اتفق علماء دين أن الصهيونية حركة سياسية ظهرت فى العصر الحديث تسترت خلف رداء الدين لتأسيس دولة لليهود المطرودين من أوروبا. وأكدوا أن الصهاينة قد حولوا المعتقد الدينى الى برنامج سياسى لإقامة دولة اسرائيل، كما حولوا الشعارات والرموز الدينية الى شعارات ورموز دنيوية سياسية من جانبه يؤكد الشيخ محمد محمود حمودة الداعية الاسلامى وموجه عام شئون القرآن الكريم بالازهر أن الصهيونية حركة سياسية ظهرت فى العصر الحديث، تطالب باعادة توطين اليهود فى فلسطين، باعتبارها ارض الميعاد. وكلمة «صهيونية» لفظ اخذها المفكر اليهودى «ناثان برنياوم» نسبة إلى جبل صهيون الذى يقع جنوبى غرب القدس، ويعتقد اليهود ان المسيح المخلص سيأتى فى اخر الايام ليعود بشعبه الى ارض الميعاد ويحكم العالم من جبل صهيون، مضيفا أن الصهاينة قد حولوا هذا المعتقد الدينى الى برنامج سياسى، كما حولوا الشعارات والرموز الدينية الى شعارات ورموز دنيوية سياسية. وتابع قائلا: إنه بالرغم من تنوع المدارس الصهيونية (يمينية ويسارية، ومتدينة وملحدة، واشتراكية ورأسمالية) ظلت المقولة الاساسية التى تستند اليها جميع التيارات الصهيونية هى مقولة «ان اليهود المشتتين فى العالم يشكلون امة متكاملة توجد فى الشتات، او فى المنفى بعيدة عن وطنها الحقيقى: ارض الميعاد أى فلسطين». جذور الصهيونية ويضيف أن الصهاينة يرون ان جذور الحركة الصهيونية- او القومية اليهودية كما يسمونها تعود الى الدين اليهودى ذاته، وان التاريخ اليهودى بعد تحطيم الهيكل على يد الرومان هو شعب مختار منفى مرتبط بارض، ينتظر دائما لحظة الخلاص والنجاة، لكن الواقع يؤكد ان جذور الدعوة الصهيونية لم تنبت من الديانة اليهودية، وانما من كتابات الحاخامات الذين حرفوا المعنى الدينى الحقيقى لنبوءة خلاص اليهود من التيه، ومن الشتات، ومن ثم فهى دعوة نابعة من حارات اليهود وتفاعلاتها الداخلية المنعزلة عن المجتمعات البشرية الواسعة وهكذا تبلورت الحركة الصهيونية كحلم لعودة اليهود إلى أرض الميعاد، (فلسطين) في ظل فكر عنصري يسعى الى توظيف الأساطير اليهودية لخدمة تحقيق هذا الحلم، وبالرغم من أن الحركة الصهيونية في جوهرها حركة علمانية إلا أنها استندت إلى الأساطير الدينية، وخصوصاً أنها كحركة عنصرية وظفت الطابع العنصري الذي تحولت إليه اليهودية، «اليهودية التلمودية» أى من ديانة سماوية إلى فكر عنصري، فيصبح الله في هذه الرؤية اليهودية التلمودية ليس رب العالمين، وإنما هو إله بني إسرائيل، وللشعوب الأخرى آلهتها، هذا بعض مما جاء فى الأساطير الدينية اليهودية بجانب فكرة العودة إلى «أرض الميعاد»، وفكرة «شعب بلا أرض يعود إلى أرضٍ بلا شعب»، وتدمير وإبادة هذا الشعب الموجود على هذه الأرض.. الخ. شتات متنافر أما الشيخ تاج الدين الهلالى مفتى استراليا السابق وأحد علماء الأزهر فيؤكد ان احد الجوانب المهمة فى الصهيونية كحركة وفكرة انها نجحت فى جمع شتات متنافر من اليهود داخل بوتقة واحدة، وجعلتهم جميعا يرددون اهدافها ويتمسكون بأسس فكرتها ويدافعون عنها، مؤكدا أن الصهيونية تؤمن بمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» فهى لا تتعفف عن الاستفادة من أى اسلوب بأى شكل مهما يكن لا اخلاقيا فى سبيل تحقيق اهدافها المرسومة. وتابع قائلا: ومن هنا فان العرب يرون الصهيونية من خلال ما تفعله بالفلسطينيين لعنة وعدوانا متواصلا لا يفضى الى ما هو اكثر من التطهير العرقى، فاسرائيل شر انواع الاستعمار وهو الاستعمار الاستيطانى الاحلالى الذى لا يكتفى بالمكوث فى الارض المحتلة سنوات لكن يريد ان يستوطن بعد طرد اصحابها منها الى الابد، كما ان معارضة الصهيونية ليس محصورة بالعرب وحدهم ثمة اوروبيون كثيرون يعارضونها، لاسباب لا علاقة لها باللاسامية كما تفعل اكثرية شعوب النصف الجنوبى من الكرة الارضية اذ تراها ارثا اوروبيا كلاسيكيا، وكما يحلو للعرب ان يشيروا، فان بعض التقدميين اليهود يرفضون وجود علاقة بين الصهيونية واليهودية وأن الفلاسفة اليهود ربما كانوا الاعلى صوتا بين خصوم الصهيونية، لكن المعارضة اليهودية الاكثر اثارة والاشد عنفا للصهيونية هى تلك التى تأتى من جانب بعض الطوائف الدينية اليهودية، التى ترى ان الصهيونية دائبة على التنكر لليهودية، وهى دائبة ايضا على تجريد الشعب الفلسطينى من ممتلكاته وانكار حقوقه واخضاعه لمختلف صنوف الاضطهاد والتعذيب والقتل. ويختتم الشيخ الهلالى حديثه قائلا: ما زالت الجماعات اليهودية المناهضة للصهيونية تعلن بلسان حاخاماتها اليهود: ان التوراة ورد فيها عقاب الله لليهود على معصيتهم بشتاتهم فى بلاد الارض، كما ان ما ورد فى التوراة عن غضب الله على اليهود وتمزيقهم فى الارض قد اكده القرآن الكريم فى آيات كثيرة منها قول الله تعالى: «وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون»، ومنها قول الله تعالى: «واذ تأذن ربك ليبعثن عليهم الى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ان ربك لسريع العقاب وانه لغفور رحيم، وقطعناهم فى الارض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون». أما الدكتور ناجي