يخاطب الله عز وجل رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، بأنه تكفّل به، ومنحه حصانةً ليست كالحصانات الأخرى، لا تُقارن ولا تُضاهى، ولا تستطيع أية دولة أو نظام أن يمنحها لمنسوبيه، ولا أقوى دولة ولا أعظم دولة أن تفخر بهذه الحصانة، هذه الكفاية الإلهية المنيعة هي سبب قوّة الدعوة، وصولات وجولات نبيِّ الهدى محمدٌ صلى الله عليه وسلم في مشارق الأرض ومغاربها، كفاه الله تعالى شرّ قريش، وأشرافها، وأشرارها، يوم هاجر إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، ويوم اختبأ وصاحبه أبو بكر الصديق في غار حراء، هذه الكفاية الإلهية صاحبت الرسول صلى الله عليه وسلم في كل غزوة وفي كل موقعة حتى تم نشر الدين الإسلامي الحنيف في جميع أصقاع الأرض، كُلِّلت حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالانتصارات والنجاحات الواحدة تلو الأخرى، وبعد انتشار الدين الإسلامي الحنيف وتوطيد أسس الدولة الإسلامية الأولى شاء الله عزّ وجل أن ينتقل الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه للرفيق الأعلى بعد أن وطَّدَ دعائم الدولة الإسلامية وبلَّغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل الله حق جهاده، خلفه من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وبعد مُضي أكثر من 1400 عام على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم واجه أتباع الدين الإسلامي الحنيف هجمات عنيفة ومُغرضة من غير المسلمين مما أثار حفيظة المسلمين هنا وهناك، وأثار الكثير من الزوابع والحملات ضد هذه الهجمات في العالم الإسلامي والعربي خاصة، مما أدى إلى صراع مواجهة بين المسلمين وغير المسلمين على كافة الأصعدة والمقاطعات الدبلوماسية والتجارية، هذا كله بلا شك أدى إلى ظهور مقارعة الحجة بالحجة، ناسين أو متناسين بأن الله سبحانه وتعالى كَفَلَ رسوله الكريم في حياته وبعد مماته، وحصَّنه وكفاه وحماه في جميع أدوار جهاده ونشر دعوته حتى أرسل إليه جُنداً من السماء في غزواته الإسلامية، والشيء المؤسف اليوم أننا لا زلنا ندعو في منابرنا ومساجدنا على غير المسلمين ونطلب من الله أن يدمر أعداء الدين قال تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله .....)، ولا زال بعض المتطرفين والمتعصبين منّا يصرون على تحليل دمائهم وقتلهم بسببٍ أو بدون، وهم بذلك يخرجون على الدين والنظام والقانون والتشريع، وحتى الإنسانية، فيقتلون أناساً بعيدين عن التطرف أبرياء قدموا للعمل، ودخلوا إلى بلاد المسلمين بفيز ورخص تؤهلهم للعمل معنا جنباً إلى جنب، فلابد أن نعي أن هؤلاء المتطرفين ليسوا قاعدة يُسار عليها ولا نظامٌ يُحتذى به، وهم يحتاجون منّا إلى التعليم والرفق والتوعية والتنوير وإيقافهم عند حدود الدين؛ لأننا لو احترمنا أنفسنا لأجبرنا غيرنا على احترامنا.. فالدين هو المعاملة، وليس الاستهتار والاستهزاء بالآخرين أو الاعتداء على النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، إن الدين الإسلامي الحنيف جاء للعالم بشرائع سماوية هذبت النفوس وآخت بين بني البشر بكافة أجناسهم وألوانهم وأديانهم.. فعامل الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينةالمنورة معاملة إنسانية معاملة الجار للجار، لم يهزأ الرسول من جنسٍ أو دينٍ ولم يحقر رسالةً سماوية! فلهم ما لنا وعليهم ما علينا، فعلى أولئك المتعصبين مراعاة قواعد وثوابت ديننا الحنيف وعدم الخروج على أهل الكتاب، فالدين الإسلامي دين سماحة وعطاء وإخاء انتشر من خلال التعامل الحسن والقدوة الصالحة والنيّة السليمة، ولم ينتشر بقوّة السلاح أو السيف كما يعتقد البعض والكثير منّا. هذّب الدين الإسلامي الأخلاق عند العرب وغير العرب، وطلب الله من أولئك الأعراب الذين جاءوا للرسول الأعظم يرفعون أصواتهم منادين عند بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، يا محمد، فأنزل الله قرآنا يعاتبهم به ويهذب أخلاقهم، قال تعالى: ((إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون))، ومن سماحة هذا الدين أيضاً أنه عاتب الرسول الأعظم عندما جاءه الأعمى، قال تعالى: ((عبس وتولى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكّى))، ثم عاتب الله رسوله في كتابه العزيز: ((لست عليهم بمسيطر، إلا من تولى وكفر))، فهذا الدين الإسلامي لم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا شملها برعايته وسماحته وعتابه وتبصيره للمسلمين وغيرهم فالكل في شريعتنا الإسلامية على حدٍ سواء، ليس هناك فرق بين مدير أو رئيس أو قائد فالكل عند الله كأسنان المشط، ولا فرق بينهم إلا بالتقوى. وختاماً اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون.