حولت الانتقادات اللاذعة والتطاول على الشخصيات الرياضية وإطلاق الاتهامات والتشكيك في ذممهم، الساحة الرياضية إلى حلبات صراع محتدم تغذيه بعض الأقلام والمواقع والمنتديات الإلكترونية مما أشاع أجواء من الكراهية، إن صح التعبير، والانفلات في التعبير عن الاختلاف مع الآخر. وعلى الرغم من سقف الحرية الإعلامية الواضحة حاليا، إلا أن المسؤولين في الأندية واللاعبين أيضا أبدوا استياءهم من الطريقة التي يستغل فيها البعض ذلك السقف في تصفية الحسابات، واستبدال النقد الهادف بالإساءة والتجريح؛ وهو ما حدا بالاتحاد السعودي لكرة القدم إطلاق «حملة الاحترام» التي ستنفذها هيئة دوري المحترفين بالتعاون مع لجنة الأخلاق واللعب النظيف في الاتحاد ابتداء من الموسم المقبل تحت شعار «الكرة لا تعني الكره» وتهدف إلى تنقية الأجواء الرياضية والارتقاء بها إلى مصاف التنافس الشريف بعيدا عن العصبية والتفلتات وغرس وتنمية مبدأ الاحترام في البيئة الرياضية باعتباره مسؤولية أخلاقية جماعية. «شمس» فتحت ملف القضية وناقشته مع بعض الشخصيات الرياضية البارزة والخبراء في المجال القانوني والإعلاميين وأشركت كذلك بعضا من المتابعين للحديث عن وجهات نظرهم وأفكارهم للحد من تلك الظاهرة. صافرة البداية أطلقها رئيس نادي الرائد فهد المطوع الذي أبدى أسفه لحجم الانتقادات المتبادلة أو الموجهة للرياضيين، «عندما تقول لأحد إن الإساءة إلى شخصيات بعينها واتهامها باطلا لا يصح، يقول لك إنها كرة قدم، ولا يوجد ما يمنعه من الحديث بحرية متناسين أن الإسلام منع مثل تلك التصرفات، ومع كثرة المتجاوزين يفترض أن تكون هناك عقوبات صارمة تجاههم، لأنهم يتهجمون غالبا على أشخاص يكون لديهم زوجات وأبناء وأصدقاء بشكل يؤثر في حياتهم العملية والاجتماعية». وأكد المطوع أن بعض الإعلاميين يخطئون وعندما يتم مطالبتهم بالاعتذار وأخذ حقك منهم يقولون إن ذلك مجرد حديث عابر ومساحة الحرية واسعة، «صحيح أن الجميع لديه الحرية للحديث ولكن في حدود المعقول مع الأخذ في الاعتبار الابتعاد عن الأمور الشخصية وأن يكون النقد هادفا وبناء». وطالب بأن يتخذ قرار حاسم في هذا الشأن وتطبق عقوبات على المتجاوزين حتى ترد الحقوق لأصحابها، فالرياضة تهدف للتقارب والمحبة والأخوة وإذا وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن فلا حاجة لنا بها. «نحن بوصفنا رؤساء أندية اتجهنا للرياضة لخدمتها وليس للحصول على المال أو الشهرة كما يعتقد البعض، ويجب على الرياضيين أن يعوا أننا بشر ومعرضون للأخطاء، وأن يقدروا حجم العمل الذي نقوم به، فأنا أتضايق كثيرا عندما أسمع نقدا يصل إلى حد التجريح لأي رئيس ناد لمعرفتي بحجم العمل الذي يقوم به، فجزاؤه في النهاية الشكر وليس الجحود». أما عضو اللجنة الفنية المدرب الوطني الدكتور عبدالعزيز الخالد فعبر هو الآخر عن أسفه لتلك الشراسة في الاختلاف والطرح الإعلامي المتشنج الذي حول البيئة الرياضية إلى وسط محتقن: «من يشاهد زخم التصريحات الصحفية والمتابعة الدقيقة للأحداث يعتقد أن لدينا أقوى في العالم»، ودعا إلى أن يدرك الجميع أن الرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص تشجع التنافس الشريف، وتعزز مفهوم الصداقة وتنبذ الكراهية والحقد، وعلى الإعلام أن ينقل الحقائق التي تخدم المصلحة العامة، وليس فقط للإثارة وكسب المزيد من القراء. من جهته أرجع نائب رئيس تحرير صحيفة «قول أون لاين» الإلكترونية ناصر الغربي السبب في هذا «التفلت الرياضي» إلى ضعف الأنظمة في قوانين الاتحاد السعودي لكرة القدم «عندما يهاجم رئيس ناد نظيرا له دون وجه حق، بدون دلائل تعزز موقفه فإنه يكون بمأمن من أي عقوبات تفرض ضده.. لذا يجب على الاتحاد السعودي أن يكون واضحا وحازما، كما كنا نطالب، فالعقوبات المالية الموجودة حتى الآن ليست كافية لردع من يتجرأ ويلقي الاتهام جزافا». ودعا الاتحاد السعودي لكرة القدم أن يستند إلى الأنظمة والقوانين الدولية وخبرات الاتحادات المتقدمة، لمعالجة مثل تلك الظواهر السالبة وماهية العقوبات التي تتخذها في مثل هذه الحالة وقد تصل إلى الإبعاد عن الوسط الرياضي أو الإيقاف لفترات زمنية محددة، وكذلك العقوبات المالية التي يجب أن بحجم تلك الأخطاء الكبيرة في حق الرياضة السعودية. ووصف المستشار القانوني عضو شرف نادي الأهلي خالد أبو راشد الظاهرة بالسلبية، فإطلاق الاتهامات دون أي إثباتات لا يجوز، والعقوبات لا بد أن تصدر من جهات الاختصاص المعنية إما وزارة الثقافة والإعلام حيث تكون عقوباتها مالية، أو المحكمة الجزئية وتكون أحكامها تعزيرية، «لكن صراحة العقوبات حاليا تحتاج إلى تفعيل أكبر حتى نحد من هذه الظاهرة التي أصبحت مرهقة لكل المنتمين إلى الوسط الرياضي خاصة مسؤولي الأندية واللاعبين بشكل مباشر». وشدد على أنه «من الأفضل الابتعاد عن إطلاق الاتهامات أيا كانت حتى وإن توفرت بأدلتها، فبدلا من التشهير في الصحف يمكن تقديم شكاوى رسمية متضمنة تلك الاتهامات وأدلتها». ولم يذهب بعض الجمهور بعيدا عن وجهة نظر الخبراء، حيث اتفقوا على أن هذه التفلتات أصبحت من الأمور المؤلمة والدخيلة على الرياضة السعودية ويجب محاربتها بشتى الطرق حتى تعود الأجواء الرياضية إلى سابق عهدها، حيث كان يسود الاحترام الجميع رغم المنافسة الرياضية الشرسة وهو ما يأملون أن تقوم به «حملة الاحترام». وقال كل من عبدالمجيد العجلان وعبدالرحمن الأحيدب وعبدالعزيز الشنبة إن اتهام الآخرين والتشكيك في ذممهم دون إثبات يدل على ضعف الوازع الديني أولا وعدم احترام حقوق الغير ثانيا، مؤكدين أن عدم وجود رادع قانوني قوي سيفاقم من هذا السلوك الذي يمس بالضرر العديد من مسؤولي الأندية واللاعبين بشكل مباشر» .