عبدالباسط هدهود وكيل معهد الدراسات والبحوث الآسيوية بجامعة الزقازيق فقد أن الحركة الصهيونية تعد واحدة من أخطر وأهم الحركات السياسية والفكرية في التاريخ البشري التي استطاعت أن تضع لنفسها برنامجا عملياً وجدولا زمنيا محددا لتحقيق هدفها الذي أنشئت من أجله واستطاعت تحقيقه في مدة زمنية وجيزة. خلفية الجيتو وأضاف قائلا: لاشك ان الهدف الاساسى للصهيونية كان الرجوع الى فلسطين لجمع شتات الشعب اليهودى المبذور بين جميع الاجناس والطوائف وفى كل بقاع الارض وهى منطوية على مبادئ اقتصادية وسياسية ودينية، وقد كان اكبر محرك لاحياء هذه الروح فى نفس اليهود هو توالى اضطهادات الاوروبيين لهم ونفورهم منهم لأنهم يميلون الى الربا الفاحش ولانهم مستهلكون غير محدثين ولرغبتهم فى احتكار التجارة ولتعصبهم الدينى، ومن ثم فقد كان اليهود الذين يعيشون فى البلدان المسيحية من أوروبا عرضة طوال التاريخ للتمييز العدائى، الذي نجم عنه العدوان والتنكيل وغالبا ما صاحب هذا عنف وحشي ضد الحياة والممتلكات، وحيث عاش اليهود فى اوروبا خلال العصور الوسطى فى ظل قانون خاص عرف «بقانون الاجانب» مما جعلهم معزولين ثقافيا واقتصاديا عن المجتمعات الاوروبية المحيطة بهم، يمارسون فى الاحياء اليهودية المعروفة «بالجيتو» حياة خاصة وكأنهم وحدة مستقلة، وكان نظام الاحياء اليهودية (الجيتو) دليلا ماديا على حقيقة اساسية تحكمت بحياة اليهود فى الفترة التى سبقت الثورة الفرنسية، وكان انتصار الليبرالية، الذى اعقب الثورة الفرنسية عاملا حاسما فى تحرير يهود فرنسا والبلدان الاخرى التى وقعت تحت الاحتلال او السيطرة الفرنسية، ومن ثم فان ابرز نتائج موجة الليبرالية والتحرر كانت تحطيم نظام «الاحياء اليهودية» فى اوروبا الغربية. محصلة العدوان ويختتم الدكتور هدهود قائلا: كانت محصلة هذا العدوان والتمييز نشوء وضع فىه ظلم حقيقي لليهود ورسخ هذا الظلم قرارا في نفوس اليهود بزيادة الاهتمام بحلم رغبوا به هو تأسيس دولة يهودية يمكن أن تضم جميع اليهود وتنقذهم من أية أعمال عدوان وتنكيل أخرى، وباختصار فانه مع النصف الاول من القرن التاسع عشر أدت رياح الليبرالية والاستنارة الى تحرير اوروبا الغربية، وقد شهد النصف الثانى من القرن ذاته تحرير يهود اوروبا الوسطى، وجنبا الى جنب مع قوى «الاستنارة « كانت الظاهرة «القومية» قد بدأت بالانتشار فى اوروبا، وقد بدأ الشعور القومى اليهودى بحكم كونه «متفرعا عن الاتجاه العام فى اوروبا» يظهر فى العقود الاخيرة من القرن التاسع عشر، بالاضافة الى كون قوى «الاستنارة» قد وجهت ضربة قاضية لنظام «حارات اليهود» أى «الجيتو» بما ولدته من موجة تحريرية، فان هذه القوى ايضا فتحت الباب على مصراعيه امام اليهود للاحتكاك المباشر مع المجتمعات وظهرت فى اوساطهم ردود فعل متعددة بهدف ايجاد حل للمسألة اليهودية التى بدأت تعقيداتها تتفاقم، فقام نفر منهم ونادى بجمع اليهود فى بقعة واحدة فاستحسن الفكرة كثير منهم ولكنهم اختلفوا فى تعيين المحل الذى يتخذونه وطنا لهم، فاقترح البارون «هرش» ان يكون فى جمهورية الارجنتين وذهب زنكويل باستيطان شرقى افريقيا او اوغندا وحبذ بعضهم الرجوع الى العراق ومنهم من فضل طرابلس الغرب او شبه جزيرة سيناء او نيكارجوا فى امريكا الوسطى غير أن ندرة الماء في سيناء حالت دون المضي في هذا المشروع، ثم عرض الإنجليز على هرتزل مشروع إقامة دولة لليهود في أوغندا لحماية مستعمرات بريطانيا في أفريقيا فقبل الفكرة ولكن المؤتمر الصهيوني السادس الذي انعقد في عام 1903 رفض المشروع وأصر على فلسطين وطنا قوميا لليهود، وقال هرتزل فى كتابه «الدولة اليهودية»: فلسطين هى وطننا التاريخى الخالد فى ذاكرتنا أبد الدهر فبمجرد ذكر اسم فلسطين يجذب شعبنا بقوة هائلة.
هل دفع العرب فاتورة اضطهاد أوروبا اليهود ؟ أكدد عدد من الدبلوماسيين والأكديميين السعوديين والخليجيين والعرب على أن الصهيونية العالمية ولدت من رحم الاستعمار الغربي في ثوبه الجديد، وأن دولة إسرائيل التي قامت ككيان غاصب للحقوق الفلسطينية العربية مهمتها الأولى القيام بدور كلب الغرب وحارسه الأمين لحماية مصالحه في المنطقة.. لكن ماذا فعل العرب والفلسطينيون أمام هذا التمدد السرطاني المحتل.. ( اليوم ) استطلعت آراء هؤلاء : فكر وعقيدة في البداية يرى السفير علي جاروش مدير الإدارة العربية بالأمانة العامة للجامعة العربية، أن الصهيونيين الأوائل قد اصطبغوا بفلسفة الفكر الإمبريالي التي عاشوا مناخها في الأجواء الأوروبية، وأن من قاموا بتمويل المشاريع الاستعمارية الغربية لتحقيق أطماعها في الشرق كانوا رجال أعمال يهودا أمثال (بارون هيرش وآل روتشلد )، وكان المشروع الصهيوني في فلسطين جزءا من المشاريع الاستعمارية التوسعية التي انتهجها البريطانيون والفرنسيون والألمان والأميركيون والروس، وتعاملت الصهيوينية مع الفلسطين بذات منطق تعامل الروح الأوروبية مع الأقطار والمناطق الأخرى وكأنها بلا سكان ولا حضارة، لذلك رأينا صياغة القوانين الصهيونية في فلسطين المحتلة أعطت لليهودي كل الحقوق، بينما تعاملت مع العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين