في احتفالٍ احتضنته السفارة القطرية في باريس، تسلّم الشاعر اللبناني وديع سعادة (مقيم في أستراليا) والشاعر التشادي نمرود جائزة «ماكس جاكوب» الفرنسية المرموقة التي تُمنح كل عام لشاعرَين: شاعر فرنسي (أو فرنكوفوني)، وشاعر مترجَم إلى اللغة الفرنسية. ونال سعادة هذه الجائزة عن الأنطولوجيا التي أعدّها له وترجم نصوصها الزميل أنطوان جوكي، وصدرت حديثاً لدى دار «أكت سود» الباريسية (سلسلة «سندباد») تحت عنوان «نص الغياب وقصائد أخرى»، وتضم مختاراتٍ واسعة من دواوين سعادة الشعرية العشرة ومقدّمة للشاعر اللبناني الفرنكوفوني صلاح ستيتيه. وفي معرض تحديد موقع سعادة في الساحة الشعرية العربية، كتب الناشر على غلاف الأنطولوجيا: «ينتمي وديع سعادة إلى جيل الشعراء اللبنانيين الذي تأثّر بقوة بالحرب وسجّل لدى ظهوره في منتصف الثمانينات قطيعةً مع لغة الشعراء الذين سبقوه، ونقصد الروّاد العراقيين مثل السيّاب، ووجوه مجلة «شعر» مثل أدونيس وأنسي الحاج. ومنذ البداية، توجّه سعادة نحو شعرٍ يومي منثور يُشكّل تارةً غرفة أصداءٍ للحرب، وتارةً أخرى عملية ترميم لصور طفولةٍ قروية. لكن جميع أعماله الشعرية يمكن قراءتها كتأملٍ بصير على حافة هوّة، وكمحاولة لترويض العدم بواسطة اللامبالاة. شعرٌ متطلّبٌ ذو قيمة جمالية وأخلاقية كبيرة، مارس تأثيراً أكيداً، وإن خفياً، على أفضل الشعراء اللبنانيين، والعرب عموماً، الذين ظهروا خلال العقدين الأخيرين». أما الشاعر ستيتيه فكتب في مقدمته لهذه الأنطولوجيا: «يجب أن نتمكن من قراءة الشعراء من دون أفكارٍ مصوغة سلفاً، من دون تأويلٍ سريع وتملّكٍ ذاتي، كي لا نقيّم فيهم أولاً سوى رقّة أو عنف العطر المتصاعد من كلماتهم، من سلّة الكلمات المجدولة بمهارة. كل شاعر هو، بطريقةٍ ما، الإنسان الأول المبادِر في الكلام بدافع القول. قول ماذا؟ فقط الأشياء التي تهمّ، الأسرار والألغاز. وكل شيءٍ سرّ أو لغز، بالنسبة إلى الشاعر: الولادة، الأم، الحضور - الغياب في العالم، الألم، السُقم، الموت. الذاكرة بعتامتها وهشاشتها، الكلام بانبثاقه وعدم ملاءمته للأشياء ولشعورنا بها، وبتكيّفه الأعجوبي أحياناً مع ما نحبل به ويتطلّب تحريره، وينتهي محرراً. (...) شاعرٌ هو ذلك الذي يرى الشعر في كل شيء لأن الواقع بكامله، والشاعر في قلب الواقع، عريٌ. شاعرٌ هو ذلك الذي يتكلم عري العالم فيه، وطفولات العالم الملتصقة بطفولته، الأبدية مهما تقدّم في السن. شاعرٌ هو ذلك الذي لم يتعاف بعد من ندبته الأولى، من أول نقطة دمٍ شفّت وبقت كسَيْلٍ داخله. (...) في السرعة المكتسبة وفي دوار زمنٍ يفلت منا ويبدو ماضياً إلى هلاكه، لم نعد نسكن إلا الجانب المبهَم من الصُدفة وانتفاضاتها وردوبها وسقطاتها. مجزأون ومتفجّرون داخل فضاءٍ وزمنٍ في الحالة ذاتها، نبحث عن كسراتٍ من ذاتنا تائهة في قلب قدَرٍ مبتور (...)». ولا يتوقف ستيتيه عند هذا الحد في وصفه شعر سعادة وعالمه بل يعمد إلى رسم الخريطة الجغرافية لكلامه ضمن المناخ الكئيب والكارثي الذي هو مناخه، مركّزاً على «تلك المفارقة الغريبة في هذا النوع من القصائد الذي يقول، في تصدّع اليقين، حب الشاعر للحياة، في الوقت الذي تنوِّر شمس الموت تعلّقه بهذه الحياة في أقل تفاصيلها».