإسلام، واستخدموا لفظ "المحمديون" وصفاً للمسلمين. السبب الثاني: لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في شخصيته وسيرته وخلقه وأوامره ونواهيه ينطلق من محتوى الرسالة التي حملها وهو القرآن الكريم الذي نزل عليه، ولأن ما كان يصدر إليه عليه السلام من تعليمات وتوجيهات إلهية يحملها له جبريل عليه السلام كان متسقاً مع أهداف الرسالة وسمو غايتها في هداية البشرية إلى الطريق القويم. أما الأمر الثاني: فهو مفهوم الثقافة الغربية ومعناها، فبعد طرح شامل لمعنى الثقافة ومفهومها ومقوماتها في الفصل الأول من الكتاب، يعرض الكتاب لتعريف الثقافة في الغرب من حيث إنها تراث "الإنسانياات الإغريقية اللاتينية"، أي أن الثقافة في رأيهم هي فلسفة الإنسان، وقد ذكر محمد الحداد في بحثه المنشورر بجريدة الحياة يوم 26 أبريل 2009م ، بأن الغربيين يعرفون المثقف بأنه "الشخص الذي يتمتع بسلطة معرفية في مجال معين ويقبل توظيفها بقصد التأثير في القضايا الاجتماعية باتجاه التطور والرقي" مستمدين هذا التعريف من التجربة التاريخية الغربية في صيغتها الليبرالية كما أشار الحداد. أراء في الثقافة الغربية ويعرض هذا الكتاب في بعض صفحاته رأيين في الثقافة الغربية وموقفها من الإسلام ومن نبيه الكريم عليه السلام: الرأي الأول يؤكد على أن العقيدة المسيحية والتعصب الديني والتأثيرات اليهودية في صلب العقيدة المسيحية تلعب دوراً مؤثراً في تشويه صورة الإسلام والنبي محمد عليه السلام، وما واكب ذلك من ابتزازات سياسية من اللوببي الصهيوني - المسيحي في معاداة الإسلام وما دعا إليه نبيه ودافع من أجله، وقد استعرض الكتاب موقف الفكر الديني المسيحي من الإسلام ونبيه، واستشهد بنصوص موثقة. الرأي الثاني يعتبر الثقافة الغربية ثقافة لادينية وكيف أن هذا المفهوم أخذ أبعاداً فلسفية وفكرية وفنية من رسومات وأفلام سينمائية ونشرات في التعرض للغسلام ونبيه الكريم، ورصد الكتاب مواقف بعض المفكرين الاستراتيجية وفلاسفة الغربيين من الإسلام والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام. كما بيّن المؤلف في كتابه هذا الاختلاف في المفهومين وأكد بأنه وإن بدا الاختلاف في الظاهر بسيطاً وسطحياً، إلا أنه في الحقيقة والواقع عميق ومؤثر في إدراك الغرب للمعاني والقيم التي وردت في القرآن الكريم ، والمبادئ والأسس التي بني عليها الإسلام وبالتالي موقف الفكر الديني الغربي بخاصة والفكر الغربي بعامة من النبي الكريم عليه السام وتقييمه للموقمات العقائدية التي استند عليها المجتمع المسلم من ناحية، وشعوره تجاه المسلمين وفرض هيمنته وتعاليه وتسلطه عليهم بمختلف الحجج والمبررات ونظرته تجديداً إلى نبي الإسلام عليه السلام؛ سواء كانت النظرة عامة أو أكاديمية متخصصة من خلال الصورة النمطية السلبية والسيئة للعربي والمسلم. ويؤكد الكتاب أنه وإن أمكن تخطي الاختلاف الظاهري بين المفهومين، فيظل هناك رأيان للباحثين المهتمين بالعلاقة مابين الإسلام والغرب والدارسين لها، يتحكمان في تقييمهم لما يتعرض له كتاب الله القرآن الكريم والنبي محمد عليه الصلاة