وكأنهم بلا حقوق أو غير موجودين على الخارطة، وقال السفير جاروش: الشئ الذي يثير الدهشة ويبعث على إعادة قراءة المشهد أكثر من مرة، أن الصهيونية التي ولدت في أجواء الاضطهاد الأوروبي لليهود كحلقة في سلسلة الاضطهاد الأوروبي للشعوب الأخرى لا فرق بين السوداء أو الصفراء أو السمراء أو الحمراء، وبدلا من تكوين المضطهدين كتلة واحدة تجعلها قادرة على الصمود في مواجهة طغيان الاضطهاد الأوروبي، إذ بالصهيونية تضع يدها مع الأوروبيين بما يعكس روحها التي تميل إلى عشق القوة، الأمر الذي يبرهن على أن الصهيونية صورة متكررة للإمبريالية الأوروبية، وهم كالتلاميذ النجباء للاستعمار الحديث على هداه يسيرون، لمشاريعه يخلصون، كما يحاولون دوما الجمع بين مصلحتهم ومصلحته، وأضاف السفير جاروش أن الاستعمار الغربي الذي تعرض لكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وجد الحل السحري من خلال تصدير الصهيونية والمسألة اليهودية إلى الشرق، في إطار ما قام بتصديره من مشكلات وسلعٍ بائرة إلى مناطق أخرى مثل آسيا وإفريقيا. تصدير الأزمات ويتفق الوزير الكويتي المفوض بقطاع الإعلام بالأمانة العامة للجامعة العربية عبد اللطيف العوضي مع الرأي القائل بوجود علاقة قوية بين الصهيونية والمسألة اليهودية والاستعمار، موضحا أن الغرب الأوروبي حينما واجه أزمات داخلية طاحنة على المسارين الاقتصادي والاجتماعي، اتجه فكره نحو تصدير هذه الأزمة إلى الشرق من خلال عمليات تهجير منظمة لليهود غير المندمجين الذين يمثلون طبقة بروليتارية عالة على المجتمع الأوروبي، والبحث لهم عن وطن بديل، لذلك رأوا في فلسطين هذا الوطن الجديد، مشيرا إلى أن الجوهر الحقيقي للتصورات الصهيونية لتكوين دولة يهودية يقوم على مبادئ وفلسفة الامبراطوريات المستعمرة، لافتا إلى أن أدبيات الفكر الصهيوني بما فيهم تيدور هيرتزل تقوم على أن إقامة إمبراطورية صهيونية استعمارية في فلسطين وبلاد الشرق ليس بالضرورة أن تستوعب كل يهود الغرب والعالم، بل أولئك الذين فشلوا من اليهود في الاندماج مع الحضارة الغربية أو أولئك المهمشون الذين لم يجدوا لأنفسهم مقعدا في المراكز الاجتماعية، وقد رأت القوة العظمى في هذا الخيار حلا مثاليا لغرس الكيان الصهيوني وإقامة دولة إسرائيلية على حساب الشعب الفلسطيني، وبذلك تضمن هذه القوة الغربية موطأ قدم لها وجيبا عميلا وكلبا حارسا لمصالحها في المنطقة، الأمر الذي ينتهي بنا أخيرا للقول: إن الصهيونية ما هي إلا أحد إفرازات الاستعمار الغربي في ثوبه الجديد، وأضاف العوضي أنه ربما ما كان للصهيونية أن تقوم لها قائمة في فلسطين لولا الضغوط الأميركية على دولة الانتداب البريطاني التي ما كانت لتنحاز الانحياز الكامل للمشروع الصهيوني أو تجرؤ على ذلك دون وقوف واشنطن القوي والصريح وراء هذا الأمر. كما أن بريطانيا نفسها رأت في اقامة اسرائيل مصلحة لها وللغرب بالمطلق، ولم يقف الشعب العربي موقف المتفرج، لكنه ثار وأعلن سخطه على هذا المخطط، رافضين المشروع الصهيوني باقامة دولة اسرائيل التي تتصرف في المنطقة العربية باعتبارها الوكيل بالانابة هي الغرب في أرض الشرق المسلم والمسيحي، وأنه اذا كان الاستعمار قد تلاشى نظريا من كل مكان، فإن اسرائيل باقية لسد الفراغ، تملك في فلسطين كل ما كان يملك بل حتى ما لم يكن يملك الاستعمار البريطاني من حقوق، وكأن الاستعمار أسس اسرائيل لتستمر في العمل له ولها بتفويض وبغير تفويض، لافتا إلى أن المشروع الاستعماري الغربي والمشروع اليهودي الصهيوني هما رفيقا سلاح ومتقاسما غنائم وسلطان في أرض الشرق خاصة في أرض العرب، وإذا كان المشروع الصهيوني قائما على العودة الى الشرق، فإن المشروع الغربي الاستعماري قائما على الذهاب اليه او إعادة الكرة اليه بعد الكرة الأولى في الحملات الصليبية، مشددا على وجود حقيقة تاريخية بأنه إذا كانت الرأسمالية توجد حفاري قبورها من العمال، فإن الاستعمار يوجد حفاري قبوره من الأجيال المتتالية من حركات المقاومة، وعلى هذا الأساس ولدت حركة المقاومة الفلسطينية قبل انتصار وقبل تأسيس دولة إسرائيل، وبلغت الحركة الجماهيرية المتصاعدة ذروتها في ثورة 1936 التي امتزج فيها الإضراب العام، بحركة المقاطعة، بمصادمات الشوارع. كما نجحت الأنظمة العربية في احتواء المنظمات الفلسطينية وفي توحيدها تحت مظلة (منظمة التحرير الفلسطينية) التي أصبحت المتحدث الشرعي والوحيد باسم الشعب الفلسطيني، ثم انتقلت حركة المقاومة الفلسطينية خطوة نوعية إلى الأمام مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى ومعها دخلت الجماهير الفلسطينية إلى مسرح التاريخ مجددًا، وبدأت الثورة من أسفل تلعب دورا حاسمًا في إعادة رسم خريطة التوازنات، سواء في الداخل الفلسطيني أو على المستويين الإقليمي والدولي، ثم انتقلت القضية الفلسطينية إلى مسار عملية السلام الذي لم تبدأ في عام 1991 (عام مؤتمر مدريد)، لكنها بدأت فور انتهاء حرب 1973، وربما قبل ذلك، حيث كان الهدف تحريك القضية من خلال توجيه رسالة قوية للولايات المتحدة الذي يمتلك أوراق اللعبة، بألا تتجاهل