ربما قدر لسؤال كهذا أن يطرح بإلحاح، لماذا مع تزايد القهر والموت والطغيان تظهر السخرية على السطح كردة فعل طبيعية ؟! كيف يمكن أن نجمع بين السخرية والموت والدماء، الكوميديا والاعتقال والسجن والتعذيب ؟! هذا ما رأيناه مع الثورات العربية، في السخرية اللاذعة من السلطة في تونس مصر وليبيا اليمن واليوم في سوريا، رغم أن الأخيرة هي الأشنع إجراما وقتلاً وتنكيلاً بالبشر. خرجت مع بداية الثورة السورية مقاطع فيديو ساخرة من الرواية الرسمية للأحداث، من أشهرها المقطع العفوي الذي يحمل به شباب حمص الكوسا والباذنجان والخيار على أنها أسلحة ! بعد حديث السلطة عن الميلشيات المسلحة. ثم توالت النكت العفوية في شعارات المتظاهرين كلوحة «بدنا كومبارس لعمل مشهد مندسين» ، وحتى النكت التي يتبادلها الناس في وسائط الإتصالات المتنوعة، خاصة شبكة الإنترنت. ثم توالت البرامج السورية الأكثر إحترافية، والتي أنتجت لغرض محدد هو السخرية من النظام وما يفعل، من الإستبداد والطغيان، من أبرز هذه البرامج برنامج «حرية وبس» وهي مقاطع قصيرة ساخرة من السلطة، وتحركاتها وسياساتها منذ بداية الثورة. والبرنامج الآخر الذي حصد شهرة جيدة «عنزة ولو طارت» بتقديم «مندسة» والتي سخرت من رموز السلطة في سوريا ومن يدعمها من خلال جمع تصريحاتهم الصحفية والتعليق عليها. وجاهة السخرية والضحك في مواجهة الموت والدم ناتجة من كون السخرية تعني نهاية أي هيبة للسلطة في القلوب، فالسخرية هي ذروة نزع القداسة، وإنهاء حضور موضوع السخرية في نفوس البشر، عندما تسخر من شيء أن تلغي أي نظرة إكبار له، وبالتالي لا ترى فيه إلا موضوعا للضحك والفكاهة، لا يستلزم منك أي رؤية جدية، لأن السخرية تأتي في منطقة العاطفة وتتماهى مع مشاعر الإنسان بصورة بسيطة ومؤثرة. من هنا لم تكن السخرية مجرد عبث، بل نتيجة طبيعية لإنهاء أي سلطة تصبح موضوعا لها، وهي ذروة لنقد أي شيء، وفتح مجال الحديث عنه بصدق ووضوح أكبر.