استمرت في لبنان أمس، تفاعلات الحصار المفروض على أهالي مضايا في ريف دمشق، الذين يعانون من أزمة غذاء حادّة وصلت إلى حد المجاعة، وموت عدد منهم، بينهم أطفال، جوعاً، سواء في المواقف السياسية أم في التحركات الشعبية التضامنية. وشملت التحركات، حملة على «حزب الله» لمشاركته في الحصار إلى جانب الجيش النظامي السوري. وركّزت خطب الجمعة أمس على الحصار، فيما تم جمع التبرعات من عدد من مساجد صيدا بعد الصلاة، تضامناً مع أهالي البلدة وبناء لتوجيهات من مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، بغية إيصالها إلى الأهالي المنكوبين بالتعاون بين دار الفتوى وهيئة العلماء المسلمين في لبنان. ونفَّذ حشد من أهالي قرى البقاع الأوسط، لا سيما من مجدل عنجر، و«هيئة العلماء المسلمين»، على رغم الطقس الماطر اعتصاماً تضامنياً مع أهالي مضايا عند نقطة المصنع الحدودية مع سورية. وقطعوا الطريق. واتّخذ الجيش إجراءات أمنية بقيت بعيدة عن المعتصمين. وحضَر الاعتصام أئمّة مساجد وفعاليات وبعض أهالي المناطق المحاصرة النازحين إلى لبنان. ورفع المعتصمون رايات الثورة السورية وأرغفة الخبز وصور أطفال جائعين. ورددوا هتافات هاجمت «حزب الله» وإيران والنظام السوري. وترافقت الكلمات التي ألقاها كل من أمين سر «هيئة علماء المسلمين» الشيخ عدنان امامة وإمام بلدة مجدل عنجر الشيخ محمد عبد الرحمن وعدد من المشايخ مع صيحات «الله أكبر»، و«الله يشهد أن المنافقين لكاذبون». وتحدَّث أحد سكان مضايا الذي تمكّن من الخروج قبل محاصرتها، مؤكداً أنه «لم تدخل حتى الساعة (ظهر أمس) أي مساعدات غذائية أو صحية»، لافتاً إلى أن «المساعدات وصلت إلى حدود مضايا والحواجز منعتها من الدخول إلى البلدة». وقال: «لم يبقَ حتى الحشيش في مضايا ليؤكل، والناس أصبحت عبارة عن هياكل عظمية، وفي حال لم تدخل المساعدات في أقرب وقت ممكن، من المتوقّع أن يتوفى 10 أطفال في يوم واحد، هناك حوالى 60 حالة إغماء لأطفال تحت الخمس سنوات»، مطالباً «المنظمات الإغاثية والدولية بأن تحاول فتح ممر آمن عبر الضغط على الأممالمتحدة ومجلس الأمن لإدخال أي مساعدات». ودان أحد سكان مضايا ما يحصل، وقال إن ما يحدث «إعدام بسيف المجاعة لأهل مضايا». مطالبة رئيس الحكومة بموقف وقال أحد المشايخ: «أُعدم رجل سعودي في السعودية فتحركت أبواق إيران وحزب الله وغيرهما هنا وهناك، ويحق لهم أن تتحرك غيرتهم، أما نحن كمسلمين فممنوع علينا أن نتحرك مع أهلنا في سورية الذين يبتعدون منا أمتاراً ليست مسافات، إذا تحرك أحدنا اتهموه بأنه إرهابي». وأضاف: «نخاطب رئيس حكومتنا، عليك أن تقف موقفاً تمثل فيه رأي هؤلاء الناس، يا حكومتنا، يا جيشنا، يا أمنيينا، نحن شعب من لبنان، ندفع الضرائب لتأخذوا المعاشات فعاملونا ككل اللبنانيين وبميزان واحد. الحصار في مضايا والمعضمية وغيرهما هو حصار لا يقوم به إلا جبان». وسأل: «أي إنسانية وأي كرامة هذه؟». وزاد: «أرادوا تحرير فلسطين فجعلوا الطريق في الزبداني وفي مضايا». وأكد رئيس جمعية «لايف»، المحامي نبيل الحلبي، أنها «بداية وقفة احتجاجية رمزية سلمية لقطع طريق دمشق الدولي»، لافتاً إلى «أننا نقطع هذا الطريق لأن لا أحد يستطيع أن يمر عليه إلا الشبيحة وعملاء الشبيحة». وحذّر من أنه «في حال أصاب إخواننا في سورية في ريف دمشق على غرار ما حصل في حمص، فنحن على استعداد لتحركات تصعيدية». وأضاف: «لم تحصل بعد في العالم مقايضة الأرض بالغذاء وتهجير السكان في شكل قسري على أساس طائفي وإعادة توطين أشخاص آخرين في هذه المناطق». وقال لمن يطالب بإدخال المساعدات إلى كفريا والفوعة: «لا توجد حال واحدة، لأن من يحاصرهما عسكرياً لا يقبل أن يموت شخص من الجوع، نحن مع إدخال المساعدات الإنسانية في شكل متواصل، لا أن تنتظر الأممالمتحدة موافقة النظام المجرم لإدخالها، هذا عار علىها». ونفذت «الجماعة الإسلامية» وقفة رمزية أمام مركز الصليب الأحمر الدولي في الحمراء بعنوان «أغيثوا مضايا»، رافعة لافتات تطالب بوقف تجويع سكان مضايا وإدخال المساعدات الإنسانية إليها، منها: «جثث من هياكل عظمية»، «عار يلطّخ جبين المجتمع الدولي»، «أغيثوا مضايا». وقال أحد قادة «الجماعة»: «لنا إخوة في الإنسانية يفترشون الثلج ويهيمون على وجوههم في الطرق بحثاً عن كسرة خبر، يطبخون الحشائش وبعض الأحيان يذبحون القطط والحيوانات لإطعام أطفالهم». وأكد أحد المشايخ «أننا لن نهنأ بطعام أو شراب حتى يشبع آباؤنا وأمهاتنا في مضايا». ومساء أمس، نفّذت «منظمة الشباب التقدمي» وقفة رمزية رفضاً للحصار والتجويع في مضايا أمام مقر الإسكوا في بيروت. المفتي دريان وعبّر مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان عن ألمه «الشديد لما يتعرض له الشعب السوري من ظروف معيشية صعبة نتج منها موت المئات من الأطفال والشيوخ والنساء بحثاً عن الطعام في مضايا وسائر المدن السورية المحاصرة بفعل النزاعات والصدمات بين المتقاتلين». ودعا المؤسسات الإغاثية الدولية والعربية والوطنية إلى «إغاثة أهلنا في سورية بسرعة»، معتبراً أن «تعزيز الحوار بين اللبنانيين هو السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان من الفتن فلا بديل من الحوار والتلاقي والتواصل».