الحقوق العربية وأن تضعها في حسبانها جنبا إلى جنب مع مصالح إسرائيل. قضية معقدة من جانبه أكد الدكتور الربيع أن القضية الفلسطينة من أهم القضايا تعقيدا في منطقة الشرق الأوسط بحكم الموقع الجغرافي والتاريخي والديني لهذه المنطقة وبسبب وجود الكيان الصهيوني ولا ننسى الدور الكبير الذي تلعبه الدول العظمى الراعية والمؤيدة لهذا الكيان الصهيوني سواء بالدعم المالي أو العسكري أو التقني أو عن طريق مجلس الأمن في إبطال عدة مشاريع فلسطينية ابتداء من عدم إدانة المجازر الذي يتعرض لها الشعب الفلسطيني أو حق العودة أو حتى عودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني واقامة الدول الفلسطينية وعاصمته القدس الشريف، ايضا في هذا الصدد لعبت الدول العظمة دور كبير في تحيد الدول العربية والاسلامية في عدم مساندة القضية الدولة الفلسطينة عن طريق الضغوط التي مورست على الدول المساندة لفلسطين من قطع المساعدات العسكرية والمالية أو عدم تزويدها بالتقنية الحديثة، ولا ننسى الحروب العربية ابتداء من حرب الخليج الاولى والثانية وحرب بغداد وامريكا والصراعات الاقليمية والدولية على المنطقة، وايضا الصراعات العربية العربية كلها عوامل اثرت على توحيد الدول العربية في مساندة القضية الفلسطينة أو ما يسمى القضية الأم، وكان الاتهام المتكرر بان الدول العربية والإسلامية ممول وداعم وراع للارهاب بالتأكيد كان له تأثير سلبي على وحدة الصف العربي، بالاضافة للخلافات بين الفصائل الفلسطينة وآخرها الانتخابات التشريعية ما أدى الى عزل قطاع غزة عن الضفة، بالاضافة لتدخل بعض الدول الاقليمية في القرار الفلسطيني، حيث إن هذه التدخلات قد تكون غير مقبولة من بعض الدول المحيطة والداعمة للقضية الفلسطينة، وقال الدكتور الربيع: بالرجوع خطوة إلى الخلف فإننا سنجد أننا بحاجة إلى تقليب صفحات التاريخ لدراسة المسارات التاريخية التي مرت بها القضية الفلسطينة منذ ما يقارب السبعين سنة تقريبا ودور الدول العربية والاسلامية والعالم في هذا المسار سواء بالسلب والايجاب، موضحا أنه منذ قرار تقسيم فلسطين سنة 1947م والدول العربية في مجملها تحاول جاهدة وبشتى الطرق الدبلوماسية والعسكرية استرداد حقوق الفلسطنين وتشكل هذه من وجهة النظر العربية من أهم القضايا بالنسبة الدول العربية والاسلامية ولا تخلو قمة عربية مجدولة أو استثنائية من مناقشة القضية الفلسطنية وتكاد تكون الاولى على جدول الأعمال، ومنذ قرار التقسيم بشأن تقسم فلسطين مرورا بالاسلحة الفاسدة سنة 1948م أو ما يسمى النكبة ومن بعده حرب النكسة التي خسرها العرب سنة 1967م وخسر العرب الاراضي العربية، حيث تم احتلال الجولان وسيناء والضفة الغربية وقطاع غزةوالقدسالشرقية وترتب على ذلك تهجير الملايين من الشعب الفلسطيني الى مدن ومخيمات عديدة منها على سبيل المثال مخيم عين الحلوة ببيروت أو مخيم اليرموك بسوريا أو الاردن والبعض هاجر لدول أجنبية. منذ ذلك التاريخ والدول العربية تسعى بالطرق الدبلوماسية والعسكرية الى استرداد هذه الأراضي. ففي عام 1973م خاضت الدول العربية واسرائيل او ما يسمى حرب اكتوبر بعدها تم الاتفاق على استرداد الأراضي المصرية بتوقيع اتفاقية ما يسمى اتفاقية كامب ديفيد سنة 1978م بين مصر واسرائيل في عهد الرئيس أنور السادات وبيغن الرئيس الاسرائيلي برعاية الولايات المتحدة الامريكية، ومن ثم اتفاقية بين الاردن واسرائيل سميت وادي عربة سنة 1994م، مشيرا إلى أنه منذ توقيع تلك الاتفاقيات سواء لمصر أو الاردن حصل بالتأكيد شرخ بين الدول العربية والدول الموقعة مع الكيان الصهيوني، حيث اعتبره بعض الدول اعترافا صريحا باسرائيل، حيث تم تجميد عضوية مصر ونقل مقر الجامعة العربية لتونس، حيث ادى اختلاف الدول العربية وتقاعسهم ودعم الدول العظمى اسرائيل الى تمكنها من بناء المستوطنات على الاراضي الفلسطينية والاغتيالات الاسرائيلية للكوادر الفلسطينية مثل الشيخ أحمد ياسين وعبد الرحمن الرنتيسي، بالاضافة لمحاصرة الزعيم الفلسطيني الرئيس ياسر عرفات - رحمه الله - لمدة سنتين في محل اقامته بعدها شنت اسرائيل الحرب على قطاع غزة واستشهد أكثر من 1500 شهيد وتمت محاصرة القطاع عن العالم الخارجي، بالاضافة لرفضها مبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت، واضاف الدكتور الربيع أنه من الأهمية أن نتذكر كلمة خادم الحرمين الشريفين في القمة العربية في الرياض عندما قال: إن العيب ليس في الجامعة العربية وانما العيب في الدول العربية، حيث إنها لم تستطع إلا انجاز القليل لشعوبها ودولها، حيث كان لخادم الحرمين الشريفين دور في موضوع المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس بما يعرف باتفاقية مكةالمكرمة بحضور الفصائل الفلسطنية والدور الذي لعبه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في مجلس الامن لوقف العدوان الاسرائيلي على غزة في عام 2008م وكلمته المؤثرة، بالاضافة لما قدمته المملكة من معونات للشعب الفلسطيني، لافتا إلى الدور الهام الذي لعبه الربيع العربي في دعم القضية الفلسطينية ولمصر دور هام وفاعل في عملية