تتعالى التحذيرات من مجاعة واسعة النطاق في الوقت الذي تحاصر فيه قوات موالية للحكومة مدينة تحت سيطرة المعارضة في سورية وتشتد فيه وطأة الشتاء ليزداد سواد التوقعات القاتمة أصلاً لمحادثات السلام التي تأمل الأممالمتحدة عقدها هذا الشهر. وأصبح حصار مضايا قرب حدود لبنان قضية محورية لقيادات المعارضة السورية التي أبلغت مبعوث الأممالمتحدة ستيفان دي ميستورا هذا الأسبوع أنها لن تشارك في المحادثات مع الحكومة حتى يرفع الحصار عن هذه المدينة وغيرها من المدن المحاصرة. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن عشرة أشخاص على الأقل ماتوا من الجوع في مضايا في الأسابيع الستة الأخيرة. ويقول نشطاء في المعارضة إن عدد الموتى بالعشرات على رغم أن رويترز لم تستطع التأكد من مصدر مستقل من صحة هذه التقارير. وقال ماجد علي (28 سنة) وهو من نشطاء المعارضة متحدثاً لرويترز هاتفياً من مضايا: «كنا نعيش على أوراق الشجر وعلى النباتات. لكننا الآن نكافح عاصفة ثلجية ولم يعد هناك المزيد من النباتات أو أوراق الشجر». وأضاف: «أنا كنت 114 كيلو قبل الحصار. الآن صرت 80». وقال أبو حسن موسى رئيس مجلس المعارضة في مضايا إن سكان المدينة يرضون الآن بالمياه بنكهة التوابل أو الليمون والملح والخل كلما أمكن. وأوضح السكان إن الأسعار قد تصل إلى نحو 300 دولار للكيلوغرام حينما يتوافر الأرز أو الحليب المجفف. وقال علي ناشط المعارضة إنه بسقوط ثلوج بارتفاع نصف متر هذا الأسبوع بدأ حرق الأثاث والأبواب والتجهيزات الخشبية لتدفئة البيوت. وأضاف: «المفاوضات لا معنى لها ما دمنا محاصرين وما دمنا نتمنى فنجاناً من الحليب من أجل طفل. ما الذي سنتفاوض عليه؟ موتانا؟» شهور بلا مساعدات وحصار المدن والقرى ملمح شائع من ملامح الحرب الأهلية الدائرة منذ ما يقرب من خمس سنوات سقط فيها نحو 250 ألف قتيل. إذ تحاصر قوات حكومية مناطق تحت سيطرة المعارضة بالقرب من دمشق منذ عدة سنوات وفي وقت أقرب حاصرت جماعات معارضة مناطق موالية للحكومة من بينها قريتان في محافظة إدلب. وربما يكون مصير مضايا التي يقول برنامج الأغذية العالمي إن حياة 40 ألف نسمة فيها معرضة للخطر مرتبطاً بهاتين القريتين. وكانت تلك المناطق جزءاً من اتفاق محلي لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه في أيلول (سبتمبر) الماضي لكن تنفيذه توقف. وتم ترتيب عملية تسليم المساعدات السابقة إلى مضايا في تشرين الأول (أكتوبر) لتتزامن مع تسليم مساعدات مماثلة لقريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين المواليتين للنظام وتضمان مراكز عسكرية إيرانية. ووصف علي سكان مضايا بأنهم رهائن محتجزون كورقة للمساومة على الفوعة وكفريا. وكانت وكالات الإغاثة تأمل تيسير الوصول إلى المنطقة في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه تحت إشراف الأممالمتحدة. قالت بتينا لوشر الناطقة باسم برنامج الأغذية العالمي: «برنامج الأغذية العالمي يشعر بقلق شديد في شأن ما تردد عن الوضع الإنساني في مضايا المحاصرة منذ أشهر عدة والذي أصبح يهدد الآن أرواح ما يقرب من 40 ألف شخص». وأضافت: «آخر مرة تم فيها الوصول إلى مضايا في 17 تشرين الأول بعدد 3900 حصة من الغذاء وهو ما يكفي لإطعام أكثر من 19 ألف شخص لمدة شهر واحد. ومنذ ذلك الحين لم تقدم مساعدات غذائية أو إمدادات إنسانية أخرى لهذه المناطق كما كان مخططاً». وقد قالت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إن حرب الحصارات استخدمت بطريقة مخططة ومنسقة بلا أي رحمة في الحرب الأهلية السورية بهدف «إجبار السكان بشكل جماعي إما على الاستسلام أو الموت جوعاً». وكان حصار مضايا بدأ قبل نحو ستة أشهر عندما بدأ الجيش النظامي السوري و «حزب الله» اللبناني المتحالف معه حملة لإعادة سيطرة حكومة الرئيس بشار الأسد على مناطق على الحدود السورية اللبنانية من بينها مدينة الزبداني. ونفى مصدر مقرب من دمشق مطلع على الوضع في مضايا منع المدنيين من مغادرة المدينة وقال إن عدد الناس فيها مبالغ فيه. غير أن «المرصد» قال إن 15 شخصاً من بينهم أطفال قتلوا خلال محاولة الهرب إما رمياً بالرصاص أو بألغام زرعت لتنفيذ الحصار الذي تفرضه قوات الحكومة و «حزب الله». ولم يتسن الاتصال بمسؤولين سوريين للتعقيب. وتقول وكالات المساعدات إنها طلبت تسهيل وصولها إلى مضايا ست مرات خلال 2015 لكن لم يتح لها توصيل مساعدات سوى مرة واحدة. في انتظار إجابات وأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً في 18 الشهر الماضي يرسم خريطة طريق لمحادثات السلام ويدعو الأطراف للسماح لوكالات الإغاثة بالتحرك في مختلف أنحاء سورية من دون عوائق لا سيما في المناطق المحاصرة والمناطق التي يصعب الوصول إليها. وأبلغ مجلس تشكل حديثاً من قوة المعارضة للإشراف على المفاوضات دي ميستورا أن من الضروري حدوث ذلك قبل بدء المحادثات التي يخطط لعقدها في 25 الشهر الجاري. كما أبلغ المجلس دي ميستورا أنه يتعين قبل بدء المفاوضات أن توقف حكومة الأسد التي تحظى بدعم من روسيا وإيران قصف المناطق المدنية واستخدام «البراميل المتفجرة» وأن تفرج عن المعتقلين تطبيقاً لما جاء في قرار مجلس الأمن. وقال رياض نعسان آغا عضو مجلس المعارضة: «نرى أنه لن يكون من الممكن بدء المفاوضات بينما يستمر القصف على المناطق المدنية والسكان. علينا أيضاً أن نظهر للناس إنجازات معينة». وأضاف: «نحن في انتظار الردود من السيد دي ميستورا». ويقول سكان إن قوات موالية للحكومة تحاصر المدينة يعتقد السكان أنها من «حزب الله» عرضت تقديم الغذاء مقابل تسليم مقاتلي المعارضة سلاحهم. وأوضح ناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها تأمل توصيل مساعدات للزبداني ومضايا والفوعة وكفريا في الأيام المقبلة. وقالت باول كرزيك الناطقة باسم اللجنة: «نتلقى تقارير تدعو للقلق من مضايا وأيضاً من الفوعة وكفريا عن وضع الناس هناك مثلما هي الحال في كل المناطق المحاصرة في سورية».