أصبح السيناريو السوري مثاراً للجدل بين تيارات متنازعة الأفكار والتوجهات، ثمة جماعات مسلحة تتمركز بالمدن ومظاهرات صغيرة يُقتل فيها من يُقتل، وهي مظاهرات تكتيكية ولها دعم لوجستي داخلي وخارجي، ويُرسَم لها مخططات ودراسات، وتُوحَّد فيها الشعارات والأماكن والأشخاص! وفي الطرف الآخر مظاهرة بالآلاف وهي مظاهرة عفوية من دون شك ولم يَدعُ لها أحد، ولم تنسّق من قِبل طرف أو تموّل من أي جهة، وتكون فيها الشعارات موحدة، والوضع فيها مدروس وتحمل علماً يزيد على 2 كيلو متر طولاً، يُصنع ويوضع في اوتستراد المزة بصورة غاية في العفوية، ولحسن الحظ يكون التلفزيون السوري موجوداً مصادفة فيرصد هذه المظاهرة العفوية التي تعبر عن ولاء الشعب مع الأب القائد ولحَمةٍ وطنية طازجة! تماماً كما في مناطق الموت والتهجير والسفك والإبادة، إذ التكتيك والخطط العسكرية والآليات التي يملكها المسلحون من تطور في الاتصالات والأجهزة، يعجز الجيش السوري نفسه عن الوصول إلى تلك التقنية، وذلك كما عبّر عنه أحد المتطوعين للتحدث باسم جيشنا الباسل. لم يكتفِ الإعلام السوري المنحط مهنياً وأخلاقياً عن ترديد هذه السفسطة الباهتة، إذ يزور مواطنو «جسر الشغور» أقاربهم في وقت واحد، ويذهبون إلى تركيا بعدد يزيد على خمسة آلاف واصل لرحمه بار بأقربائه، ومع أي تكتل من ثلاثة أشخاص أو أكثر فثمة مسلح يعيش في ما بينهم، يهدد أمن الوطن والمواطنين، ويقضي بالموت على الجيش والأمن المدجج بالسلاح والدبابات، وتنقضي ثلاثة أشهر ونيف ولا تزال المدن السورية تغص بالمسلحين الذين يتنقلون من مدينة لأخرى متباعدة الأطراف مختلفة الطقوس والجغرافيا. كما يلفت انتباه العفوية البريئة في مسيرة التأييد التي ضُخّت فيها ملايين الليرات السورية من عفويين يحبون بلدهم ويريدون الخير والبر به، لم يُقدِّم هؤلاء الآلاف أي طلب إلى وزارة الداخلية لهذه المسيرة، مع أن النظام يقضي بألا تقام مسيرة مؤيدة أو معارضة إلا بطلب وموافقة، فقد خالف هؤلاء الآلاف نظام الدولة، وقطعوا شريان دمشق بالعلم المليوني، ومن بركات رب السماء أنه لم يكن بينهم لا شبيح ولا مندس ولا مسلح، لا تسأل لم؟ ألم تؤمن بالقضاء والقدر؟ إذن فهذا قضاء الله وقدره! أما لو يخرج 100 شخص يعبرون عن حرية تاق لها أجدادهم وتمنوا أن ينعموا بها ولو يوماً واحداً فأؤلئك ينطوي فيهم مندسون وسلفيون مسلحون يروعون الآمنين ويقتلون الأمن والجيش، وكذلك لا يحق لك أن تسأل لم؟ لأنه قضاء وقدر؟ إن من فتك الله بنظامنا المؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره، أنه يكشف سوءته يوماً بعد يوم، من فمه وفعله، وكلما أراد ترقيع صورته الفولاذية يخرقها بكف مائية، وإن لم يتدارك نفسه ووضعه فسيبقى على هذه الحال إلى أن تأتي نسمة من نسمات القضاء والقدر فتطيح به وبهلوسته العارمة. فرفقاً أيها المتباسلون المتطوعون بأنفسكم، وادرسوا القضاء والقدر جيداً قبل الإقدام على الإيمان به، كي لا تنكشف سوءاتكم السيئة. [email protected]