تبادل الاسرى بين الفلسطينيين والاسرائيليين خصوصا بعد ثورة يناير، بالاضافة لارسال الامدادات الى قطاع غزة عن طريق معبر رفح وفتح المعبر للشعب الفلسطيني المحاصرمنذ 2008م ونقل المساعدات الانسانية الى داخل القطاع ودورها في التهدئة بين حماس واسرائيل برعاية امريكية مصرية ورجوع حركة حماس الى الحضن العربي وكان لمصر دور كبير في مساعدات الوفود العربية والاسلامية من الدخول والتنسيق في زيارة غزة اثناء شن العدوان الاسرائيلي مؤخرا على القطاع ولا ننسى زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني للقطاع ووضعه حجر الاساس لعدة مشاريع من مستشفيات وبناء عدة مدارس وبناء المجمعات السكنية، بالاضافة لقيام مملكة البحرين مؤخرا بوضع حجر لاساس لعدة مشاريع، ومؤخرا تكللت تلك المواقف الايجابية وحققت فلسطين في الامم المتحدة انتصارا باعتماد الجمعية العمومية قرارا بقبولها دولة غير عضو بصفة مراقب فصوّت لصالح القرار 138 دولة ، فيما صوّت ضده تسع دول، وامتنع عن التصويت 41 دولة، لافتا إلى أن الجميع ينتظر المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس التي سوف تكون برعاية مصرية وبعض الدول العربية وكان أخر تصريح لابو مازن وخالد مشعل واسماعيل هنية يؤكدان حرصهم على المصالحة الفلسطينة والوحدة الفلسطينة التي سوف تدعم المواقف العربية تجاه القضية الفلسطنية لاسترداد حقوقه المسلوبة الدويلة الصهيونية صنيعة غربية لتحقيق الأهداف الاستعمارية في المنطقة الكيان الصهيونى صنيعة غربية من الطراز الأول وقفت دوله وقواه الكبرى بل ومنظماته المؤثرة وراء فكرته وتطويرها ثم بلورتها فى خطوات عملية تجسدت فى دويلة اسرائيل فى الخامس عشر من مايو 1948 على أرض فلسطين التاريخية ويجمع الخبراء والباحثون أنه من دون تقديم الدعم والإسناد المالى والسياسى والإعلامى من الغرب لما كان بوسع هذا الكيان أن يخرج للوجود ولكن السؤال الجوهرى فى هذا السياق هو كيف أقنع متطرفو اليهود كل هذه القوى للوقوف الى جانبهم ومساعدتهم لإقامة هذه الدويلة التى ما زالت تشكل الخطر الرئيسى ليس لفلسطين فحسب وإنما للأمن القومى العربى. أسباب عديدة في رأى السفير سعيد كمال نائب رئيس مجلس مجتمع المعرفة الآفروآسيوى وعضو سكرتارية التضامن والأمين العام المساعد للجامعة العربية لشئون فلسطين والاراضى المحتلة سابقا فإن ثمة أسبابا عديدة وراء قدرة متطرفى اليهود على إقناع دول العالم بإقامة كيانهم فى المنطقة العربية يأتى فى صدارتها تراكم جهود الحركة الصهيونية العالمية لتحقيق هذا الهدف الذى بدأت بوادره فى المؤتمر الصهيونى الأول الذى عقد فى 1897 بمدينة بازل السويسرية المؤتمر الصهيوني بزعامة مؤسس الحركة الصهيونية "تيودور هرتزل" والذى سعى الى تنظيمه بعد أن شعر بالإحباط بسبب عدم مساعدة أغنياء اليهود في تمويل مشروعه بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود ويكون إما في فلسطين، الأرجنتين، أو في أنغولا. وقد ضم كل الجاليات اليهودية لتنفيذ هذا المشروع وقد اتخذ المؤتمر سلسلة من القرارات نصت على أن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين بالوسائل مع تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتنظيم اليهود وربطهم بالحركة الصهيونية واتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني (إعطاءه شرعية دولية وتشكيل منظمة الصهيونية العالمية بقيادة (تيودور هرتزل)) ثم تشكيل الجهاز التنفيذي "الوكالة اليهودية" لتنفيذ قرارات المؤتمر؛ ومهمتها جمع الأموال في صندوق قومي لشراء الأراضي وإرسال المُهاجرين لإقامة المستعمرات لليهود في فلسطين ,وقد عملت المنظمة الصهيونية العالمية بإصرار منذ صدور قرار تأسيسها في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، والذي تضمّن على إقامة وطن لليهود. استغلال المهاجرين ويقول السفير كمال فى حديثه ل"اليوم" وبالطبع تتابعت الخطوات التنفيذية وتجلت فى تكثيف تهجير اليهود من مختلف أرجاء أوروبا الى فلسطين فشكلوا مجموعة بشرية مقبولة فى إطار التسامح الذى يتسم به الشعب الفلسطينى لكن - أى الوكالة اليهودية - استغلت هذا التسامح فى الدفع بالمزيد من المهاجرين اليهود لأن ثمة قرارا قد اتخذ فى أوساط قيادتها العليا بإقامة الوطن القومى لليهود فى فلسطين بديلا عن المناطق الأخرى التى كانت مقترحة خلال مؤتمر بازل وهو ما استتبع تأسيس العديد من المنظمات السرية ذات الطابع العسكرى وأهمها : الهاجاناه أى المنظمة العسكرية اليهودية السرية الإرهابية و"البالماخ" والتى كانت بمثابة الجيش الدائم ل"الهاجاناه" ثم "الأرجون" أى "المنظمة العسكرية القومية" ثم "شتيرن" أى المحاربين من أجل حرية اسرائيل والتى ضمت المنشقين عن "الهاجاناه". وقد آمنت هذه المنظمات – كما يقول محدثنا - بمنهجية السلاح كسبيل وحيد لإقامة الكيان الصهيونى الذى اطلق عليه مسمى اسرائيل وهو ما أرضى الغرور اليهودى الذى كان يطمح دوما منذ نشأة الحركة الصهيونية فى تحقيق حلم الدولة وبالطبع قوبلت هذه المنهجية من قبل الفلسطينيين بإعلان الجهاد على يد الحاج أمين الحسينى ضد هذه