هل تبقى أوروبا أسيرة أزمة الديون السيادية؟ واليونان هي، اليوم، على شفا الانهيار، وأوروبا تترنح على وقع تهافت الدولة هذه. وبعد أيام تبدأ مشاورات مفصلية لتحديد شروط بذل مساعدات جديدة عاجلة لليونان قد تبلغ قيمتها نحو 60 بليون يورو، في وقت تواصل أوروبا البحث عن حل دائم للأزمة. وحسِب المراقبون أن اليونان نجت من براثن الازمة، إثر اقرار رزمة المساعدات السابقة التي قدمها الاوروبيون وصندوق النقد الدولي في 2010، وبلغت قيمتها 110 بلايين يورو، والتزام أثينا خطة تقشف قاسية لتقليص العجز، وإطلاق مشاريع الخصخصة، واقتطاع 6.4 بليون يورو من الإنفاق الحكومي، ورفع مستوى الضرائب. والحسبان هذا لم يكن في محله. فمساعي تثبيت اليونان معدلات الاستدانة تعثرت. واقتصادها يغرق أكثر فأكثر في الازمة، والإجماع الوطني، ولو كان إجماعاً هشاً وشكلياً، على مترتبات خطط الخروج من الازمة ومصاعبها يتبدد. فالنقابات دعت الى اضراب عام في 15 الشهر الجاري. وإثر التدقيق في الحسابات اليونانية العامة، خلص خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الاوروبي المركزي، والاتحاد الاوروبي ودائنو اليونان الى أن أثينا لن تلتزم تقليص العجز 7.5 في المئة قياساً على الناتج المحلي في نهاية العام، على رغم أن استمرار المساعدات الاوروبية رهن التقليص هذا. ولا يسع أثينا اللجوء الى الاسواق المالية قبل 2012. وخفضت وكالة «موديز» تصنيف ديونها ثلاث درجات، فانكشفت امام المضاربات المالية من جديد، شأنها شأن الديون الكوبية. لذا، تشعر اليونان أن السيف مصلت على وريدها، وهي على وشك الاصطدام ب «جدار الاستحقاقات» (فوائد) على سندات ديونها التي تفوق 31 بليون يورو هذا العام. وفي الاشهر المقبلة، يفترض كذلك أن تسدد 12 بليون يورو للجهات الدائنة. ويوشك النظام المصرفي اليوناني على الانهيار. والبنك المركزي الاوروبي مد المصارف اليونانية ب 90 بليون يورو من القروض. فإذا أفلست اليونان اختل استقرار أوروبا المالي ومصرفها المركزي. والاوروبيون منقسمون، ولا يجمعون على سبل الخروج من الازمة. فهل في وسع أوروبا تحمل افلاس اليونان؟ وهل تلحق بها إرلندا والبرتغال إذا انهارت (اليونان)؟ ويدور النقاش على احتمال اعادة هيكلة الديون السيادية اليونانية، وهذه تفترض عجز اليونان عن تسديد استحقاقاتها المالية في 2011 و2012. ويترتب على اعادة الهيكلة تقلص قيمة سندات الدائنين بين 30 و40 في المئة في الاسواق. وساهمت المضاربات على احتمال اعادة الهيكلة في زعزعة استقرار منطقة اليورو. ويرى بعض الاقتصاديين أن اعادة الهيكلة واقعة لا محالة، وأن موعد انطلاقها وسبل إنفاذها لم يحددا بعد. والحق أن خيار اعادة هيكلة الديون هو الحل الاسوأ. فمثل هذا الحل يبعث الاضطرابات المالية في منطقة اليورو، ويبقي اليونان خارج الاسواق المالية طوال أعوام. فمترتبات إعادة هيكلة الديون سلبية، وهي صنو الافلاس. وأوروبا في مأزق، وهي لا تملك خيارات فعلية. ويغرق عجز اليونان عن سداد ديونها أو اعادة هيكلة الديون اليونانية، ولو كانت هيكلةً بسيطة و «ناعمة»، الاسواق المالية والديون الاوروبية في الفوضى. فمواصلة منح الاموال الى بلد عاجز عن سداد التزاماته يرجئ المشكلة ويفاقمها. ولا شك في أن تسديد اليونان ديونها ضرورة لا غنى عنها. ولكن يفترض بالدائنين تقليص معدلات الفوائد. والتخفيض هذا يفترض الإقدام على خطوة جريئة هي «أوربة» الديون اليونانية من طريق شراء البنك المركزي الاوروبي ولجنة الاستقرار الاوروبية سندات الديون السيادية اليونانية بأسعار السوق، وهي اقل ب30 في المئة أو 40 في المئة من قيمة الاصول الاسمية، وتسديد اليونان دينها كاملاً الى المؤسسات هذه بفوائد معقولة. ومثل هذا الحل، أي أوربة الديون اليونانية يساهم في تخفيض معدلات الفائدة تحت لواء التضامن الاوروبي، ويحول دون تفشي عدوى الازمة الى دول منطقة اليورو الاضعف. ونقترح أن يخطو الاتحاد الاوروبي خطوات كبيرة على طريق الاندماج الاوروبي من طريق سبيلين متوازيين، الاول هو تعزيز التدقيق في النفقات الحكومية اليونانية وخياراتها المرتبطة بتنافسيتها، والثاني منح مجلس وزراء المالية في منطقة اليورو حق النقض في قرارات اقتصادية وطنية محلية، حين يطلب بلد مساعدة منطقة اليورو، في انتظار إنشاء وزارة مالية منطقة اليورو، على ما اقترح كلود تريشي، مدير البنك المركزي الاوروبي. ومن مسؤولية الوزارة هذه مراقبة السياسات المالية والتنافسية؛ والإشراف على القطاع المالي في الاتحاد وعلى معاييره الضابطة؛ وتمثيل الكونفيديرالية الاوروبية أمام المؤسسات المالية الدولية. فالاوروبيون لن يخرجوا من الازمة اليونانية إلا من طريق تعزيز أوروبا وترسيخ مؤسساتها وزيادة صلاحياتها، وليس من طريق تفكيك اتحادها والرجوع عنه. * معلقان اقتصاديان، عن موقع «تيرا نوفا» الفرنسي، 8/6/2011، إعداد منال نحاس