تقف الولاياتالمتحدة اليوم على عتيبة التحديات الكبرى التي يفرضها المستقبل، وذلك في وسط عالم عرف طريقه نحو التنمية البشرية والاقتصادية، ولم يعد يعتمد على هبات ومساعدات القوى العظمى في العالم، وبدأ ذلك-بالتحديد-منذ أن أصبحت الولاياتالمتحدة القطب الأوحد في العالم بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، ففرغت نفسها لتكون الحاكم الأوحد والقاضي والمفتش والجلاد لهذا العالم. ونسيت منجزاتها الصناعية والحضارية في جميع المجالات والتي تتوافق مع المطالب اليومية للمجتمعات ويتزايد عليها الطلب ، وتنازلت عن هذه المنجزات الصناعية والتكنولوجية لدول أخرى تحتفظ فيها بقواعد عسكرية وقوى أخرى صممت على النهوض رغم المعوقات الأمريكية، وتنازلت عن المباديء والأخلاق والديمقراطية التي تتغنى بها دوماً. واقتصرت أمريكا على الصناعات العسكرية والدوائية والإستثمارات النفطية. ومن هنا تجردت حضارتها الراهنة من الأخلاق والمباديء، نظراً لاعتماد اقتصادها على إثارة الحروب في مناطق العالم الساخنة بهدف تسويق منتجاتها من الأسلحة وغزو دول النفط سياسياً وعسكريا كما حصل في العراق وليبيا. مما شوه صورتها وأساء إلى حضارتها في عيون الناس لما تسبب ذلك في مآس للبشرية وإزهاق للملايين من الأرواح. في خطاب لأوباما ربط مستقبل الولاياتالمتحدة ومستقبل الشعب الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط ومكنوناتها من الخيرات والكنوز، ولم يربط مستقبل الشعب الأمريكي بمستقبل السواد الأعظم من سكان منطقة الشرق الأوسط وبالأخص العرب حيث تم تجاهل ذكر العرب وهم المقصودين حقاً في خطابه، حيث استجد علينا مصطلح جديد هو "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" بدلاً من المنطقة العربية. واقتصر ربطه الأخلاقي والروحي بين الإنسان الأمريكي والإنسان اليهودي المتصهين. في حين ربط مادياً بين خيرات العرب وكنوزهم ومستقبل أمريكا واستثنى من هذا الربط المصالح العربية والإنسانية والأخلاقية للسكان العرب، وربط أخلاقياً ومعنوياً بين مجتمع صهيوني عدواني يسكن منطقة الشرق الأوسط بالتآمر وبالسطو المسلح وقام على أنقاض القانون والأخلاق وبين المجتمع الأمريكي بروابط روحية حديدية لا تنفصم عراها، وكأنه يضمن بقاء أمريكا على هذا الحال من الهيمنة على الشعوب ومقدراتها ومواردها. ربط مادياً واقتصادياً بين الإنسان الأمريكي والإنسان العربي، وربط معنوياً وأخلاقياً بين الإنسان الأمريكي والإنسان اليهودي المتصهين. أي أن ما يهمه في المنطقة هو خيرات العرب وسلامة الإنسان الصهيوني حتى وإن كانت على حساب سلامة الإنسان العربي. يا لها من مفارقة عجيبة غريبة لإنسان يبدو غير قانعٍ بما يتحدث به، إنما هو مكره عليه لضعفه وقلة حيلته. تجاهل المصالح العربية وتذكر الموارد العربية. وتجاهل الظلم الصهيوني الواقع على الإنسان العربي، وتذكر الوشائج والروابط الروحية بين الشعب الأمريكي والصهاينة المعتدين. ربما ينطبق كلامه هذا على أعضاء الكونغرس المرتشين، وعلى مؤسسة الرئاسة التي تستجدي أصوات اليهود الذين يغدقون برشاواهم على أعضاء الكونغرس. ويغدقون بأموالهم على حملاتهم الإنتخابية.ستظل اسرائيل خنجراً في خاصرة الولاياتالمتحدةالأمريكية، تؤلمها وتستنزف طاقاتها ومواردها وأموالها وأخلاقياتها وتشوه ديمقراطيتها، فإما أن تتنبه أمريكا لذلك وتستل هذا الخنجر من خاصرتها، وتطهر الجرح الذي يخلفه في الخاصرة وتداويه، أو أنها ستنهار من شدة النزف الإقتصادي الذي يرافقه الألم والندم الأخلاقي، وتعود دولة قابعة ضمن حدودها الجغرافية كما عادت انجلترا وفرنسا وروسيا. هلاّ انتبه العرب لأهميتهم للعالم وعملوا على هذا الأساس، وهو مقايضة المصلحة بالمصلحة وعدم تقديم الخدمات بالمجان لمن كان. ولو تم اعتماد هذا المبدأ لكان العالم العربي بخير.