المنظمات الإرهابية وضد الانتداب البريطانى الذى شكل الغطاء للمشروع الصهيونى. وعد بلفور وهنا يتوقف السفير سعيد كمال عند الدور الذى لعبه وعد بلفور والذى أطلقه وزير خارجية المملكة المتحدة "آرثر جيمس بلفور" فى الثانى من نوفمبر 1917 والذى يعتبره المرجعية الرئيسية لقيام الكيان الصهيونى فى فلسطين فى 15 مايو 1948 والذى جسد قوة اليهود وحجم تأثيرهم الواسع فى الاقتصاد البريطانى ثم فى الثقافة البريطانية وهو ما دفع حكومة لندن الى التجاوب مع ضغوطهم التى لم تتوقف عند حد دون أن تضع فى حسبانها حقوق شعب آخر يقيم فى الأرض التى وعد بها اليهود لإقامة وطنهم القومى وذلك يشكل واحدا من أهم الأسباب الجوهرية – كما يضيف - وراء تمكين اليهود من مقاربة حلمهم فى إقامة دويلتهم. ويرى كمال وهو صاحب خبرة طويلة فى القضية الفلسطينية أن استمرار الدويلة الصهيونية فى المنطقة العربية يعود بالدرجة الأولى بعد فترة التأسيس فى أربعينيات القرن الفائت الى الدعم بكل الوسائل الذى قدمته الدول الكبرى فالاتحاد السوفيتى بالرغم من كل مواقفه الإيجابية تجاه العرب والفلسطينيين هو من وفر العنصر البشرى لهذه الدويلة من خلال السماح بتدفق هجرة السكان اليهود على نحو أسهم فى رفع معدلات نموها الديموغرافى بينما قدمت الولايات المتحدة ودولتا الاستعمار الرئيسيتان فى أوروبا : بريطانيا وفرنسا المساعدات المالية واللوجستية الى هذه الدويلة وذلك فى إطار المشروع الغربى بضرورة شطر المشرق العربى عن مغربه عبر إقامة الكيان الصهيونى بما يصب فى تحقيق الأهداف الاستراتيجية للاستعمار الغربى التى ما زالت قائمة حتى اليوم بالرغم مما يبدو من تغيرات على السطح فقط. كيف التصدي؟ وسألت السفير سعيد كمال : هل بمقدور العرب وتحديدا الفلسطينيين التصدى لخطر الدويلة الصهيونية وهل ترى أنه يمكن استبعاد الحل السياسى المتمثل فى أن السلام خيار عربى استراتيجى والذى أقرته القمم العربية المتعاقبة ؟ يجيب قائلا : لقد كان لافتا أن الذى تبنى مقولة السلام خيار استراتيجى هو الرئيس السورى السابق حافظ الأسد أمام إحدى القمم العربية وتبنت الأطراف العربية هذه المقولة على نحو جماعى مع بعض التحفظات كانت تبدو فى بعض الأحيان من هذا الطرف أو ذاك ووضع القادة العرب هذه المقولة ضمن منظورهم لحل الصراع مع الدولة الصهيونية من خلال موافقتهم على مبادرة السلام العربية فى قمة بيروت 2002 ومنذ ذلك التاريخ لم يتخل العرب عن هذا المنظور ويتابع : إذا كان ثمة من يدعو فى الوقت الراهن الى إعادة النظر فى عملية السلام والمبادرة العربية فذلك لا يتسق مع العقلانية والواقعية التى يتعين أن نتحلى بها فى إدارة الصراع مع دولة اسرائيل لأن ذلك معناه إعلان الحرب فى وقت ليس فيه أى استعداد حقيقى لها لدى الأطراف العربية واذا كان هناك من يدعو الى ذلك فعلى العرب أن يقوموا بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك من خلال الدعوة الى عقد اجتماع لرؤساء أركان الجيوش العربية حتى ولو بشكل سري لوضع البدائل فى حالة التخلى عن المبادرة العربية ولكن الأمر لا يعنى الاستسلام لحالة المراوغة الاسرائيلية وإنما يستوجب الاستمرار فى طرح المنظور العربى للنزوع للسلام والسعى فى الوقت نفسه لإجهاض المشروع الصهيونى فى فلسطين وقد شكل اللجوء الى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على وضعية الدولة المراقب فى المنظمة الدولية خطوة مهمة فى هذا الاتجاه لاسيما أن 133 دولة باتت تعترف الآن بالدولة الفلسطينية وهو ما أوقف نهائيا طروحات أن النزاع مع اسرائيل هو نزاع حدود وإنما هناك أراض فلسطينية خاضعة للاحتلال يتعين انهاؤه وهو ما يغير معادلات التعاطى مع القضية الفلسطينية وبالذات على صعيد الشرعية الدولية والقانون الدولى. غير أن ذلك لا يعنى استبعاد تفعيل المقاومة الشعبية الفلسطينية للاحتلال وهى بمقدورها خاصة أنها لا تتناقض مع حق الشعوب فى الكفاح ضد الاحتلال وفق ميثاق الأمم المتحدة الذى قام على أساسه الكيان الصهيونى أن تشكل عاملا مهما فى التصدى للدولة العبرية وقد لمسنا قوتها وتأثيرها فى الانتفاضتين الأولى والثانية بالأراضى المحتلة فضلا عن استمرار أشكال المقاومة الأخرى التى تؤمن بها كل شعوب الأرض التى نالت استقلالها وبنت أوطانها . وعندما سألت "اليوم" الباحث الفلسطينى الدكتور محمود خلوف : كيف نجح متطرفو اليهود فى إقناع العالم بدويلتهم العدوانية وكيف أقنعوه باستمرار الدعم والإسناد السياسى والمالى والإعلامى لها حتى الآن ؟ أجاب قائلا : أرى أن الأمر مرتبط بشكل وثيق بعلاقة مصالح قائمة بقوة منذ عصر النهضة في أوروبا، ولديهم قناعة بضرورة التوحد في مجابهة ما يسمونه بالخطر الأخضر أو خطر انتشار الإسلام .... والصهاينة عزفوا بشكل جيد على وتر الإرهاب بعد تفجيرات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وقطفوا ثمارا قد تكون أكثر مما حلموا به ..