واشنطن، أثينا - أ ف ب، رويترز - يواجه صندوق النقد الدولي معضلة في اليونان، إذ يجب أن يختار بين الاستمرار في دعمها على رغم تفاقم سلامة ماليتها العامة، وبين تركها تتخبط في أزمتها تحت طائلة التسبب بكارثة لمنطقة اليورو. وكانت اليونان في ضوء هذا الوضع المالي المقلق وعجزها عن الاقتراض على المديين المتوسط والطويل، وعدت بعد ضغط الجهات المانحة، بتخصيص أصول حكومية يمكن أن تنتج 50 بليون يورو، من دون توافر أي خطة للتنفيذ. فيما وافقت الغالبية من اليونانيين في استطلاع أخير على عمليات التخصيص، إذ فضّلت بيع أصول حكومية وتطويرها لجمع 71.19 بليون دولار، لتفادي التعثر في تسديد الديون المتفاقمة. ويدرس فريق من الصندوق في أثينا حالياً، شروط تقديم الدفعة الخامسة من قرض قيمته 30 بليون يورو. وبدأت هذه المهمة الحاسمة قبل أربعة أيام من توقيف المدير العام للصندوق دومينيك ستروس - كان، وستمتد لفترات غير اعتيادية، من دون وضوح في ما يمكن أن يتوصل إليه من نتائج. واعتبر المدير العام للصندوق بالوكالة جون ليبسكي في تصريح إلى شبكة تلفزيون «بلومبرغ تي في» في دوفيل (فرنسا)، أن «الأمر بسيط جداً»، مشيراً إلى وجود «شروط ومعايير يفترض الوفاء بها لتسديد الأموال». وأوضح أن «موظفي الصندوق بالتعاون مع نظرائهم الأوروبيين موجودون في أثينا حالياً، وهم في صدد البحث في ذلك مع السلطات اليونانية». وفي العادة لا ينشر صندوق النقد شروطه ومعاييره، لكن وفق المبدأ العام، يجب على الدولة العضو التي تحظى بالمساعدة، أن تضمن امتلاكها حتى مستقبل منظور، التمويل اللازم لمواجهة التزاماتها، وبمعنى آخر، لا يدعم الصندوق سوى الدول التي تملك الوسائل لتسديد قروضها. وأوضحت الناطقة باسم صندوق النقد كارولين اتكينسون، أن الصندوق «لا يقرض أبداً كما لا يسمح مجلس إدارتنا بالإقراض، عندما لا تتوافر لدينا الضمانة، بأنه لن يكون هناك فارق كبير» بين مصادر التمويل والنفقات. ورأى رئيس مجموعة وزراء المال في منطقة اليورو (يوروغروب) جان كلود يونكر، أن «هذا الشرط ربما يحرج الدولة المعنية». وأعلن مصدر مطلع على المفاوضات، أن الصندوق «لا ينوي أبداً ترك أثينا تغرق». لكن «لا يرى في الخطة الحالية للحكومة التزامات كافية للوفاء بكل الديون المتوجبة على اليونان. واعتبر الاقتصادي في «أميركان انتربرايز انستيتيوت» آدم ليريك، أن المؤسسة المالية الدولية «تدفع ثمن أخطاء ارتُكبت قبل سنة». ولفت إلى أن اليونانيين «عملوا بجدية أكثر مما كنا نتوقع عموماً. لكن الأمر يكمن في عدم الوفاء ببعض الشروط»، عازياً ذلك إلى «إساءة فهم البرنامج منذ البداية»، ورأى «ضرورة تمويل برنامج لصندوق النقد بالكامل من البداية حتى النهاية، بهدف بثّ الثقة». وكان الصندوق يتوقع فعلاً عودة اليونان الى أسواق الديون عام 2012، ولا يمكن التفكير في هذا الاحتمال اليوم، إذ يجب ردم الفجوة بطريقة أو بأخرى. وراهن ليريك على أن الصندوق «سيقرض الأموال في النهاية، وستتفق اليونان والاتحاد الأوروبي والصندوق على برنامج جديد. وسيقطع اليونانيون وعوداً جديدة وسيوافق الأوروبيون والصندوق على شروط أكثر مرونة». وأظهر استطلاع أجرته «كابا» للبحوث لمصلحة صحيفة «تو فيما»، أن «80 في المئة من اليونانيين يوافقون على استخدام الأصول للمساهمة في تعزيز الأوضاع المالية». لكن شكك 83 في المئة منهم، في قدرة الحكومة على تنفيذ مثل هذا البرنامج الطموح، ورأوا ضرورة أن يتولى رئيس الوزراء جورج باباندريو الإشراف عليه». وأكد 48 في المئة ممن شملهم الاستطلاع، ضرورة أن «يشكل تعزيز النمو الأولوية الرئيسة للبلاد»، فيما اقترح 38 في المئة استخدام حصيلة بيع أصول للنهوض بالاقتصاد، وأكد 35 في المئة ضرورة «استخدام الأموال في تسديد الديون». وكان مسؤولون من الاتحاد الأوروبي طلبوا من أثينا، تكثيف عمليات التخصيص، واقترحوا إنشاء مؤسسة وصاية للإشراف على العملية مشابهة للمؤسسة التي خصصت شركات ألمانياالشرقية بعد سقوط الشيوعية. ويأتي في مقدم برنامج التخصيص «سيفنغ بوست بنك» و «أو تي أي تيليكوم» وأكبر ميناءين في اليونان. وتتضمن المرحلة الثانية المقررة العام المقبل، حصة تصل إلى 34 في المئة في شركة المراهنات «أو بي أي بي»، فضلاً عن 17 في المئة في المؤسسة العامة للكهرباء. وفي إطار معالجة الديون المتعثرة في المصارف الحكومية، أفادت صحيفة «تو فيما» اليونانية، أن أثينا «تدرس إنشاء مصرف لتجميع السندات اليونانية المرتفعة الأخطار التي تحملها المصارف الحكومية والمقرر تخصيصها مثل بنك الادخار البريدي، على غرار ما فعلته اسبانيا، وجعل هذه المؤسسات المصرفية أكثر جذباً للمشترين المحتملين. ويُرجح أن المصارف اليونانية تملك نحو 50 بليون يورو من السندات السيادية القائمة، وكانت فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها الاسمية بعد أزمة الديون اليونانية، بينما تعني إعادة هيكلة محتملة للديون اليونانية مزيداً من الخسائر للمصارف.