والسلام من إجحاف وظلم في كثير من مكونات الثقافة الغربية، وهذان الرأيان نابعان من المفهومين السابقين لماهية الثقافة الغربية كما يتضح: الرأي الأول: يرى بما أن الثقافة الغربية هي ثقافة عقائدية مسيحية خضعت في الماضي ومازالت تخضع في الحاضر لتاثيرات يهودية عقائدية، كما أنها انصاعت في الماضي ومازالت تنصاع في الحاضر لابتزازات سياسية من اللوبي الصهيوني - المسيحي ، لذا يعتقد أصحاب هذا الرأي أن استعداء الغرب للقرآن وعقيدة الإسلام ورسالته ونبيه، هو استعداء نابع من خلفية عقائدية متعصبة وحاقدة، وكراهية دينية كريهة ومخزية ومحزنة، وكأني بأصحاب هذا الرأي يستشهدون بالآية الكريمة: " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"الآية.. الرأي الثاني: على النقيض من الأول، فهو يتبنى المفهوم الثاني حيث يُعرّف الثقافة الغربية بأنها ثقافة لادينية وتستند على العلمانية التي لا تقر بأي دور للدين في شؤون الحياة في المجتمع، ومن ثم فإن تلك الثقافة في نظر أصحاب هذا الرأي تقف من الأديان الثلاثة المسيحية واليهودية والإسلام على مسافة واحدة من حيث موقفها المبدئي من الدين - ايا كان هذا الدين، من الأديان السماوية الثلاثة المعاصرة، وتأكيدها على النفور منها وانفصالها عن الشؤون الدنيوية، باعتبار أن تدخل الدين أيا كان هو في عرف اصحاب هذا الرأي تخلف وانكفاء يدحض التقدم ويستعدي النهضة ويعوق التطور. وبعد أن يستعرض الكتاب نصوصاً متعددة ومختلفة مما وقعت عيه يدي المؤلف، يصل الى محصلة من ثلاثة أمور: الأمر الأول أنه وبغض النظر عن مفهوم الثقافة الغربية من حيث إنها مرتكزة على العقيدة المسيحية أو إنها علمانية لا تعترف بدور للدين في الحياة، فقد نال الإسلام والنبي الكريم منها نصيباً وافياً من النقد السلبي والتجريح الشديد والشخصي، مع قليل من الموضوعية والإنصاف كما سوف نرى في النصوص التي استحضرها الكتاب واستعرضها بموضوعية وتجرد. الأمر الثاني: هو أنه يخطئ من يظن أن الفيلم الذي ظهر مؤخراً عن الحياة الاجتماعية عن النبي الكريم أو الرسوم الكاريكاتورية التي ظهرت من قبل في صحيفة دنماركية وترمز إليه عليه السلام بغير ما فيه وتصفه بنعوت غير صحيحة وتصوره بأشكال تمثل هجوماً ساخطاً وساخراً عليه في آن،وحاشا ذاته الشريفة من أي من ذلك، هي عمل مفاجئ وجديد وغير مسبوق في التاريخ الثقافي الغربي من قبل من حيث كونه هجوماً موتوراص مشبوهاً، ويشوه الصورة الناصعة المقدسة لنبي المسلمين ويهدف الى الاساءة إليهم في شخصه أمام القارئ الغربي. فالسجل التاريخي الحافل للتوتر المليء بالعداء الذي يسود العلاقة بين الغرب والإسلام يدل على أنه قديم ومتجدد ، وطالما وجد من يستدعيه - من الطرفين الغرب والمسلمين - من أعماق التاريخ ويستحضره من دفاتره فيوقظ فتنته ، ويؤجج نيرانه لتكرر الدورة وإن بصورة ونماذج وأشكال وهياكل مختلفة، وما الرسومات تلك سوى حلقة في سليلة قائمة ومتصلة منذ بزوغ شمس الإسلام في القرن السابع الميلاديي مروراً بالعصور الاوروبية الوسطة والحروب الصليبية العصر الحديث بما حفل به من احداث متفجرة وحوادث متفرقة، وانتهاء