كما لعب اليهود جدا على موضوع المحرقة وممارسات هتلر وحصلوا على فاتورة غالية الثمن ليس فقط من أوروبا بل من كل الدول الاستعمارية والمتقدمة، مستغلين رغبة الغرب بوجد قوة ردع ورغبتهم بوجود إسرائيل كسرطان بجسد الأمة العربية. يضاف إلى ذلك سيطرة اليهود على صناعة الإعلام في العالم، من أبرزها مدينة هوليود للانتاج في الولايات المتحدة وحلفهم الاستراتيجي مع روبرت ميردوخ إمبراطور الإعلام في العالم... فكل هذه الأمور عوامل قوة تسهم في تحسين صورتهم، وفي قلب الحقائق وتحريفها.. كما أن اليهود استفادوا من وجود تيار مسيحي متطرف يؤمن بأن عودة المسيح مرتبطة بحشر اليهود في فلسطين، وانهم حتى يضمنوا عودة المسيح عليهم أن يوفروا عوامل الرفاهية والأمن لشعب إسرائيل ليشجعوهم على الإقامة في مكان واحد .... واليهود يعرفون ذلك ويستفيدون من مثل هذه الجماعات المتنفذة كثيرا في صنع القرار في الولايات المتحدة وغيرها... سياسي.. أم عسكري؟ وحول رؤيته لكيفية التصدى العربى والفلسطيني لخطر هذه الدولة وما إذا كان الخيار السياسى كافيا لذلك يقول الدكتور مخلوف : إن إسرائيل دولة متقدمة علميا وصناعيا، وغنية ماليا وتحصل على دعم أمريكي وأوروبي وصهيوني سخي، في المقابل هناك تقصير عربي واضح في دعم الشعب الفلسطيني ودعم السلطة الوطنية بما تحمله من رمزية باعتبارها بؤرة تجسيد الاستقلال على الأرض...العرب طرحوا مبادرة السلام العربية منذ عام 2004 وإسرائيل ما زالت تتهرب من خيار التسوية، ما يتطلب التفكير بخيار عربي – فلسطيني مشترك، بديل لمبادرة السلام، مع ضمان عدم وجود قنوات سرية بين بعض الأنظمة والصهاينة وعدم وجود مكاتب للتمثيل التجاري مع إسرائيل. أشدد على صعوبة الحديث عن قدرة الشعب الفلسطيني دون دعم عربي في مجابهة إسرائيل الدولة المتقدمة عسكريا وعلميا ... أرى أن الخيار السياسي يجب ألا يقتصر على طرح السلام كخيار استراتيجي، بل مطلوب تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك كما تحدث الرئيس محمد مرسي في خطاب تنصيبه... وعندما تجد إسرائيل العرب يسيرون بالطريق الصحيح تحسب ألف حساب لهم.
ما حقيقة التواطؤ الغربي مع الصهيونية الحديثة؟ على خلاف العديد من الحركات الأيدلوجية ذات الطابع السياسي التي عرفها العالم كان لنشأة وتشكيل وتطور الحركة الصهيونية خصوصية استثنائية بين معظم الحركات التي نشأت على نفس المنوال أو بالتزامن أو بالتقارب التاريخي حيث كانت حركة برجماتية خالصة من اللحظة الأولى تمكنت من توظيف بقية الأدوات لخدمة هذا السياق البرجماتب ، فاستغل الدين للحشد للعودة والهجرة إلى الوطن الموعود ،رغم أن هناك عشرات من المؤتمرات للصهاينة كانت تبحث عن موطن لقومية يهودية ،وكان هذا البحث يتجه بحسب السياسة الدولية من موقع لآخر حتى تم إرساء الأمر في النهاية على فلسطين ، كما تم توظيف الفقر والاضطهاد الذي عايشه اليهود في العالم الاوربي لتسير قوافل الهجرة إلى الوطن الموعود لتحقيق الحُلم التاريخي ، وكانت هناك دعوات لا تنقطع للمؤسسين من رواد الحركة الصهيونية داعية إلى الهجرة لاستبدال المواطنين الأصليين باليهود لتحقيق هذه القومية ،وجاء السفارديم من مواطن أخرى لملء الفراغ إلى جوار الاشكيناز حتى ولو ظل هناك فوارق عنصرية بينهما ، لكن المهم للحركة الصهيونية هو انتاج هذه الخريطه في النهاية ، ومن الضروري أن تبقى الحركة الصهيونية بحاجة إلى معاونيها لتحقيق أجندتهم في المنطقة ، في مقابل الإبقاء على احتياج الحركة للدعم الغربى لتحقيق تلك الأهداف . دور هرتزل على إثر حكم صدر عام 1879 أدان فرنسي يهودي ، وشاب هذا الحكم من وجهة نظر اليهود الكثير من الصهيونية ، حيث لم تكن الأدلة قوية لإدانته ، حينها أحس اليهود بأن هناك معاداة للسامية، وبدأت مجموعة يهودية تنشر فكرة البحث عن قومية لليهود لحل اشكاليات معاداتهم في هذه المجتمعات ، وأخذوا يشنون حملات منظمة تقول: بعدمية وواقعية أفكار المواطنة وحقوق الإنسان وأنها مجرّد دعاوى ظاهرية ، لكن العداء للسامية هو الأصل . تلقّف اليهودي النمساوي ثيودرو هرتزل وهو صحفي هذا الخيط وأخذ يعمل على طرح فكرة استغلال تلك الأجواء من أجل تكوين قومية للشعب اليهودي، لكنها كانت محاولات لم تصل إلى التفكير في إنشاء دولة ، وإنما كانت فكرة لجماعة ثقافية تهدف إلى إنشاء منارة ثقافية لليهود في أرض الميعاد أو الوطن الموعود ، لكن في المقابل كانت تبنّت جماعات سياسية أو الصهيونية السياسية " طرح الدولة بمعناها السياسي ، ولم يكن هذا التيار موحّداً فالبعض كانت له توجهات سياسية اشتراكية متأثرين بالحالة الروسية ،وآخرون تأثروا بالحالة الغربية . دور وايزمان وبعد تنامي هذا التيار ، يقول سعيد عكاشة رئيس وحدة الدراسات الاسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية اصطف العديد من رواد الحركة في صف دعم الحلفاء في الحرب العالمية الاولى، وقدّم حاييم وايزمان وهو كميائي معروف خدمات جليلة للحلفاء ، ومعه العديد من أبناء تلك الحقبة مثل ابن غوريون ، الذين استطاعو أن يقرأوا المستقبل السياسي لهذه المنطقة جيدا في خضم التحوّلات السياسية الدولية، حيث كانت المنطقة تحت سيطرة فرنسية بريطانية فأسسوا فيلق اليهود الذي شارك في الحرب العالمية الأولى ، ولمّا انتهت في عام 1918 تمكنوا من انتزاع وعد بلفور الشهير بإقامة وطنٍ قومي لليهود في فلسطين ، بعد أن سيطر خطاب تلك المجموعة بأن هناك قوميتان الأولى عربية لديها ثقافة معادية للغرب الأوربي المحتل للعديد من الدول العربية ، في المقابل يمكن أن تتشكل قومية يهودية خاصة من الاشكناز القريبين على المجتمع الاوربي من حيث الثقافة ومن ثم يمكنهم خدمة تلك المصالح الغربية في هذه المنطقة ، ومن ثم كانت خطوة برجماتية أيضا . تحالف مع الغرب قبيل الحرب العالمية الثانية كان العالم منقسما بين شرق وغرب ، وكان الصهانية عليهم أن ينحازوا إمّا إلى الغرب القديم المتمثل في بريطانيا تحديدا ، أو الولايات المتحدة القوة العالمية الصاعدة ، يضيف عكاشة: وكان أيضا هناك تفكير حتى في الانحياز الى روسيا ، لكن التجربة السابقة لهم مع روسيا جعلت الكثيرين منهم يُسقِطون هذا الطرح من الحسابات ، فحتى الميول الروسية لليهود كانت ضعيفة ، في حين أن البريطانيين كانوا أكثر برجماتية منهم ،وكانوا يتوقع أن يتخلّى عنهم اليهود حتى لو اقيمت لهم الدولة الموعودة . لعبة البراجماتية كان البريطانيون يفكرون فى انحياز صهيوني يحمي المصالح البريطانيةفي المنطقة ،وفي مقدمتها قناة السويس في مصر ، فإن لم ينجح اليهود يمكن أن يتحولوا إلى الأردن ، وليس في فلسطين ، ولكن الصهاينة ردوا ببرجماتية موازية ، إذ عملوا على تجاوز خطوط الانتداب البريطاني في تلك المنطقة ، وعليه دخل البريطانيّون في حرب معهم ، وسعى الصهاينة بعدها إلى الميل في الاتجاه الامريكي ، فحتى التكوين الامريكي كان مشابها ، شعوب من جنيسات وقوميات مختلفة انتصرت على أرض جديدة بعد إبادة الهنود الحمر ، وسعى الصهاينة الى التضخيم من هول الجرائم التي ارتكبت في حقهم مثل المحرقة النازية ، كما سعوا في اتجاه آخر إلى كسب الود الامريكي بكل الطرق كونه من الممكن أن يموّل هذا المشروع ويسانده بكل الطرق ، وخاصة بعد عام 1942 بعد مؤتمر بلتيمور ، وفعليا نجح اليهود الصهاينة في انتزاع اعتراف أمريكي بالدولة في عام 1948 بعد دقائق من الإعلان . مصالح استراتيجية ليست هناك عقدة ذنب وإنما هناك مصالح استراتيجية بين الأطراف ، ربما في خلفيّتها يجري استغلال ايدلوجيا دينية لخدمة المشروع الصهيونى في النهاية ، يقول د. عاطف النجمى رئيس جميعة الدفاع العربي وهو قومي عربي " القوى المسيطرة على العالم الآن كانت تماثلها قوى موزاية من قبل حين نشأت الحركة الصهيونية تاريخيا ، لكن المتابع لهذا التاريخ يكتشف أن كلاً من الحركة ، أو رعاتها كان هدفهم الأساسي هو الاقتصاد والسيطرة على مقدرات هذه المنطقة ، تم ذلك في عهد الامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس ، ولما دارت الدوائر وصعد النجم الأمريكي لتشكيل الامبراطورية ،انتقل الصهاينة لِلِّحاق بركب هذا النجم الصاعد . اقتصادي أيديولوجي ويضيف: " في تصوري ، على الرغم من ان النتائج الرئيسة لهذه المصالح هو اقتصادي ،لكنه كان على بينيّة أيدلوجية ، وخِطط سياسية ، كان الهدف من استعادة روح الامبريالية لكن في ثوبها العالمي الجديد، فيزدهر العالم العربي ، وينتعش بالنفط، فيأتي التخطيط لتقصد الازدهار السياسي بأن تكون اسرائيل ، هذا الكيان الصهيوني شوكة في ظهر أيّ محاولات للتقدم العربي والقومي ، ويمكن معها وأد أيّ محاولات لتشكيل اتحاد لها على غرار الاتحاد الاوربى مثلاً . تواطؤ مشترك ومن منظور النجمي فإن أكبر دليل على برجماتية الأداء الغربي المتواطىء مع الصهيونية لا يتجلّى في التعامل بسياسة الكيل بمكيالين في القضية الفلسطينة رغم ثوابتها المعترف بها دوليا ، وإنما أيضا هو محاولات غربية لتوظيف الحركة الاسلامية في نفس الاتجاه ، فمنها ظهور باكستان الذي جاء برغبة انجليزية كانت ضاغطة على غاندي ، وبعد تاريخ طويل تمتلك باكستان قنبلةً نووية لا يمكلها العالم العربي كلّه رغم ثراء دوله ، لكن لتكون حائلاً دون الاتصال العربي الهندي ، او لتكون حدا فاصلا بين الهند الهندوسية رغم تقدمها والعالم العربي الإسلامي ، وكذلك هل كانت فرنسا راعية للمشروع الاسلامي الشيعي في ايران لتحمي الخميني وتدفع به في لحظة إلى ايران لتحويلها الى دولة الثورة الاسلامية لتكون شوكة من جانب آخر في قلب هذا المشروع ، وهنا يدفع العرب الكثير من أجل السلاح ، وتروّج هذه التجارة وتزدهر ، ويخلق مناخ للوجود الامريكيي في المنطقة، مثلما هو الحال في وضع مؤطىء قدم من قبل للحركة الصهونية ، إذن هذا الغرب لم يشعر بعقدة الذنب وإنما خُلق بدلاً من الحركة الصهيونية ، حركة على كلِّ لونٍ ودين لخدمة أجندته ومصالحه، ألم تكن اتفاقية السلام مع اسرائيل هي اتفاقية العار قبل وصول الإخوان المسلمين للسلطة لتصبح بعدها عهد فعله رسول الله من قبل ، كما يصبحون حمائم السلام بين حماس واسرائيل بعد أن كانت هتافاتهم من قبل " خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود "،ألم يكن حصار غزة عاراً على النظام السابق في وجهة نظرهم ،واليوم تطير الطائرات الاسرائيلية من فوق سمائنا لتضرب السودان ولا أحد يقول لها أين أنت ، أليست هذه حركة على نفس اللون وتوظّف بنفس الاسلوب ، توفير الدعم المسبق لجلب المصالح اللاحقة؟؟.