أستاذ الفكر الديني اليهودي ومقارنة الأديان كلية الآداب – جامعة عين شمس مؤلف الكتاب هو البروفسور مارك كوهين، أستاذ التاريخ اليهودي في قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون، ولاية نيو جيرسي، بالولايات المتحدةالأمريكية. والكتاب الذي نقدم له هنا، عنوانه \"بين الهلال والصليب، وضع اليهود في القرون الوسطى\"، دراسة مقارنة لمارك ر. كوهين قدم لها صادق جلال العظم، ترجمة حديثة صدرت في كتابه عن منشورات \"الجمل\" قام بها إسلام ديه معز خلفاو،. ويتكون الكتاب من مقدمة وعشرة فصول وخاتمة (عدد صفحات الكتاب 455 صفحة 21.3x 14 سم). وهذا الكتاب ترجمة لكتاب ظهر بالإنجليزية سنة 1994م وعنوانه: Under Crescent and Cross -The Jews in the Middle Ages, Princeton University Press: Princeton, New Jersey, 1994 وقد تُرجم هذا الكتاب إلى اللغة التركية واللغة العبرية، وظهرت الترجمة الألمانية في سنة 2005م، والكتاب الآن تحت الطبع باللغة الفرنسية. يظهر الكتاب مدى سماحة الإسلام مع اليهود.. ويسلط الباحث الأميركي مارك كوهين في كتابه الصادر حديثا الضوء على أوضاع اليهود في المجتمعات الإسلامية والمسيحية في العصور الوسطى ويقدم تحليلا لسبب الاختلاف في التعامل مع هذه الأقلية في أوربا والعالم الإسلامي. ويقول مارك كوهين في صدر مقدمته (للترجمة العربية): \"لقد أنفقتُ جُلّ حياتي العلمية، كمؤرخ للقرون الوسطى، في دراسة التاريخ الاجتماعي لليهود الذين أقاموا في البلاد الإسلامية. وقد سعيت في هذا الكتاب الذي طُبِع أول مرة سنة 1994م، إلى فهم السبب الذي جعل القرون الوسيطة الإسلامية (أي الفترة الممتدة ما بين ظهور الإسلام وحكم المماليك) أكثر أمناً وسلامةً بالنسبة إلى اليهود مما كانت عليه حياتهم في شمال أوروبا المسيحية وغربها، من دون أن ألجأ إلى قراءات تبسيطية أو طوباوية. فقد زادت الأحداث التي تلت سنة 1967م، ولا سيما الأحداث التي وقعت في العقد الأخير أي الفترة التالية عن صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، زادت من جذوة الصراع بين العرب واليهود وصاحبتها قراءة تبسيطية للتاريخ. فأيّد بعضُهم الاعتقاد بأنّ الشرّ قيمةٌ طبيعيةٌ متأصلةٌ في الإسلام. وذهب آخرون في ذلك مذهباً بعيداً فاعتبروا العنف المنسوبَ إلى الإسلام اليومَ بمثابة امتداد لعنفه الماضي تجاه اليهود والمسيحيين. هذه القراءة وأمثالها هي التي يسعى الكتاب إلى نقضها\" (ص 11- 12). يقول مارك كوهين في مقدمة الكتاب (للنسخة الإنجليزية): \" إن الموضوعية تحتم علينا أن نحاول مقارنة عدم التسامح المسيحي بنظيره الإسلامي لما لهما من أوجه شبه وأوجه اختلاف. إن الإسلام، بغض النظر عن عديد من الاضطرابات، قد أظهر من التسامح إزاء اليهود الذين عاشوا في بلاد المسلمين أكثر مما أظهرته أوروبا\" (ص 20- 21). في الفصل التاسع من الكتاب، وعنوانه \"الجدل بين الأديان\" يشير المؤلف إلى الكتابات اليهودية والإشارات الواردة إلى السيد المسيح في المشنا والتلمود، التي طعنت في السيد المسيح واستخفت به وانتقصت من شأن المسيح وأفعاله، وهي أمور تُظهر مدى العداء والكراهية التي سيطرت على تصرفات اليهود ضد المسيحية وضد السيد المسيح. يقول المؤلف في هذا الصدد: \"لإدراك شدة التحدي الذي مثَّلته \"دلائل\" العهد القديم على صحة المسيحية بالنسبة إلى اليهود (وكذلك الردود ضد اليهودية)، يحتاج المرء فقط إلى أن ينظر في الردود اليهودية، فالتفاسير اليهودية المبكرة تحتوي على عديد من الردود الضمنية على المسيحية التي سعت إلى تدعيم ثقة اليهود بأنفسهم في وجه تيار الاعتداء المسيحي. هذا بالإضافة إلى أن الأدبيات المشنية والتلمودية تحتوي على إحالات تشيد بالمسيح رغم أمها، بحلول عصر الطباعة، قد حذفت معظم هذه الإشارات بسبب الرقابة الذاتية أو بسبب مراقبة المسيحية. كما وجدت أيضاً ترجمة لحياة عيسى بالعبرية في العصور الوسيطة المبكرة، وهي استخفاف ساخر ينتقص من شأن المسيح وأفعاله. أما المؤرخون اليهود في العصور الوسيطة فإنّ تأريخهم لمعاناة اليهود على أيدي المسيحيين، وخاصة خلال الحروب الصليبية، يبرز الاحتقار في شأن المسيح والمسيحية. وقد لقّب عيسى بأسماء مثل \"المصلوب، جسد متعفن لا يمكنه أن يخلِّص ولا أن يفيد\"، وأما المسيحية فقد صُنِّفَت عادة، على الأقل في المستوى النظري، كديانة وثنية\" (ص 318). ويقول المؤلف في خاتمة الكتاب: \"لقد حاولت أن أبرز بوضوح من خلال المقارنة المعقودة في هذا الكتاب وضعية اليهودي ككافر في العالم المسيحي الغربي، حيث كانت وضعيته أقل التباساً ووجوده أكثر عرضةً للخطر مما كان عليه وضع اليهود في الإسلام. فقد ضاعف النشاط اليهودي في المجال الاقتصادي في الغرب اللاتيني، وخاصة في القرون الوسطى العليا والمتأخرة، الشعور المسيحي الدّفين بمعاداة اليهود. وتضاعفت الحواجز أمام التفاعل الاجتماعي، فأصبح إمكان تجاوزها قليلاً. وأيضاً فإن الكراهية الدينية الدفينة قد كان لها أثر سلبي على القانون والسياسة التي نمت عبر الأزمنة (ص 444).