بتداعيات الهجومين الانتخاريين في نيويورك وواشنطن في سبتمبر 2001م وما تلاهما من احتلال افغانستان والعراق ومحاصرة وتجويع الفلسطينيين وإذلالهم. الأمر الثالث هو أن الاستعراض الموجز لعبض الكتابات والآراء التي عكست موقف الثقافة الغربية من شخصية النبي الكريم عليه السلام ورسالته الإسلام، يشير الى قضيتين ويؤكدهما: القضية الأولى: هي أن ما كتب عن الإسلام في الثقافة الغربية من الكثرة والتعدد والتشعب ما يجعل من المستحيل حصره كله وتجميعه وتصنيفه. القضية الثانية: هي أن اهتمام الثقافة الغربية بالنبي عليه السلام قديم ومتجدد ومر بعدة مراحل من أبزرها ثلاثاً: المرحلة الأول: كانت مع إشراق شمس الإسلام وانتشار رقعته عندما كانت اوروبا تعيش في ظلام عصورها الوسطى، مروراً بالحروب الصليبيية التي قامت لمناهضة انتشار الإسلام، وكبح جماع حضارة التطور والتنوير التي قادها المسلمون لإضاءة العالم بأنوار العلم والمعرفة، وهداية الإنسانية إلى الحق والعدل والخير. المرحلة الثانية: واكبت مامر بالحضارة الإسلامية من هبوط، وما تلاها من انتكاسات في محصلة العلوم المتطورة والمعرفة المتقدمة لدى المسلمين، وضعف القواهم وذهاب ريحهم وازدياد هوانهم على أمم الارض. المرحلة الثالثة: ولعلها من اهم المراحل على الاطلاق لعلاقتها بالواقع المعاصر قبل وفي اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، بقيادة اليمين الأمريكي والصهيونية - المسيحية، وهي المرحلة القائمة اليوم والتي يعيش الإسلام معها وفيها ومن أجلها محناً وتحديات ، ويتعرض فيها ومن خلالها لهجوم ضار وشرس شمل العقيدة والثقافة والقيم والمبادئ وشخصية النبي عليه السلام، والجدير بالتذكير في هذا السياق هو ان الحروب الصليبية "للفرنجة" كانت لها تأثيراتها أيضاً. أما الفصل الثالث فقد أُفرد لمجموعة نصوص منصفة عن النبي الكريم عليه السلام، التي جاءت على ألسنة بعض كبار المفكرين والفلاسفة في الغرب، ونفر من فلاسفة ومفكري الشرق.لقد رغب المؤلف أن ينهي الكتاب ببعض هذه الأقوال الايجابية بالنصوص الموثقة عن النبي الكريم عليه السلام لهذه المجموعة من المفكرين والفلاسفة والأدباء الذين لم تمتلئ قلوبهم بالحقد والشنآن والكراهية، ولم تطمس الهجمات الشرسة عبر التاريخ وحتى اليوم ضد الإسلام ونبيهه العظيم على أبصارهم. ويأتي نقل هذه الأقوال ليس بهدف تحسين الصورة التي رسمها الخطاب الكنسي اللاهوتي الموتور او ترجمها بعض المستشرقين والمفكرين غير المنصفين في كتاباتهم، ولكن للتأكيد على أنه مازال هناك مفكرون وغربيون وغيرهم في العالم اجمع يمكن ان يوصوفا بالموضوعيين او في احسن تقدير بالمحايدين، ويكون في ذلك تأكيد لألوهية الله للجميع وبسط الحق ودحض الباطل ورفع الظلم ونشر العدل وتعزيز الخير وتبادل المنافع بين الناس. كل ذلك بأمل أن يكون التعايش الحضاري واحترام الأديان والمقدسات أمراً ممكناً بشرط مواكبته للعدل واتسامه بالإنصاف وتعزيزه للموضوعية، ولعل هذا من أبرز الأهداف التي يسعى الكتاب إلى تحقيقها في عصر أصبح التعاون بين الأمم والثقافات من أهم مميزاته وأبزر خصائصه.