إذا ما قدر لك أن تحضر ساعة الغداء في المطاعم الملحقة أو تلك القريبة من سفاراتنا وملحقياتنا وقنصلياتنا السعودية في الخارج فستدهش حتماً مما تشاهده وتراه. ففي الجانب الأيمن من المطعم ستعتقد للوهلة الأولى انك في الخرطوم او عطبرة. وفي الجانب الأيسر من المطعم ستنتقل فجأة الي عمان والرمثا ورام الله. ولن يخفى عليك تجمع أبناء الأهرام في زاوية من زوايا المطعم. وما بين تجمع وآخر ستمر على بعض الوجوه من صنعاء ومقديشيو ودمشق وبغداد وغيرها. والقاسم المشترك الأوحد بين هذه الأجساد والوجوه المتقابلة على الموائد هو انها تعلق بطاقات موظفي السفارات والملحقيات التي شعارها السيفين والنخلة. وان سألت عن السعوديين فلن تخطئ العين واحداً هنا وآخر هناك، ولكنهم أقلية في سفارة او ملحقية او قنصلية يرفرف عليها علم بلادهم وتقدم خدماتها لمواطنيهم، وهنا موضع الاستغراب والتساؤل بل والحسرة. وحتى لا أتهم بالتعميم فسأحكي ما رأيته شخصياً، وهو أمر ليس بالسر، ويراه كل مراجع أو زائر لسفاراتنا وملحقياتنا وقنصلياتنا في الخارج، مع استثناء القنصليات العسكرية فقط من هذا التعميم. ففي أوائل 2004 ذهبت لواشنطن دي سي لتصديق شهادتي من ملحقيتنا الثقافية هناك، وكان المخول بالتفتيش على جهاز الفحص الأمني على مدخل الملحقية أخاً من أحد البلدان العربية وكان مهذباً ولطيفاً، وأردت ممازحته فقلت له اننا يجب ان نتبادل الأدوار، وأفتشك أنا فنحن في الملحقية السعودية، ومررت وأنا أضحك وهو يضحك لأن كلانا يعلم ان الوضع خطأ. وحينما عبرت بوابة التفتيش هالني حقيقة ما رأيته، ف95 في المئة من الموظفين ليسوا سعوديين، وأنا أتحدث هنا عن ملحقية واحدة توظف ما لا يقل عن 250 شخصاً كمشرفين على الطلاب ومسؤولي علاج وتذاكر وإركاب وخلافه. بعدها بساعة تقريباً دخلت الى سفارتنا في واشنطن، وكان عدد السعوديين اكبر، الا انه –وهو تقدير شخصي- لا يجاوز 40 في المئة من اجمالي موظفي سفارتنا في واشنطن. اليوم في بريطانيا، الوضع لا يختلف كثيراً، فالاخوة العرب يمثلون ما لا يقل عن 80 في المئة من موظفي ملحقيتنا الثقافية التي يصل عدد موظفيها اجمالاً لما يزيد على 300 شخص. وفي سفارتنا ما زال إخوة وأخوات عرب كثر يعملون ومنذ سنوات طويلة. ولم أزر ملحقيتنا الصحية، ولكن ما نقل لي ان الوضع لا يختلف كثيراً، وتم الاكتفاء بالسعودة هنا وهناك في رئاسة الأقسام فقط، وهي أوضاع تدعو للتساؤل والمناقشة بل وحتى المساءلة. لماذا لا يوظف السعوديون في سفاراتهم وملحقياتهم؟ من المسؤول عن غيابهم؟ أتراهم لم يجدوا موظفين يقبلون الذهاب الى واشنطن ولندن وغيرهم؟ يكذب من يقول ذلك، فالكثيرون يتمنون ويحلمون. أتراها صعوبة الأعمال وعدم وجود السعودي المؤهل؟ يكذب من يقول ذلك أيضاً، فلا تحتاج وظيفة المشرف الطلابي لأكثر من متابعة دراسة الطالب وكتابة خطاب الضمان المالي لجامعته. ان السعودي ذكراً كان او انثى حينما يلتحق بالعمل في سفاراتنا وملحقياتنا في الخارج فسيحصل على جواز ديبلوماسي وبدل سكن وبدل تمثيل وتذاكر سنوية وسيُلحِق أبناءه وبناته بالبعثة بحسب النظام الصادر بذلك، فمن لا يرغب في ذلك؟ ولماذا يُحرم مواطنونا من ذلك؟ أليست نسبة البطالة تراوح حول 7 في المئة للذكور و30 في المئة للإناث؟ فلماذا لا نوظفهم في سفاراتنا وملحقياتنا؟ وأختم بعدة نقاط أوجزها في التالي: أولاً: ان ما قلته ليس حسداً ولا تمييزاً ولا عنصرية ضد إخواننا العرب الذين عملوا وما زالوا يعملون بكل اخلاص وجد في اجهزتنا في الخارج، ولهم على ذلك كل الشكر، ولكنه آن الآوان ليتولى السعوديون شؤونهم الذين هم أولى بها، ولتعالج وظائفهم بطالة شبابهم وبناتهم. ثانياً: لا يلام سفراؤنا وممثلونا وملحقونا على هذا الوضع، وقد تحدثت الى عدد منهم عن الموضوع، والشهادة لله انهم مع السعودة ويطالبون بها، ولكنهم لا خيار لهم الا العمل بالفريق الذين وجدوه امامهم، ومن يرسل السعوديين هي الجهات التي يتبعون لها، وليس لهم اختيار في ذلك. ثالثاً: ان ما قلته عن واشنطن ولندن هو عن اطلاع شخصي، واذا ضربنا العدد في ما يصل الى 150 سفارة سعودية و60 ملحقية ثقافية ومثلها ملحقية صحية فسنجد ان هناك ما لا يقل عن 6 الى 8 آلاف فرصة عمل للمواطنين والمواطنات وما زالت غير متاحة لهم. رابعاً وأخيراً: أطالب وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل بالاجتماع مع مسؤولي التوظيف في وزارة الخارجية ووزارة التعليم العالي ووزارة الصحة وعمل هيكلة وجدولة لإحلال المواطنين وتوظيفهم في سفارات وملحقيات بلدهم بأسرع وقت وأقصر مدة. * اقتصادي سعودي - بريطانيا. www.rubbian.com